إيران تبارى القوى الإقليمية لصدارة الشرق الأوسط الجديد

إيران تبارى القوى الإقليمية لصدارة الشرق الأوسط الجديد
شريف عطية

شريف عطية

8:45 ص, الخميس, 17 مارس 22

فى سياق الفرز الأميركى بحثًا عن وكيل دائم لها يملك صلاحيات يمكن الاعتماد عليه بعد تخليها التدريجى عن منطقة الشرق الأوسط، كى تركز فى إستراتيجيتها الدفاعية الجديدة على المحور الآسيوى “Asian pivot” آسيا- المحيط الهادى، الأهم عالميًّا من وجهة نظرها، اقتصاديًّا وإستراتيجيًّا فى القرن 21، تبرز إيران بحضارتها القديمة واحتكاراتها البترولية كى تعيد ترتيب أوراقها الجيبوليتيكية المرة بعد الأخرى منذ ثورتها قبل أربعة عقود ونيّف، ما بين توظيف المذهبية الدينية، سواء لتصديرها خارج حدودها أو لإحكام السيطرة على نظامها الداخلى، وما بين تفعيل قدراتها فى ميادين القتال.. إلى اعتمادها وسم الأساليب الدبلوماسية، سبيلًا لتحقيق أمنها القومى من خلال هذه القنوات المحورية.. مركزًا إقليميًّا متميزًا يؤهلها لوضعية دولية متقدمة، والعكس صحيح، إذ تستغل “التشيُّع” سبيلًا لإضفاء طابع روحى وقداسة دينية تكون بديلًا لتراجع “السنّيّة” التاريخية فى داخل الإقليم وخارجه، مما يعزز من أهدافها فى دعم “العِرق” والقومية الفارسية، كما ولتتمدد- ثانيًا- عبر ميادين الحروب غربًا.. من العراق واليمن إلى سوريا ولبنان، كى تهيمن على صناعة القرار فى العواصم العربية الأربع من شرقى السويس إلى شرق البحر المتوسط، ناهيك عن هجومها الصاروخى “الباليستى 12” مارس الحالى ضد “مقرات إسرائيلية” فى “أربيل” عاصمة إقليم “كردستان” العراقى، ما يمثل ردًّا من طهران على غارات إسرائيلية متكررة ضد المنشآت الإيرانية فى جنوب سوريا، الأمر القابل للتصعيد، ذلك فيما تتجه إيران- ثالثًا- لاستخدام السبيل التفاوضى مع المجموعة الدولية 5+1 لإحياء العمل بالاتفاق النووى السابق إبرامه بين الجانبين منتصف يوليو 2015، قبل أن تجمد واشنطن العمل به فى العام 2018، حيث تقف إسرائيل المعارضة لإحياء الاتفاق على خط الأزمة، وبجانبها دول خليجية انزلقت للتطبيع مع الدولة العبرية على أن يكون لها الدور القيادى لحفظ أمن الخليج فى مواجهة التمدد الإيرانى المسكوت عنه من جانب روسيا والصين بموجب اتفاقات (غامضة) مع طهران ضمن إستراتيجية التوجه الإيرانى إلى الشرق “بديلًا” عن سياسة الانفتاح على الغرب، وللتوازن بينهما لمواجهة العقوبات الأميركية عليها، ذلك رغم الدور الذى تلعبه روسيا لضمان أمن إسرائيل من خلال منحها حرية الحركة فوق أهداف إيرانية فى سماء سوريا، كما بالنسبة لتقارب موقف كل من موسكو وتل أبيب إزاء عرقلة الاتفاق النووى الإيرانى المرتقب فى “فيينا”، حيث يلتقى وزير الخارجية الإسرائيلى مع نظيره الروسى فى موسكو منتصف مارس الحالى لمناقشة الموافقة على مطالبة روسيا القوى العالمية بوقف مفاوضات “فيينا” مؤقتًا لفترة غير محدودة، برغم استكمال نصّ الاتفاق إلى حد كبير، والذى لموسكو دور محورى فيه من حيث قيامها بتخزين فائض اليورانيوم الإيرانى، إلا أن روسيا تلقت فى 15/ 3 ضمانات خطية أميركية توافق فيها على مطالب موسكو لإحياء الاتفاق النووي، ومع ذلك فمن اللافت تغاضى واشنطن من جانب آخر عن رفض إسرائيل التصويت لصالح قرار أممى أميركى بإدانة (الغزو) الروسى لأوكرانيا، كما من اللافت أيضًا قلق إسرائيل لامتناع واشنطن عن الرد على الهجمات الإيرانية على مقرات إسرائيلية فى “أربيل”، إذ قد ترجع مواقفها المتساهلة إزاء إيران للرغبة فى استدراجها مجددًا للفلك الأميركى الذى تتطلع طهران مشددًا للعودة إليه، وفق ما صرح به أمين عام الأمم المتحدة الأسبق “دى كويلار” لوزراء غربيين (عن مذكرات كونداليزا رايس)، ما لا يجعل الورطة فى علاقتيهما إيرانية فحسب، بقدر ما هى أميركية أيضًا، ذلك فى الوقت الذى من غير مصلحة روسيا أن تطبع إيران علاقاتها مع الولايات المتحدة، حتى إنه يقال فى هذا الصدد عن “إهانة” وزير خارجية إيران الأسبق (جواد ظريف) لنظيره الروسى “لافروف” حين سأله الأخير عن تفاصيل فى المفاوضات النووية.. بالرد عليه “هذا ليس شأنك”.

والآن.. ماذا عن إيران والمنظومة العربية المرتبكة والمشوَّشة من بعد حرب 1973، ما بين تيارات لا حضارية ولا ثورية ولا علمانية، تتطاولهم كل من العراق ولبنان الحائز نظاماهما الحاليان بقبول القوى الدولية باعتبارهما “ديمقراطيان”، يراد تعميم تجربتيهما فى المنطقة العربية، لولا انتفاضتاهما الجماهيريتان فى العام 2019 ضد الطائفية والمحاصصة، وعلى السطوة الإيرانية، من حيث ممارستها دورًا إلغائيًّا لجوهر الديمقراطية، لكن يجرى السكوت عنه فى إطار السياسة الغربية لإعادة تأهيل إيران، والتحالف معها، ربما عودًا على بدء لمستهل الثورة الإيرانية 1979.. قبل أن تتحول من تحالف وطنى عريض (بازركان- قطب زاده- بنى صدر- مسعود رجوى… إلخ) إلى البنية المركزية “الثيوقراطية” تحت هيمنة “الملالى” و”ولاية الفقيه”، وفى حماية ما يسمى الحرس الثورى الأعلى صوتًا High voice عن باقى مؤسسات الدولة بما فيها الجيش، وحيث تجرى الانتخابات الإيرانية، وعلى غرارها الانتخابات فى العراق ولبنان، فى ظل هيمنة السلاح، وكما فى إطار انسداد سياسى تجرى فى سياقه الانتخابات (الديمقراطية) فى باقى دول المنظومة العربية، ذلك فيما سوف من المحتمل أن تستعيد الولايات المتحدة مكافأة إيران على النحو الذى سبق للرئيس “أوباما” أن طالب به العرب فى العام 2016 بـ”اقتسام النفوذ مع إيران”، ومن ثم ربما لعودتها للعمل على بدء بدور “الشرطى” الأميركى الإقليمى فى المنطقة، وفى إطار تحالف محتمل إخوانى إيرانى ماسونى.. لفصول شرق أوسط جديد لا تزال تتنازعها كل من مصر “العربية” وتركيا “حلم الخلافة” وإسرائيل الكبرى “الصهيونية”، فيما لو فطنت مصر مبكرًا للعالم الجديد.. فسوف تستعيد دورها كقاطرة للمنظومة العربية، تجنى بها ثمارًا غير متوقعة للجميع.