اعرف .. تسيطر . . وإلا فلتأكله!

اعرف .. تسيطر . . وإلا فلتأكله!
حازم شريف

حازم شريف

11:10 ص, الأحد, 21 نوفمبر 04

منذ اللحظة الأولى وكل شئ تحت السيطرة، هاجمت الأسراب الأولى الحدود الغربية، فزع أهالى مطروح، خرجت التصريحات:اطمئنوا .. كل شئ تحت السيطرة!، تعاظمت جحافل الجراد، وزحفت إلى حواف الدلتا، تعددت وتكاثرت البلاغات، فطالعنا المسئولون في وسائل الأعلام :لا تقلقوا نحن نسيطر على الموقف.
أيقظني الزملاء في الصباح، وطلبوا مني أن أنظر عبر النافذة، دسست أنفي حتى تكورت على سطح زجاجها، أراقب مشدوها نقاط الجراد المتوهجة في سماء العاصمة، في ذات الوقت، وفي احد مشاهد الفانتازيا النادرة-خارج قاعات السينما-، ومن مقره الدائم في الدقي الذي حاصرته اسراب الجراد، كان وزير الزراعة يتحدى في ثبات:كل شئ تحت السيطرة!.
أكتب هذا العمود يوم الجمعة، وأدعو الله ألا يكون حديث السيطرة، قد بلغ صعيد مصر، مع صدور الجريدة اليوم الأحد، فنتابع عبر وسائل الأعلام محافظ اسيوط او سوهاج أو الأقصر، وقد حاصرته جيوش الجراد، ومعه ثلة من الصحفيين الإقليميين في غرفة ضيقة، داخل مبنى المحافظة الصامد، بينما هو يهتف في شجاعة اغريقية، قلما يجود بها الزمان:لا تقلقوا ولا تنزعجوا، فنحن كما ترون، مازلنا مسيطرين على الموقف!.
عبر أسبوع كامل، ونحن لا نعرف على وجه اليقين، أوحتى التخمين، ما أو من هو الذي تحت السيطرة؟ نحن؟ أم هم -المسئولون-؟ أما الجراد؟.
تابع القنوات الفضائية والصحف المحلية والأقليمية، واتحداك أن تجد إجابة محددة شافية على التساؤلات الرئيسية التالية: هل الجراد تحت السيطرة أم أنه استعصى عليها؟، هل هو ضار بالحاصلات الزراعية أم غير ضار بها؟، هل هو ضار بصحة الانسان أم غير ضار؟، وذا كان غير ضار في المرحلة الحالية .. فهل يكون ضارا في مرحلة تالية؟، هل هناك خطة واضحة ترتكز إلى معلومات ومعرفة واليات للقضاء على أسراب الجراد الراهنة وربما موجاته القادمة؟
إذا صحت المعلومة التي ذكرتها جريدة الوفد في صدر صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي، والتي تتلخص في أن الجراد، يهاجم مصر للمرة الأولى منذ 100 عام، أخشى أننا بصدد أزمة بالغة العنف، إن لم تكن كارثة، إذ إن ذلك يعني، أننا نفتقد على المستوى المحلى، الخبرة والمعرفة والأدوات اللازمة، للتعامل مع هذه الهجمة التترية الجرادية الشرسة، وبالرغم من ذلك فإن جميع الخبراء -لا نعرف خبراء فى ماذا- والمسئولين، يصرون على أن كل شئ تحت السيطرة!.
والواقع أن المتابعة الإعلامية للأحداث، تؤكد إما عدم معرفة هؤلاء بطبيعة المشكلة، أو حرصهم على إضفاء مسحة سياسية أو دبلوماسية على ما يتفوهون به من أقوال، أو الأمرين معا، حتى بدت أحاديثهم أشبه بالتصريحات تحت الطلب.
فلو سألت صحيفة مسئولاً: هل الجراد ضار بصحة الإنسان؟ أجابها بلا، ولكنه خطر على الزراعات، وإذا سألته صحيفة ثانية في موضع أخر:هل هو ضار بالزراعات ؟ نفى وأردف : ولكنه ضار بالبيئة، ثم تتابعه في صحيفة ثالثة قائلا، إنه غير ضار على الاطلاق!.
أولى خطوات الحل لأي مشكلة تشخيصها أو معرفتها، وما دمنا لم نعرف، فلن نحل، وبالتأكيد لن يكون بمقدرونا السيطرة، ليس فقط على ملايين -وربما مليارات- الجراد، بل على مجرد بعوضة.
وحتى يجيبنا الخبراء والمسئولون على الأسئلة الحائرة، أنتقي لكم أطرف تعليق من خبير -هكذا وصفته صحيفة الوفد- على الأزمة الراهنة، إذ قال: «أن الجراد موجود منذ القدم، وهو جند من جنود الله ، هاجم به موسى فرعون، ومقاومته بالنيران فهو ينجذب إليها، ويسقط فيها وأكله حلال -بالذمة هو ده وقته-، أما رش كميات مهولة من المبيدات، وهي قديمة ومخزونة فأمر خطير.
الأكل إذن هو الحل.. كلوا الجراد تصحوا، فأكله حلال، كما أخبرنا فضيلة الخبير المفتي، والأهم من ذلك أن كل شيء، سيصبح -حقيقة لا مجازاً- تحت السيطرة!.
الرحمة….