تعمل الحكومة ممثلة فى وزارة الاتصالات على تنفيذ خطة طموح تستهدف من خلالها ميكنة جميع الخدمات الحكومية داخل الوزارات والهيئات بما يتوافق مع رؤية مصر 2030 عبر إطلاق منصة «مصر الرقمية» لأتمتة كافة الخدمات الجماهيرية والفصل بين مقدم ومتلقى الخدمة.
«المال» استطلعت آراء مجموعة من خبراء ورؤساء شركات التكنولوجيا الذين أكدوا أن وصول مصر إلى مرحلة التحول الرقمى خلال 9 سنوات طبقا للإستراتيجية الدولة المعلنة يحتاج إلى توافر وتضافر مجموعة من العوامل الحيوية على رأسها توطين صناعة تكنولوجيا المعلومات بالسوق المحلية ووجود بنية معلوماتية متطورة ومؤمنة على أعلى مستوى، فضلا عن إطار تشريعى يحكم ويقنن مراحل التحول.
الجوهرى: لابد من إستراتيجية معلنة لتحسين الأداء الرقمى للدولة
وقال الدكتور عصام الجوهرى، أستاذ نظم المعلومات بمعهد التخطيط الرقمى ورئيس شركة «مينى ماكس» لحلول البرمجيات إن مصر تمتلك بنية تحتية مقبولة ترتكز على امتلاك شبكات إنترنت من الجيل الرابع و4000 مكتب بريد تجعل التحول الرقمى يتخذ قالب متفردا، لافتا إلى أن جائحة كوفيد- 19 دفعت الدولة نحو تسريع عملية التحول الرقمى من خلال زيادة سرعة خدمات الإنترنت وتحسين جودة البنية التحتية لتسهيل منظومة التعليم عن بعد أثناء تعليق الدراسة خلال العام الدراسى المنصرم.
واعتبر أن تبنى وزارة الاتصالات تنفيذ مشروع منصة مصر الرقمية البالغ عدد خدماتها نحو 90 خدمة من المتوقع أن تصل إلى 160 خدمة بنهاية العام الحالى أمرا محفزا فى هذا الصدد، لافتا إلى أن الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وعد بزيادة العدد إلى 550 خدمة خلال عامين.
وأضاف أن الدولة قطعت شوطا فى ميكنة الخدمات خلال المرحلة الماضية لاسيما مع توافر كوادر بشرية مدربة تتمثل فى افتتاح 26 كلية للحاسبات والمعلومات والذكاء الإصطناعى وجامعة مصر للمعلوماتية، وطرح تأهيل وتدريب رقمية من وزارة الاتصالات التى وصل عدد المتدربين بها بالعام الماضى والحالى 400000 متدرب أون لاين.
واعتبر أن وضع مصر الحالى نحو استكمال عملية التحول الرقمي جيد، لافتا إلى أن كافة المؤشرات الدولية الخاصة بالنضج فى التحول الرقمى تصنف البلاد بين الدول صاحبة الأداء المتوسط.
وشدد على أهمية وجود إستراتيجية واضحة ومعلنة للتنمية الرقمية فى مصر تساعد على تحسين الأداء من متوسط إلى جيد وترتكز على استقدام الكوادر المصرية الناجحة من العاملين بالخارج والاستفادة من خبراتهم.
وقال إن التنمية الرقمية تعنى استخدام التكنولوجيا الحديثة و التحول الرقمي بطريقة تهدف إلى التنمية المستدامة وتنعكس بالإيجاب على مصلحة المواطن والدولة، مشيرا إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تقنين استخدام منصات التواصل الاجتماعى.
وألمح إلى أن نجاح التحول الرقمى فى مصر مرهون أيضا بتوطين صناعة تكنولوجيا المعلومات فى مصر عن طريق دعم القطاع المصرفى للشركات الصغيرة والمتوسطة وعدم تصنيفها ضمن القطاعات مرتفعة المخاطر، متسائلا: «لماذا نلجأ للشركات الأجنبية فى تنفيذ ملف الميكنة ولدى مصر شركات يعمل بها كفاءات قادرة على الابتكار والتطور؟».
واستشهد بالعديد من التجارب الناجحة فى تنفيذ تجربة التحول الرقمي التى يمكن أن تحتذى بها مصر مثل سنغافورة وإستونيا والسعودية التى حققت طفرة فى ذلك المجال خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
فايد: نجاح التجربة مسئولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص
ولفت أحمد فايد، مدير عام شركة «أفايا» العالمية لحلول الاتصالات فى مصر وليبيا، إلى أن نجاح عملية التحول الرقمي فى مصر يقاس بمدى فاعلية وتأثيرالخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدا أن التوسع فى أعمال ميكنة الخدمات يعد مسئولية بين القطاعين العام والخاص والذى يتوجب عليه أن يسير على نفس نهج الدولة ويقوم بميكنة خدماته وتسهيلها على المستفيدين.
و أضاف أن منصة مصر الرقمية تعتبر حجر أساس فى مشروع التحول الرقمى لما تتضمنه من خدمات تمس شريحة كبيرة من المواطنين مثل الشهر العقارى والمرور، مشددا على أهمية تغطية كافة الخدمات الحكومية خلال المرحلة المقبلة مما يخلق مجالات جديدة فى سوق العمل وينهى ظاهرة الفساد.
و توقع أن تحقق الدولة التحول الرقمى الكامل بحلول عام 2030 مشيرا إلى أن زيادة عدد الخدمات المقدمة ستزيد على عاتق الدولة أعمال البنية التحتية وتحديثها وتأمين وإنشاء قواعد البيانات والربط بينهما وبين الجهات الحكومية.
السبكى: تشجيع البحث وتدريب الموارد البشرية أبرز مقومات النجاح
ورأى أحمد السبكى، نائب رئيس هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات السابق «إيتيدا» سابقاً ورئيس شركة «أكاسيا إنتجريشن مصر» لنظم المعلومات، أن وصول مصر إلى التحول الرقمى الكامل فى 2030 مرهون بإنشاء بنية تحتية رقمية قوية وتأمينها معلوماتيا، علاوة على زيادة عدد منافذ تقديم الخدمات الرقمية للمواطنين ووجود إطار تشريعى وتنظيمى لإجراءات الميكنة.
وأضاف أن الدولة تمكنت خلال المرحلة الماضية من تدشين مجموعة مبادرات ومشروعات تستهدف تحسين مستوى جودة الإنترنت وتقوية كفاءة شبكات المحمول فى الطرق الرئيسية وبعض المحافظات، مرجحا أن يتم استغلال البنية التحتية القوية للمناطق التكنولوجية فى مدن أسيوط والسادات وبنى سويف وبرج العرب فى إنشاء مراكز بيانات فرعية على مستوى الجمهورية تعزز رؤية مصر 2030 فى مجال التحول الرقمى.
وطالب بأهمية تشجيع البحث والتطوير بين الشركات والباحثين المصريين لتطوير منتجات مصرية فى مجال الحلول الرقمية والتكنولوجيا كعامل مساعد للتحول الرقمى، كما يجب أيضا أن تولى الدولة اهتماما بتوعية الأفراد غير المتخصصين بالمجال الإلكترونى والرقمى الذين يقومون بتأدية مهامهم الوظيفية فى الجهات الحكومية المختلفة.
وأضاف قائلا: «يجب أيضا إصدار قانون المعاملات الإلكترونية الذى يحكم طرفى المعاملة (مقدم الخدمة ومتلقيها )، علاوة على إعادة هيكلة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، مشيرا إلى أن تلك العملية تتطلب أن يكون أعضاؤها من أصحاب الخبرات فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو خبراء قانونيين قادرين على وضع أفضل الصياغات القانونية.
وتابع إن الدولة تخطط لميكنة العديد من الخدمات الحكومية قبل عام 2030 خاصة بعد استكمال تنفيذ العديد من المشروعات المرتبطة بالتحول الرقمى الكامل فى المحاكم والشهر العقارى ووزارة التعليم العالى ومشروعات التأمين الصحى.
فى سياق متصل، أعلن عن طبيعة الخدمات الجديدة التى ستقدمها شركة «أكاسيا» فى الفترة المقبلة لخدمة توجهات الدولة نحو التحول الرقمى وعلى رأسها التدريب والتعلم عن بعد وخدمات تأمين المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى الخدمات المرتبطة بالمجتمعات الذكية وخدمات تطوير نظم المعلومات.
وقال خالد نجم، وزير الاتصالات السابق، إن التحول الرقمى سيسهم فى توفير مبالغ طائلة على المواطنين وينعكس بالإيجاب على مستوى معيشتهم الأمر الذى سيحد من انتشار الظواهر السلبية داخل المجتمع مثل (الرشوة)، كما سيضمن للدولة حقوقها بشكل كبير.
ووصف خدمات التحول الرقمى بأنها غير محدودة، مضيفا أن قطاعات التعليم والصحة والتموين والمرور المستفيدين من التحول الرقمى والذى سيساعد الدولة على تسجيل احتياجاتها من السلع التموينية عن طريق تخزينها مسبقا بما يتوافق مع احتياجات المستهلكين مما سيمكنها من مواجهة الزيادة السكانية المتوقعة وما ينتج عنها من نقص للموارد.
و شدد على أهمية نظام الفاتورة الإلكترونية الذى تم تطبيقه حديثا عبر منصة مصر الرقمية، وأشار إلى أن نظام الفاتورة الإلكترونية سيحد من ظاهرة التهرب من دفع الأموال المستحقة إلى الدولة.
الرفاعى: إنجلترا تجربة متطورة.. ويجب مراجعة كل مرحلة لتقييم الوضع
وقال الدكتور أيمن الرفاعى المدير الإقليمى لشركة «IXDEV» البريطانية للحلول التكنولوجية فى منطقة أفريقيا والشرق الأوسط إن مفهوم التحول الرقمى واسع ويشمل جميع الخدمات والهيئات الموجودة بالدولة، لافتا إلى أن التحول الرقمى ليس مقتصرا على القطاع الحكومى فحسب، لكنه يشمل أيضا القطاع الخاص وتطبيقات الهواتف الذكية ويحتاج إلى تطوير مستمر.
وأشار إلى أن عملية التحول تتم على مراحل وتحتاج إلى مراجعة عند نهاية كل خطوة بطريقة تسمى «المنحنى التعليمى» وتتضمن تحديد الأخطاء وأوجه القصور فى كل خدمة تجنبا للتكرار فى المستقبل.
وتابع:«توجد نماذج عديدة للتحول الرقمى فى مصر على رأسها ميكنة عملية تلقى لقاحات فيروس كورونا داخل وزارة الصحة، معتبرا أن التجربة الإنجليزية من النماذج التى يجب الاقتداء بها فى منظومة الـ «ditigal transformation» حيث تبنت إجراءات تأسيس الشركات إذ يمكن لأى شخص داخل الأراضى الإنجليزية أن يتقدم بأوراق تأسيس الشركة الخاصة به عن بعد مع توافر عامل الثقة بين المواطنين والجهات الحكومية هناك.
ورأى أن المضى قدوما فى استكمال مشروعات التحول الرقمي بحاجة إلى بيئة تشريعية وقانونية تسهم فى القضاء على الروتين والبيروقراطية داخل المصالح الحكومية المصرية.