اجتماعات مراكش: التشديد النقدي الجماعي يهدد بإحداث صدمة للاقتصاد العالمي

"تشديد الأوضاع المالية بشكل حادّ قد يؤثر في الأسواق والبنوك والمؤسسات غير المصرفية"

اجتماعات مراكش: التشديد النقدي الجماعي يهدد بإحداث صدمة للاقتصاد العالمي
أيمن عزام

أيمن عزام

8:29 م, الأحد, 15 أكتوبر 23

ألقت اجتماعات مراكش التي انعقدت هذا الأسبوع في المغرب الضوء على الخطورة التي يشكلها التشديد النقدي حال استمراره لفترة زمنية أطول خصوصا في ظل احتدام النزاع بين إسرائيل وحماس، بحسب وكالة بلومبرج.

وتتزايد حالة القلق لدى مسؤولي مؤسسات التمويل العالمية بشأن عواقب أسعار الفائدة الأعلى المستمرة لفترة أطول التي وصلنا إليها في الوقت الراهن.

عواقب استمرار التشديد النقدي

يعكس ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل اعتقاداً يسود لدى المستثمرين بشكل متزايد، ومفاده أن الاقتراض بتكلفة أقل قد ولّى عصره. حذر العديد من الحاضرين في اجتماعات صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع في المغرب من أن التشديد النقدي الجماعي يهدد الآن بإحداث صدمة لاقتصاد عالمي يشرف على حافة الهاوية بالفعل، مع احتدام الحرب في الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، قالت غيتا غوبيناث، المسؤولة الثانية في صندوق النقد الدولي، خلال مشاركتها في حلقة نقاشية قدّمها توم كين من “بلومبرج” إن “الديون وصلت إلى مستويات قياسية عالية، في الوقت الذي نشهد فيه بيئة أسعار فائدة متزايدة الارتفاع لفترة أطول. ما يزال ينتظرنا الكثير الذي تجدر متابعته، وقد يمضي في اتجاه خاطئ”.

لا تحتاج غوبيناث ونظراؤها الذين التقوا في مدينة مراكش المغربية لوقت طويل لاستحضار أمثلة من الماضي على حدوث ذلك. فقد مروا هذا العام بتجربة سلسلة من الانهيارات ضربت مصارف إقليمية أميركية، تلتها أجواء من التوتر في القطاع العقاري التي لم تنقشع بعد.

خلفية من التقلبات

تعد اجتماعات صندوق النقد الدولي التي تعقد بالتزامن مع اجتماعات البنك الدولي، أول مناسبة يلتقي فيها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمناقشة التوقعات منذ أن نبّهت نتائج ندوة مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي عُقدت في جاكسون هول في أغسطس الماضي المستثمرين إلى إمكانية استمرار السياسة النقدية التشديدية.

منذ ذلك الحين، لم تؤد حالة عدم الاستقرار في سوق النفط وهجوم حماس على إسرائيل إلا إلى ترسيخ الانطباع بوجود خلفية من التقلبات، في وقت ما يزال فيه الاقتصاد العالمي يتكيف مع الوتيرة غير المسبوقة للتشديد المتزامن في العام الماضي.

كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، التي شاركت في الجلسة إلى جانب غوبيناث، استشهدت بالتحدي الذي يواجهه صناع السياسات الذين يقيّمون تداعيات الصدمات المتعددة في السنوات الأخيرة، إلى جانب التأثير غير المعروف حتى الآن لأسعار الفائدة المرتفعة بوتيرة متسارعة.

جاءت هذه الرؤية متوافقة مع التقييم الجماعي من جانب وزراء مالية مجموعة الـ20. فقد شدّد بيانهم على مخاطر تتراوح بين “التوترات (الجيو-اقتصادية) والظواهر الجوية المتطرفة، والكوارث الطبيعية، وتشديد الظروف المالية العالمية، وهي التطورات التي يمكن أن تفاقم حالة الضعف الناجمة عن الديون”.

يتمثل أحد هذه التهديدات في ارتفاع أسعار النفط بالدرجة التي تؤجج أسعار المستهلكين مرة أخرى، وهو خطر محتمل في حال أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى إثارة صراع إقليمي أوسع.

القلق بشأن إيران

قال جيسون فورمان، الأستاذ في جامعة هارفارد والمستشار السابق للبيت الأبيض: “أنا قلق دائماً بشأن إيران، ونطاق التقلبات التي سوف يتسبب بها هذا الوضع، وتأثيره في الاقتصاد العالمي. بالتأكيد لا بد أن نكون أكثر قلقاً اليوم من أي وقت مضى”.

في الوقت نفسه، تشير الأدلة بالفعل إلى أن التضخم لم يُكبح بشكل تام بعد، وهي وجهة نظر أقرها بيان مجموعة الـ20، وأثبتتها الزيادة السريعة في أسعار التضخم الأساسي في الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي.

وقال كريستيان سوينغ، الرئيس التنفيذي لـ “دويتشه بنك”، في تصريحاته لفرانسين لاكا عبر تلفزيون “بلومبرج”: “أعتقد أنه بشكل عام، نرى أن أسعار الفائدة ستبقى أعلى لفترة أطول. وهذا شيء لابد لعملائنا أن يضعوه في حسبانهم”.

حذر سوينغ من أن تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض على العقارات التجارية يعني أن القطاع سيخوض فترات “عصيبة” خلال العامين المقبلين، وهو خطر تراقبه الجهات التنظيمية أيضاً.

المخاوف السيادية

كذلك أثيرت المخاوف السيادية خلال اجتماعات مراكش. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع؛ حذر مسؤولو البنك الدولي من أن ارتفاع الفائدة لفترة أطول قد يكون له تأثير بمرور الوقت، لأسباب ليس أقلها تداعيات النمو في البلدان ذات الدخل المنخفض.

في بيان صدر يوم السبت، انتقدت مجموعة “جوبيلي يو إس إيه نتورك”، غير الربحية ومقرها في واشنطن التي تدعو إلى توفير المعونات المالية للدول الفقيرة، الحملات المستمرة لزيادة تكاليف الاقتراض في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي نمواً ضعيفاً وتراجع التضخم.

قال إريك ليكومبت، المدير التنفيذي للمجموعة: “السياسة المدمّرة المتمثلة في رفع أسعار الفائدة تعني أن المزيد من البلدان النامية تواجه أزمة ديون. أكثر من نصف هذه البلدان تواجه صعوبة في سداد ديونها وتلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها”.

فيما يتعلق بالتوقعات العامة؛ ما تزال هناك تصريحات تبعث على الارتياح خلال اجتماعات مراكش، لا سيما من جانب غوبيناث، التي أشارت إلى أن “جوهر” النظام المالي يحظى بالتماسك، حتى لو لم يكن الكثيرون يتوقعون ذلك في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.

ومع ذلك؛ كانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا حذرت من أن تهديدات الاستقرار تنطوي على عدة أبعاد. وقالت: “من الواضح أننا نواجه حقبة أسعار فائدة أعلى لفترة أطول”، و”تشديد الأوضاع المالية بشكل حادّ قد يؤثر في الأسواق والبنوك والمؤسسات غير المصرفية”.