الأستاذ الإمام محمد عبده عبقرى الإصلاح والتعليم (26 )

رجائى عطية

9:39 ص, الأثنين, 5 نوفمبر 18

رجائى عطية

رجائى عطية

9:39 ص, الأثنين, 5 نوفمبر 18

وللأستاذ الإمام محمد عبده، فيما يضيف الأستاذ العقاد رأى كرأى الفيلسوف الألمانى «عمانويل كانت» فى استحالة العلم بالشىء فى ذاته (Nomena) ووقوف العلم الإنسانى عند الظواهر (Phenomenon) مع التعبير عن هذا الفارق باصطلاح الأقدمين، وهو الفرق بين الكُنْه والعوارض .

وفى ذلك يقول الاستاذ الإمام فى «رسالة التوحيد» عن غاية كمال العقل الإنسانى إنها «الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التى تقع تحت الإدراك الإنسانى حسًا كان أو وجدانًا ا أو تعقلاً، ثم التوصل بذلك إلى معرفة مناشئها وتحصيل كليات لأنواعها والإحاطة ببعض القواعد لعروض ما يعرض لها، وأما الوصول إلى كنْة حقيقة ما فمما لا تبلغه قوته، لأن اكتناه المركبات إنما هو باكتناه ما تركبت منه، وذلك ينتهى إلى البسيط الصرف، وهو لا سبيل إلى اكتناهه بالضرورة وغاية ما يمكن عرفانه منه هو عوارضه وآثاره ».

على أن قصور الإنسان عن استكناه الأشياء في ذاتها ليس بحائل من الاستعانة بعقله على المعرفة الدينية أو كل معرفة تعنيه وتنفعه فى حياته الدنيا .

ذلك أن علم العقل الإنسانى رغم قصوره يلهمه تفويض الإيمان بمسائل الغيب ومسائل الشرع .

يقول الأستاذ العقاد :

«وبهذه القوة العاقلة فى الإنسان يدرك ما يجب فى حق الله وما ليس بالممتنع فى حقه، كما يدرك ما ينبغى للخلق كله فى جملته، وقصارى القول فيه أن الواجب فى حق الله هو الواجب في حق الوجود الكامل المطلق، وأن نهاية القول فى العالم كله أنه وجود مخلوق أو وجود محدود .

«وتنجلي طبيعة المصلح العامل فى هذه الفلسفة الإلهية التى اطمأن إليها ( محمد عبده )

ـ من بين آراء الفلاسفة وعقائد المعتزلة وعلماء الكلام، فلم يكن يعنيه منها أنها فلسفة تحل جميع المشكلات وتفسر جميع الغوامض وتفصل فى جميع القضايا المعلقة بين المفكرين الإلهيين، وإنما كان يعنيه منها أنها تُبطل الحيرة من الناحية العملية فلا تشغل العقل بما لا داعية للحيرة فيه ».

ذلك أن الوجود المطلق لا يحده الزمان فهو خالق الزمان، ولا موجب إذن للحيرة فى قدم العالم أو حدوثه. فالله تعالى قادر على هذه وتلك .

والذين يقولون إن البعث بالأرواح، يزيدون على ذلك وجوب استحالة العبث بالأجسام. وهذا تزيد ينافى قدرة الله تعالى على هذه وتلك، فلا محل إذن للحيرة .

أما مسألة القدر، فإنها لا تلغى إرادة الإنسان كمخلوق محدود، ولا تبطل الجزاء عما تأتيه هذه الإرادة أو تمتنع عنه، كما وأن العلم السابق بالتكليف والعقاب لا يقتضى بطلان الإرادة النفسية، لأن الإنسان قد يريد عامدًا ما يعلم أنه معاقَب عليه، وجعل الله له إرادة على قدر وسعه، وعلى هذا «الوسع» يجرى الحساب، فالله تعالى يقول إنه لا يكلف نفسًا إلاَّ وسعها .

ويخيل إلى قارئ الفلسفة حين يراجع أقوال الأستاذ الإمام فى العقائد العضدية (نسبة للإمام عضد الدين الأيجى) ورسالة التوحيد أن الأستاذ الإمام فرغ من هذه الأقوال جميعا قائلاً لنفسه: «إن المفيد هو أن نعمل ما لا بد من عمله، فدعونا من إضاعة الوقت والعقل فى تحصيل الواقع، ودعونا من الخلاف فيما يتساوى فيه طرفاه، فإن ترك الحيرة إلى حيرة لا ينتهى إلى طائل ».

ومسلكه هذا مع الفلاسفة والمفكرين، قريبٌ من مسلكه مع الساسة والأمراء: الإصلاح بدونهم خير من انتظار الإصلاح معهم على غير جدوى !

● ● ●

والواضح من تعليقات الأستاذ الإمام على العقائد العضدية فيما يورد الأستاذ العقاد أنه تتبع مذاهب الفرق فى أمهات مراجعها، وأحاط باللباب الجوهرى من أقوال الفلاسفة المسلمين، ولم يفته منها سوى المصادر التى ظلت مطوية فى مكتبات الغرب .

وقد كان اختلاف المراجع المتاحة لكل من الأستاذ الإمام والأستاذ فرح أنطوان هو سبب ما وقع بينهما من خلاف حول الفلسفة الرشدية، فكلاهما كانت تعوزه مراجع الآخر .

● ● ●

ويعقب الأستاذ العقاد بأن مراجع الأستاذ الإمام فى مسائل الفلسفة الإسلامية كانت شاملة لمراجعها الوافية من كتب الفلاسفة والمعتزلة والمتصوفة والمتكلمين، ولكنه لا يعلم ما هى تفصيلاً مصادره التى اعتمد عليها لدراسة الفلسفة، وكل ما يعلمه أنه كان يطلع عليها فى بعض كتبها بعد تعلمه اللغة الفرنسية، وأن أقواله عن العقائد الإلهية تدل على علم بآراء الفلاسفة المتأخرين من الأوروبيين، وأغلب الظن أنه توافق فى التفكير الذى تشابهت فيه الموضوعات الفلسفية قديمًا وحديثًا، ولعل من هذا التوافق قوله الذى إرتاح إليه الفيلسوف «سبنسر» حين سأله عن العقيدة الإسلامية فى الإله .

كذلك يجوز أن نفهم أن الاستاذ الإمام نقل عقيدة المتصوفين القائلين بهذا وهو يفرق بين دلالة «الشخص» ودلالة «الذات» فى عقيدة التوحيد الإسلامية، والتى توحى كلماتها العربية بأن الذات تحتوى الصفات وتملك ما يُنسب إليها من لوازم الكلام .

[email protected]

www. ragai2009.com

 

رجائى عطية

رجائى عطية

9:39 ص, الأثنين, 5 نوفمبر 18