اضطرابات جزائرية على امتداد جسر مصر الغربى

شريف عطية

7:16 ص, الثلاثاء, 19 مارس 19

شريف عطية

شريف عطية

7:16 ص, الثلاثاء, 19 مارس 19


شريف عطية

تمثل الصحراء الغربية «أحد حدود مصر الطبيعية الأربعة»، استثناء عن الأخريات (سيناء – وادى حلفا – البحر المتوسط)، فى امتداداها الجغرافى والمتصل حتى سواحل المحيط الأطلنطى، كما يتخامها شمالا البحر المتوسط، بمثابة دور «الوصلة» للدول بين الساحل والصحراء من جانب مع دول الجنوب الأوروبى، وإن لم تعد – الصحراء الغربية- بالنسبة لمصر منذ تفكك الستار الإسلامى من طنجة إلى عُمان مطلع القرن 16.. بمثابة جسر تواصل بقدر ما أصبحت مصدرا للعديد من القلاقل المتنوعة على اختلافها.. تحول بين التحام مصر وجاراتها العربيات المتاخمات لها عبر الصحراء الكبرى.

منذ منتصف خمسينيات القرن الماضى، وفى إطار مشاركة مصر فى قيادة حركات التحرر من الاستعمار الغربى، خاصة فى دول شمال أفريقيا، فقد نالت الجزائر – المخطط لاستيطانها من الفرنسيين – جهود مصرية مضاعفة للحصول على استقلالها، كانت من أسباب حرب السويس 1956، قبل أن تتحرر الجزائر مطلع الستينيات، لم تحل بعدئذ الغيرة الدبلوماسية أحياناً بين قيادتيهما.. من وقوف الجزائر بقوة إلى جانب مصر خلال سنوات تصديها للهجمة الصهيوإمبريالية من 1967 – 1973، ذلك قبل أن يُغيّب مرض غامض الرئيس الجزائرى 1978، عقب ثلاث سنوات من الاغتيال الملتبس للعاهل السعودى 1975، ولتصبح القيادة المصرية بعد انتزاع جناحيها المحوريين فى كل من المشرق والمغرب العربيين، أشبه بالوحيدة – دبلوماسياً – وسط مائدة اللئام، خاصة بعد انعزالها عن المنظومة العربية طوال الثمانينيات، وبالتزامن مع تعرض الجزائر لما يشبه الحرب الأهلية بين النظام الحاكم «جبهة التحرير» وتيارات الإسلام السياسى طوال التسعينيات راح ضحيتها ما يزيد على 150 ألف شخص، أفضت – لا تزال- إلى تعقيدات داخلية وخارجية، لولا مباشرة المؤسسة العسكرية مسئولياتها فى صيانة مؤسسات الدولة السيادية، ما جنّب الجزائر – ربما إلى حين – التعرض لمثل توابع الربيع العربى 2011، سواء للجارات الشرقية فى تونس وليبيا أو مصر.

فى هذا السياق تجرى الانتخابات الرئاسية فى الجزائر 19 أبريل القادم، وليرشح الرئيس «بوتفليقة» نفسه لولاية خامسة، لم تغفر له تاريخيته أو إنجازاته لأن يتقبل الجزائريون رئاسته إلى الأبد، خاصة مع اعتلال حالته الصحية، فإذ بالمظاهرات «السلمية» تندلع فى الجزائر تطالب بتغيير النظام الذى وجد مخرجه فى تمديد الولاية الرابعة لـ«بوتفليقة» فى ظل اقتراح مرحلة انتقالية مؤقتة يُعهد فيها لحكومة كفاءات بقيادة البلاد، إلا أن الحراك الشعبى رفض ذلك باعتباره التفافا غير دستورى على مطالب المتظاهرين، ولتتسارع الأحداث بوقوف بعض من الأحزاب والشرطة والصحافة.. إلى جانبهم،، بحيث لم يعد أمام الجيش سوى الخيار بين الإصرار على بقاء بوتفليقة ما من شأنه تعريض البلاد للخطر أو الاصطفاف إلى جانب مطالب الحراك الشعبى المتصاعد.. إلى حد رفض (جماعاته) اللقاء مع «الأخضر الإبراهيمى» المكلف بقيادة المرحلة الانتقالية رغم ما يشير إليه تاريخه الدبلوماسى المخضرم فى الملمات الدولية، وكرجل لا تشوبه شائبة وفوق مستوى النقد، الأمر الذى قد يؤدى لأحد احتمالين، إما إلى رضوخ النظام الحاكم إلى مطالب الحراك الشعبى لتغييره أو أن يؤدى تطور الأحداث إلى انفلات أمنى قد يمثل خطاً أحمر بالنسبة للجيش الذى عليه- عندئذ التدخل لإعادة الأمن والاستقرار، وليظل القلق ماثلاً أمام أى مواجهات مسلحة أو حملات عنف قد تحدث.. سيكون لها تداعيات سواء على الجوار العربى أو الأوروبى، وفى شمال أفريقيا سواء بسواء.

خلاصة القول، إن الجزائر وهى تمر بإرهاصات انتقالية فيما بين الجمهورية الأولى – عقب الاستقلال- – حيث حقبة أيام بوتفليقة آخر رموزها.. معدودة، وبين ملامح جمهورية ثانية غير واضحة المعالم، خاصة فى ضوء احتمال استبعاد كل من جبهة التحرير والجيش الجزائريين من المشهد السياسى الذى ظلا على قمته لستة عقود خلت، وإلى أن يتضح الموقف.. ستبقى الاضطرابات الجزائرية قائمة على امتداد جسر مصر الغربى