الأديان المغلقة وأديان الدعوة

رجائى عطية

9:24 ص, الثلاثاء, 20 ديسمبر 16

رجائى عطية

رجائى عطية

9:24 ص, الثلاثاء, 20 ديسمبر 16

ومما تناوله الأستاذ العقاد فى فصول كتابه ما ثار ويثور بشأن التفرقة بين الأديان المقفلة المحصورة فى بيئة خاصة، وبين أديان الدعوة ذات الآفاق العالمية.. وهى تفرقة تواتر علماء المقابلة بين الملل والعقائد على الإشارة إليها فى تقسيماتهم.. وأكثر أديان الدعوة عندهم فى الوقت الحاضر البوذية، والمسيحية والإسلام.

وفى هذا الموضوع يعرض الأستاذ العقاد لكتاب بعنوان «المطالعات فى الأديان العالمية».. وجملة الأديان التى يتحدث عنها أحد عشر دينًا: الهندوكية، والشنتية وهى ديانة أهل اليابان، واليهودية، والزرادشتية أو المجوسية، والطاوية، والكنفوشية، والجانية، والبوذية، والمسيحية، والإسلام، والسيخية..

ويعلق كتاب المطالعات فى الأديان العالمية، على الديانة الشنتية وهى ديانة اليابانيين بأنها كالهندوكية ديانة قومية عنصرية.. فكل منهما تخص شعبًا بعينه، وليس لأى منهما مؤسس معروف.. بل ترجع نشأتهما إلى ما قبل التاريخ.. وكلتاهما لا عناية لها بالدعوة إلى الدخول فيها، لأن كلاًّ منهما تعبير طبيعى لشعب خاص، وجزء من ثقافة اجتماعية لا تقبل الغرباء..

وكما يقرر الكتاب، فإن اليهودية أيضًا ذات ارتباط بشعب معين، وهى لهذا تشبه الهندوكية والشنتية فى أنها ديانة مقفلة وليست من ديانات الدعوة.. أما الإسلام فهو دين دعوة.. يخاطب العالم أجمع.. ولا يزال إلى اليوم ينتشر فى القارة الإفريقية..

ومع أن كتاب «المطالعات فى الأديان العالمية»، قد فطن إلى حقيقة الإسلام وجوهره من هذه الناحية، إلاَّ أنه لم يحاول كما أبرز الأستاذ العقاد البحث فى حقيقة الفارق بين أديان الدعوة والأديان المقفلة التى لا تعنى بإدخال الغرباء فى ملتها.. إلاَّ فارقًا واحدًا ذكره غير مرة، وهو الدين الذى يعبر عن بيئة محدودة والدين الذى يسرى الإيمان به إلى أقطار لا تحدها المواضع الجغرافية أو الروابط العنصرية.. ولذلك عنى الأستاذ العقاد ببيان باقى الفروق الأصيلة بين الأديان المقفلة وأديان الدعوة، وكيف تحققت فى الإسلام كافة المعانى والمقومات لدين الدعوة..

الله فى الإسلام، هو « رب العالمين ».. يتساوى عنده الناس، ولا يتفاضلون بغير التقوى والعمل الصالح..

والنبى فى الإسلام هو المبشر بالهدى والمنذر بالضلال.. وليس هو بالمنجم، ولا بصاحب المعجزات والخوارق.. والإنسان فى الإسلام.. مخلوق عاقل ذو ضمير مسئول.. لا تغنيه شفاعة، ولا تلحق به جريرة من سواه.. ولا مراء فى أن هذه من أبلغ مقومات دين الدعوة، والذى يخاطب الناس جميعًا، ولا يقصر دعوته على قوم دون قوم، فاجتمعت للإسلام مقومات الدين العالمى المفتوح للعالمين، ولهذا كان هذا الانتشار الواسع الذى حظى به بين أبناء النوع البشرى، وهذه المكانة الخاصة فى ربوع القارة الإفريقية، والتى بوأته صدارة الأديان جميعها ذيوعًا وانتشارًا فى جنباتها.

الإسلام فى أفريقيا

وقد كانت هذه المكانة الخاصة التى يتبوأها الإسلام فى القارة الإفريقية، حافزًا لكثير من الدراسات التى تحدثت عن الإسلام والقارة، ولا يكاد يصدر كتاب حديث من المطابع الأوروبية أو الأمريكية عن القارة الإفريقية إلا وتجد فيه حصة بارزة عن الإسلام..
وفى أكثر من بحث هام من هذه البحوث، يميل المؤلفون إلى ترجيح فرص الإسلام فى القارة الأفريقية على غيره من الأديان والعقائد، والكتب الأجنبية التى تناولت هذه الموضوع عديدة يعرضها الأستاذ العقاد فى إيجاز واف.. منها كتاب افريقية السوداء «لجورج كمبل»، وسلسلة كتب «باتين» عن أواسط افريقية، وموجز تاريخ القارة الذى وضعه «رولاند أوليفر» و«جورج فاج».. وهما يتعرضان فيه لتفسير معنى انتشار الإسلام فى القارة البكر باعتباره حركة من حركات الأمم فى التاريخ العالمى.. ويفصلان بين دور الفتح العربى وبين دور التغلغل الإسلامى إلى مجاهل القارة.. وفى نفس الاتجاه كتب «باتين» فى سلسلة مؤلفاته، مقررًا أن انتشار الإسلام بين الأفريقيين نتيجة منطقية لا محيد عنها لانتشار حضارة إنسانية ممتازة لم تكن فى العالم حضارة تضارعها أو تقوى على منافستها أو مغالبتها، وأن مثل هذه الحضارة لا سبيل إلى حصرها فى بقعة محدودة من العالم، ولذلك فإن انتشار الإسلام هو فى الحقيقة انتشار حضارة جديرة بالانتشار، وحركة من حركات التوسع «الأممى» تبعثها دواعى النشاط التى تمدها المعرفة، وتشحذها العقيدة التى تسود الدنيا..

الإسلام ليس شريعة سيف

فالإسلام لم ينتشر بحد السيف، وإنما بقوة العقيدة وأحكامها وشمولها.. وإذا كانت هذه الحقيقة قد فطن إليها «باتين» و«رولاند أوليفر» و«جون فاج» وكتبوا عنها بموضوعية، إلاَّ أن كثيرًا من المتصدين للكتابة عن الإسلام يغفلون عن هذه الحقيقة أو يتغافلونها، ويثيرون كثيرًا من اللغط حول الجهاد فى الإسلام.. حتى شاع بين العديد من غير المسلمين على السماع أن شريعة السيف وشريعة الإسلام شىء واحد..
وهذه فرية من جملة أكاذيب تمتلئ بها كتابات المغرضين وأصحاب الجهالة.. يرد عليها الأستاذ العقاد، ويدحضها بالحجة والبينة.. فالنظرة العابرة إلى البلاد الإسلامية تكفى للدلالة على حقيقة لا تقبل الجدل أو المناقشة، ألا وهى أن أكثر البلدان عددًا فى المسلمين أقلهم تعرضًا للغزوات الإسلامية.. كما أن إلتفاتة سريعة إلى الوراء فى تاريخ الدعوة الإسلامية كافية كل الكفاية، لتوكيد أن المسلمين لم يحاربوا قط فى صدر الدعوة إلاَّ مدافعين أو دافعين لمن يصدون الدعوة من ذوى السلطان، وكذلك كانت وقائعهم مع مشركى قريش ومشركى شبه الجزيرة العربية، كما كانت وقائعهم مع الفرس والروم.. وقبل غزة فارس بزمن طويل كان طاغيتها كسرى يطلب رسول الدعوة حيًا أو ميتًا، لأنه تجرأ وخاطبه داعيًا إلى الإسلام!!..

وجدير بالذكر أن إحصائيات الداخلين فى الإسلام فى شتى بقاع وقارات العالم، لم تكن ميسورة بالقدر الكافى زمن كتابة الأستاذ العقاد لهذه المقالات منذ 1961 حتى نشر الكتاب سنة 1963، وقد دعانى تكرار هذا الإتهام، من المبشرين وغير المبشرين، وتورط بابا الفاتيكان إلى التصريح فى خفة وإندفاع بكلمات غير متبصرة رمت الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام بأنهما جاءا بالسيف، دعانى إلى كتابة مقال بعنوان : «بل نور الهداية وسلامة اليقين»، نشر فى جريدة الأزهر 2016/12/15 وبجريدة الأخبار 2016/12/16، وأعيد نشره فى كتاب «بين شجون الوطن وعطر الأحباب» المكتب المصرى الحديث (2008)، رددت فيه على هذا الإتهام المغلوط الجائر، واستفدت بإحصائيات الأزهر الشريف المثبت فيها من حضروا إليه من شتى بقاع العالم لإشهار إسلامهم فيه، وبالإحصائيات الحديثة لدائرة المعارف البريطانية، وأحدث أعداد كتابها السنوى، وكتاب الإحصاءات الرومانى الصادر 2005، والدراسة البحثية للمعهد البحثى المسحى Christian Research Institute، وغيرها مما لم يكن متاحًا أمام الأستاذ العقاد، وأوردت فى هذا المقال نقلاً عن هذه الإحصائيات أعداد المسلمين فى كل بلدان العالم، وفى كافة قاراته، وبلوغهم مثلاً نحو ستة ملايين مسلم فى فرنسا، ونحو أربعة ملايين مسلم فى ألمانيا، وفى بلدان روسيا نحو خمسة عشر مليون مسلم، ووصول الإسلام فى أوروبا إلى أقصى بلاد الشمال فى النرويج والسويد والبلاد الواطئة وبولندا والمجر، ووصول تعداد المسلمين إلى ما يزيد عن المليون فى بريطانيا، وبلوغهم فى يوغوسلافيا (قبل تقسيمها) خُمْس جملة السكان، منوهًا إلى أن كل هذه البلدان لم يصل إليها فارس ولا حملة ولا جيش للمسلمين، بينما عدد المسلمين فى إسبانيا التى دخلها المسلمون لم يبلغ (%1.2) من نسبة السكان، الأمر الذى يقطع بانتفاء الصلة بين السيف وبين انتشار الإسلام الذى ملأ الدنيا.

وقد بلغ مما أوردته الدراسة البحثية للمعهد البحثى المسحى، أن أقرت بأن الإسلام رغم حادثة سبتمبر 2001 يزداد انتشارًا وقوة فى أمريكا، وأنه بات يمثل على حد تعبير الدراسة أقوى التهديدات أهمية للكنيسة الأمريكية، وأن المؤشرات تورى بأنه أسرع الأديان انتشارًا ونموًّا فى العالم وفى أمريكا، وأن نسبة نموه وانتشاره فى الولايات المتحدة ما بين سنى 1989 و1998 قد زادت بنسبة هائلة، كذلك فى فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وأن المصادر المسيحية والإسلامية تتفق على تأكيد أن الإسلام هو أسرع الأديان والمذاهب انتشارًا الآن فى الولايات المتحدة، وأن الكتاب السنوى (عام 2000) للكنائس الأمريكية والكندية أعطى مؤشرات مقلقة على حد تعبير الدراسة لزيادة المسلمين، ووقفت هذه الدراسة البحثية حائرة فى محاولة استشفاف أسباب هذا التزايد السريع فى أعداد المسلمين، حتى قال «جيمس دريتك»: «إنها لإثارة كبيرة أن ترى الكثيرين من المسلمين على أعتابنا، وبينما لا نستطيع بسهولة أن تنال الدخول إلى أوطانهم فإن الله قد أتى بهم إلى أوطاننا!!»

وقلت بنهاية المقال إنه: «لا يوجد الآن بيد الإسلام والمسلمين سيف ولا مدفع.. لا فى الولايات المتحدة الأمريكية ولا فى غيرها، وليس فى جعبتهم فى هذا الزمن الكسيح الذى يتعرضون فيه لما يتعرضون له أى قوة يتساندون إليها فى نشر الدعوة، إلاّ أن تكون قوة الدين والعقيدة ، وعدل ورحمة ونور هداية ما جاء به الإسلام الذى طفق ينتشر من أربعة عشر قرنا بالهداية وبالحكمة والموعظة الحسنة.. لم يتوقف الغرب طوال هذه القرون عن محاربته والتهجم عليه، ومع ذلك يتزايد انتشاره وللآن رغم ما يقع عليه وعلى والمسلمين من عدوان فى زمن التراجع والهوان ؟! ما سر أن تتراجع قوة المسلمين، بينما يتقدم الإسلام نفسه ويقبل عليه أهل الأرض طرًّا حتى فى عقر الدولة الأمريكية المتحكمة فى أقدار العالم؟.. تقول الحقائق الدامغة إن البقاع الشتى التى يدخلها الإسلام ويقبل أبناؤها عليه، لم تدخلها جيوش إسلامية، ولا توجد بها إرساليات تبشيرية.. لم يجتذب هؤلاء المقبلين إلى الإسلام إلاّ ما وجدوه فى واحته من توحيد يقبله العقل، وهداية تقود إلى إيمان غامر، وعقيدة سليمة، وأحكام للمعاملات حكيمة ومنصفة، ورحمة مرفرفة، وإنسانية فياضة تغمر الإنسان بالقيمة والحرية والعدل والكرامة، وتعطى للحياة معنىً موصولاً بسقفٍ ظليل وسلام وارف واحترام كامل للإنسانية لا ينظر إلى عرق أو لون أو أصل أو مال أو جاه، وإنما يحترم الإنسان ويصله بمناقبه وشمائله وسجاياه حيث كان!».

(يتبع)

Email: [email protected]

www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

9:24 ص, الثلاثاء, 20 ديسمبر 16