إيه مشكلتك مع شامبليون ؟

إيه مشكلتك مع شامبليون ؟
محمد بكري

محمد بكري

8:35 ص, الخميس, 30 مارس 23

بعد 17 مقالا تبصيريا بأبعاد أزمة تمثال شامبليون بباريس وهو يدعس رأس الملك رمسيس الثانى “الجد الأعظم للمصريين”، وما ينطوى عليه من أخطاء تاريخية، وإثبات مسؤولية فنية تقصيرية على نحاته أوجست بارتولدى، وبعد بدء حراك الوعى بمصر بالتغيير الشجاع لبوستر المسلسل الرمضانى (الحاج إكس لانس) 2023 المشابه لفكرة التمثال المشؤوم، فمازلت أصادف مزيدا من الأسئلة محورها (إيه مشكلتك مع شامبليون؟). وبالتالى فضلت أن أشارك القارئ الكريم بعض منها، لمزيد من الموضوعية وتوحيدا لفهمنا لما نواجه! فهل هى مشكلة شعور شخصى متضخم بالهوية، أم قلقى من أزمة تمس وعى جيل، أم قضية وطنية تطالب وعينا باليقظة والقرار؟

فكان من هذه الأسئلة؛ لو حرية الإبداع مكفولة عالميا ونجاهد لحمايتها محليا، فإيه مشكلتك مع حذاء شامبليون بباريس طالما بعيدا عن رؤوسنا بمصر؟ لو أخطأ النحات فى التعبير عن أفكاره بحسن نية، وأسند حذاء شامبليون على مجرد حجر وليس رأس فرعونى، فإيه المشكلة؟ لو عاصر تمثال الأزمة وكانت أصلا مشكلة وزار باريس عظماء مصر بعد الطهطاوى وحتى الآن مثل؛ طه حسين، عبد الرحمن بدوى، الرافعى، عبد الوهاب عزام، لويس عوض، زكى نجيب محمود، أنيس منصور، المنفلوطى، توفيق الحكيم، قاسم أمين، كمال الملاخ، محمد صبرى السوربونى، حسن حنفى، سليم حسن، يحى حقى، نجيب محفوظ، محمد حسين هيكل، رشاد رشدى، يوسف وهبى، زاهى حواس، يوسف شاهين، شيخ الأزهر وغيرهم من سياسيى ومثقفى وفنانى ووزراء مصر، ومع ذلك استمر شامبليون يحدق فيهم بصمت ويمرون به بصمت منذ 1875 للآن، فأين كانوا ولما صمتوا عن المشكلة؟

لو اختلفت معانى ومفاهيم وقوة تأثير الثقافتين المصرية والفرنسية، وموقفهما من دعم وحماية الفن والإبداع والوعى، وكانت فرنسا أسبق وأعمق وأقوى فى ذلك، لدرجة دعمها الدعس الشامبليونى مقابل التفهم المصرى، فلماذا تشاكس شامبليون؟

لو مر على مصر بعد الخديوى إسماعيل، حكاما وقادة وكان كل وزراء وسفراء ثقافتهم وآثارهم وسياحتهم وأثرييهم، على علم بتمثال الأزمة وكواليس الحكم والمصالح والمناصب، وفضلوا التعايش مع الدعسة الشامبليونية بمصالحة نفسية وثقافية وسياسية، فأين مشكلتك؟

لو شهدت العلاقات والروابط الفرنسية المصرية أواصر متينة منذ الحملة الفرنسية، ناقلة وصف مصر، ومكتشفة هيروغليفيتها، ومؤسسة المتحف المصرى والمجمع العلمى، والمساهمة بتعريف العالم بمصر القديمة، والمستمر معاملاتهما التجارية والدبلوماسية والعسكرية والتعليمية حتى الآن، لدرجة توافق الطرفين أن تمثال شامبليون تعبيرا عن هذه الروابط! فلماذا تجرح كل ذلك بمشاكسة مجرد حذاء تبرزه المجادلات، أكثر من سعادته فى جفن الزمن؟ إيه المشكلة..

ولو عايش التمثال نظر وفكر وشعور ووعى الأجداد والآباء والقدوات والموجهين والمفكرين، ولم يجدوا فيه ما يمتهن الكرامة أو ما يورثوا ضغينته لأولادهم وتلاميذهم وأحفادهم.. لدرجة تفضيل الجيل الحالى أن يكون هو العظيم الواقف (شامبليون) وليس الأعظم المدعوس (رمسيس الثاني)! لأن العصر يحتاج العظمة القادرة المعاصرة وليس الكبرياء المنتهية الغابرة ولو كانت الأعظم! فما مشكلتك.. طالما سيكون أولادنا عظماء بمقاييس شامبليونية ورسائل بارتولدية؟

إيه مشكلتك مع رأس حجرى مقطوع مدعوس ولو لملك، طالما غير محسوم لمن هو؟ وحتى لو حددنا هويته، فمشاكل وقضايا وأزمات مصر وفوران العالم من حولها، تجعل مشكلتك بغير أوانها، فأين المشكلة؟

ولو كان حذاء شامبليون “بينقح” على مصريتك وهويتك وقيمك، فأين بوصلة وجعك من باقى الورث المشاع، من وقت كان ما فوق أرض مصر لبريطانيا وما تحتها لفرنسا، وتحريكها لآثارها ومتحفها من المعهد الفرنسى للآثار الشرقية فى القاهرة من 1880، والمشرف على أكثر 45 بعثة أثرية حتى الآن، فأين المشكلة؟

إيه مشكلتك مع تمثال معاصر لبارتولدى فى باريس لمجرد وجع الكرامة خارجيا، ولا تلتفت لمشكلة حظر المعهد المذكور لمكتبته على المصريين ومكافحتهم لاستعادة حق المعرفة؟ مع من المشكلة..

أين تتجه بمشكلتك الحذائية، ولأوجست بارتولدى حُماة ورعاة وأخوة وأحفاد، يدسون رسائل صنيعته الشامبليونية فى متن الوعى العالمى، ويحفظون كرامة حذائه بحماية ثقافية ودبلوماسية؟

إيه مشكلتك مع شامبليون، وقد اكتفت أجيال قبلك بالتعايش معه أو الجهل به، تنفيذا لمثل “من يتزوج أمى أقوله يا عمي” كإثبات لرؤية ابن خلدون (أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب فى شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده) – ليبقى واقعنا مشكلة خيالك، وهذه ليست بمشكلة!

إيه مشكلتك مع ناحت الحذاء، وقد تركت من تسبب فى بقائه هكذا؟ قبل محاكمتك للفنان المعبر عن إبداعه، حاكم تلاعب الثقافة الفرنسية والغربية بفكر شعب صاحب أعظم حضارة فى العالم، فجعله يهضم أشواك الإهانة بليبرالية الفكر وحرية الإبداع ومصالح السياسة وفواكه المناصب وتجارة الأزمات وفلسفة القوة؟

إيه مشكلتك فى إبراز أن شامبليون مستكمل لجهود من سبقوه فى اكتشاف الهيروغليفية وليس مكتشفها وحده؟ بل وسماعك فيه أخطاءه فى الترجمة وأخذها تخمينا قياسا على اللغة القبطية التى تعلمها من أستاذه المصرى يوحنا الشفتشى، ومع ذلك ينسب له بارتولدى الفضل وحده، كقاهر الهيروغليفية والرابض على رأسها؟ فين المشكلة؟

إيه مشكلتك مع سرقة بارتولدى لتصميم لوحة أنجوس “أوديب وأبوالهول”، وتفريغ خلافه مع الخديوى إسماعيل فى شغفه بشامبليون، وتخليده الشغف بالانتقام فوق مجرد قطعة حجر، طلعت بالصدفة رأس ملك؟ وإيه المشكلة أصلا فى تجاوز النحات لأصول الفن التشكيلى باعتدائه على كرامة الآخرين، طالما أنتج عملا تشكيليا مستوفيا لمقاييس الجمال والإبداع، بحراسة الفن التشكيلي؟

إيه مشكلتك فى إثبات توريط الفنان التشكيلى فى مسؤولية فنية تقصيرية، لتنقذ سمعة ثلثى أطلال العالم القديم، الذى يحفى أحفاده لاستعاده رماد عزه غناءً واحتفالا فقط؟ ومع ذلك فلا الحذاء سيُرفع ولا الاحتفالات ستنتهي! فما مشكلتك إذن؟

بل ما مشكلتك مع تمثال واحد تزنه بدموع القهر المصرى المعاصر، ويراه العالم رمزا لتقديم مصر القديمة وبيعها له؟

بل ما مشكلتك مع صمت الاستمرار، وتفهم الكبار، وخوف الصغار، وتثلج النار، وتأطير الجد بالهزار؟ فما غير ذلك هو المشكلة!

إيه مشكلتك المحددة، وصانع معناها يبتسم لنا خلف الستار، لشراكته مع الزمن فى نصرة الأضرار؟

لا مشكلة! ولا أوجاع! بل لا أضرار أبدا إلا فى دموعك على مُلك يغفو فى الأحجار، ويزود أمثالك عن كرامته بمحاولة نفض الغبار!

كانت هذه بعض من أسئلة “ما مشكلتى مع شامبليون؟” وكانت إجابتى لنفسى هى كلمة واحدة! مشكلتى مصريتى فى زمن يحتاج نفض الغبار، وشحذ النصال لتقويمها وهما ولو زمنه طال! لا مشكلة فى الزوال، أو حتى مع محاولة قد تصادف بوارًا! ويكفينى فخرا أن يشاركنى سائلوها مصريتى، والرد على أسئلة استفهامها جواب!

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]