لم يعد موضع بحث وتدقيق، أن محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا منتصف يوليو الماضى.. قد وفرت للحزب الحاكم أفضل السبل للتخلص من خصومه عبر انقلاب مضاد مسبق الترتيب بانتظار مغامرة كانت مرجحة، أقل ما توصف بـ«السذاجة»، تماماً كالانقلاب المضاد الذى اشتط به هوى الانفراد بحكم الحزب الواحد المهيمن.. إلى درجة «الرعونة»، إذ أفرز خصومًا جددًا من غير الانقلابيين وأنصارهم.. ممن يعارضون الإجراءات الموغلة فى الاستثنائية عن السلوكيات الديمقراطية المرعية.. أدت فى الأيام الأخيرة إلى أن تعم المظاهرات ميادين تركيا.. رفضاً لها، وما بين «السذاجة» و«الشطط» الانقلابيين، يبدو الأداء السياسى للحكومة التركية- سواء فى شئونها الداخلية أو بالنسبة لتحركاتها الخارجية- خطراً على مستقبل تركيا وأمنها وديمقراطيتها، ومع ذلك يأبى الرئيس التركى- اعتماداً على شعبيته- (خاصة بين سكان الأناضول الفقراء أنصاف المتعلمين).. التخلى عن أحلام «عَثمنة» المنطقة مجدداً.. مضحياً بالسير عكس حركة التاريخ.. بنظام ديمقراطى كان من الممكن أن يكون نموذجاً يحتذى فى كل بلدان الشرق الأوسط، لولا عشق النرجسية الديكتاتورية التى تدعو أحد وزراء الخارجية الأوروبيين.. إلى اتهام السلطات التركية باستخدام أساليب «نازية» فى تصفية خصومها، كم تدعو معنيين مخضرمين فى شئؤن حلف شمال الأطلنطى للقول..
It’s Time to Kick Erdogan’s Turkey out of NATO، كما دعاها الاتحاد الأوروبى إلى «حوار سياسى حقيقى» و«حماية ديمقراطيتها البرلمانية».
إلى ذلك، تبدو أنقرة عازمة على المضى فى غاياتها القديمة- الحديثة لاستعادة دورها الإقليمى لما كان يسمى «المسألة الشرقية»، ولتخوض فى سبيل ذلك تحديات أطول من ذراعها- لم تحسمها بعد- على أكثر من جبهة- لأول مرة- فى وقت واحد.. بطول الامتداد من «النيل إلى الفرات»، بأقله منذ 2011، فى وقت تتعزز فيه عملية «درع الفرات» فى سوريا.. وتزداد الحشود على حدود العراق، ناهيك عن الحرب الداخلية مع حزب العمال الكردستانى، بينما تتعرض المؤسسة العسكرية لما يمس- سلباً- أخلاقياتها الاحترافية والمعنوية، خاصة من بعد أن فقدت هيئة الأركان العامة التركية استقلالها السياسى عقب انقلاب يوليو الفاشل.
على صعيد مواز للتحالف الاستراتيجى بين تركيا والسعودية.. تنضم إليهما قطر فى تنسيق ثلاثى يتصل ببعض تعقيدات المسألة السورية، إلى غموض التقارب المعقد مع روسيا، لأسبابهما، ما يحد بشكل أو آخر من انطلاق المشروع الإسلامى السياسى الذى تتبناه تركيا، ناهيك عن نتائج الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة التى استبعدت الإدارة الديمقراطية المتعاطفة للمشروع.. لصالح إدارة جمهورية يمينية شعبوية لها مواقف سلبية من الاستخدام السياسى للإسلام.. فضلاً عن انفراجها العام مع روسيا.. ما قد ينعكس على تقاربهما لتسوية الحالة السورية.. لا تأخذ فى الاعتبار كثيراً مواقف أطراف إقليمية بعينها من الأزمة، الأمر الذى بافتراض صحته سوف يحسم ازدواجية السياسة المحلية والخارجية التركية، وربما تستعيد عندئذ الاعتبار إلى التفاعل البنيوى «المتبادل» مع الجوار العربى.. الذى بدونه لا تبدو قيمة تركيا التاريخية- شرقاً وغرباً- مكتملة الأركان، كما لا تتكافأ من ثم لمعادلة الاندفاعة الإيرانية أو الإسرائيلية، إن لم تقع فى ظل أوضاع معقدة سوف تترك أثرها على المستقبل الإقليمى بعامة، وعلى كل من روابط الجوار التركى- العربى على وجه الخصوص، ما يجعل من استعادة تركيا «الديمقراطية» ضرورة عربية.