حين أنشأت اليابان دار الأوبرا المصرية الجديدة، التفت المعنيون بالأوبرا والمسرح، المقدرون للدور والصداقة اليابانية، فوجدوا جاهزا أمامهم كتابا كأنه ترجم خصيصا لهذه المناسبة.. كتاب «المسرح اليابانى» (Japanese Theatre ) ـ أو مسرح «الكابوكى» ـ للكاتب الأمريكى فوبيون باورز.. كان قد ترجـمه سعد زغلول نصار لوزارة الثقافة ونشرته المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر فى مايو 1964، وهو كتاب فريد فى المكتبة العربية، والمرجع الوحيد فى بابه، سد حاجة مطلوبة للمسرح، وأعادت هيئة الكتاب طبعـه لكثرة الطلـب عليـه.. ومسـرح «الكابوكـى» ـ موضوع الكتاب المترجم ـ هو مسرح اليابان الشعبى، واحد من الفنون العظيمة القليلة التى لا تزال تعيش فى العالم حتى اليوم.. فيه كل أنواع الإثارة المسرحية، وتختلف مسرحياته ما بين الكوميديا والميلودراما والمسرحيات الراقصة، تناوله الكتاب المترجم من شتى نواحيه، بدأ بمقدمة تاريخية للمسرح اليابانى وأصله الأسطورى ورقصاته القديمة (الكاجورا، والجيجاكو، والبوجاكو، والدينجاكو، والساروجاكو).. وتناولت «النوه» أى المسرح الغنائى الكلاسيكى فـى اليابان، وما داخلـه مـن فواصل فكاهية، أو رواية قصصية موسيقية، و«البوزاكو» أو مسرح العرائس.. يبسـط الكتـاب هذا كله ـ قبل أن ينتقـل إلى «الكابوكى» أو مسـرح اليابـان الشعبى الحديث.. وكلمـة «كابوكى» مكونة فى الأصل من مقطعين: «كا» ومعناها الغناء، و«بو» ومعناها الرقص، ومايعرف اليوم « بالكابوكى» يعنى « البراعة فى الغناء والرقص » عن طريق الامتزاج بين الكلمات والموسيقى، وبين الرقص والحركـة. يعرض الكتاب لأنـواع مسـرح «الكابوكى»، ورحلته عبر العصور، وما أفاده « الكابوكى » الحديث من «الكابوكى» القديم، كما تناول طابع الأدوار، والممثلين، وخشبة المسرح، والعقدة، ومشاهد التأكيد الأساسية، والأشكال المسرحية.. فلسفته الجمالية تبدو فى اللون والحركة وغيرها من سمات هذا المسرح، أما مسرح عصر « ميجى » فيشمل المسرح السياسى ومسرح شينساى شيمبا.. وتعنى « المدرسة الجديدة » التى ظهرت فى أواخر القرن قبل الماضى، وتمثل تطورا فى المسرحيات السياسية.. وعن المسرح اليوم يعرض الكتاب لحالة المسارح الكلاسيكية وحالة المسرح الحديث، ومسرح الجناح اليسارى الذى بدأت تفرضه ظـروف اليابـان الجديدة التى باتت تنحـر مـن فرصة المسـارح الكلاسيكية، وملحق بالكتاب ترجمـة لمسرحيات « الكابوكى»: العنكبوت الوحشى، وجابو وابنته تسوجى، وسوكيروكو.. مطالعة هذا الكتاب، تورى بالصعوبة الهائلة التى صادفها سعد زغلول نصار فى ترجمة معانى ومصطلحات المسرح اليابانى إلى العربية، وتعكس مدى ثقافة والتزام وفهـم هـذا الإذاعى الفذ والأديب المبدع لرسالته.
ترجم سعد زغلول نصار إلى جوار « المسرح اليابانى » أكثر من مسرحية من روائع المسرح العالمى.. منها مسرحية : « هو الذى يُصفع » ( بضم الياء ) تأليف الكاتب المسرحى الروسى ليونيد أندرييف، نشرت فى ( يوليو 1965 ) من سلسلة روائع المسرح العالمى التى كانـت تصـدرها ـ فى زمن الاهتمام بالمسرح ! ـ الهيئة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، وتيسرها للقارئ بخمسة قروش!.. والمسرحية تنتمى للمسرح الروسى، ومؤلفها أندرييف لحق بتشيكوف وجوركى، ومن رواد دار نشر «زنانى» ( Znanie ) أو «المعرفة» التى ساهم جوركى فى إنشائها وأصبحت ملتقى الكتاب الروس الذين يتوخون الواقعية والأدب الهادف، ومنهم أندرييف الذى آثر لنفسه اتجاها يختلف عن جوركى الذى كان يدعو إلى يقظة جديدة وتجديد شامل للمجتمع، بينما طفق أندرييف يصور طبقة المثقفين البورجوازيين المتهالكة قبل زوالها النهائى، ورصد روح الهزيمة التى كانت تعيشها، فجاءت قصصه ومسرحياته مغموسة بجو اليأس والقنوط وفلسفة الخواء واللا شيئية وتفاهة الحياة. ومـن أبرز قصصه الطويلـة «يهـوذا الأسخريوطى» و«السبعـة الذين شنقوا»، ثم جعل يظهر بكتاباته المسرحية اللافتة.. وكانت مسرحية « هو الذى يُصفع » التى ترجمها سعد زغلول نصار هى أنجح مسرحياته، ومثلت وثيقة إدانة لأزمة الثقافة فى وقتها.. جسدت ـ وإن دارت أحداثها فى سيرك، المصاعب والعقبات التى يصادفها المثقف حين يشرع فى إثبات ذاته والتعبير عن رؤيته فى مجتمع سادت فيه المادية والابتذال!
www. ragai2009.com