يستمر نشاط التأمين فى تلبية حاجات المجتمع الضرورية التى لاغنى للمواطن عنها؛ إذ إن القطاع يسير فى ركب تحقيق رغبات العملاء بشكل جيد، وإن كان بخطوات بطيئة.
ومن بين ما أعدّه نشاط التأمين لبث الطمأنينة فى قلوب العملاء وثيقة تأمين تعليم الأبناء، التى تهدف إلى مساعدة الأسرة فى سداد مصروفات تعليم أبنائها، وأكد الخبراء أن الوثيقة تظهر أهميتها فى ظل ارتفاع تكاليف التعليم الحكومى والخاص، لا سيما وأن معظم عملائها من الطبقة الوسطى.
مصطفى: البوليصة مناسبة للطبقة المتوسطة
وقالت داليا مصطفى؛ مدير حسابات الشركات بشركة مصر لتأمينات الحياة، إن وثيقة تعليم الأبناء لا تخاطب الطبقات العليا من المجتمع المصري؛ لأن معظم أفراد هذا الوسط يتجهون بأبنائهم إلى المؤسسات التعليمية العالمية ذات التكاليف الباهظة، الأمر الذى يُرى من خلاله أن معظم تلك الفئة لا تأبه بذلك النوع من التأمين.
وأوضحت أنه بينما تتجه الطبقات العليا إلى الوثائق المؤقتة، التى تمنحهم -فى ظل غياب رب الأسرة- الرفاهية المعتادة، خاصة مع تجمد أرصدة البنوك للعائل ونفاد وقت كبير لحين استخراج الأوراق الرسمية لتقسيم الإرث وما شابه ذلك، وذلك ما يجعل تلك الفئة من المجتمع حريصة على اقتناء ذلك النوع من التأمين.
وأشارت إلى أن وثيقة تعليم الأبناء لا تأخذ فى حسبانها الطبقات منخفضة المعيشة بالمجتمع، حيث لا يهم عائل الأسرة حاليًا بتلك الفئة فى ظل الظروف المالية الراهنة للدولة، إلا توفير القدر الذى يستطيعه من تكاليف المدارس لمن يعول، ولا يتعدى مجال رؤيته السنة الحالية التى يعيش بها، رغم تمنياته الواسعة أن يملك فائضًا يؤمّن من خلاله مستقبل أبنائه.
وأشارت إلى أن تلك الوثيقة تتسق بشدة مع الطبقة المتوسطة من المجتمع، تلك الفئة التى تتعامل مع مؤسسات التعليم الحكومية وتتجه نحو المدارس الخاصة أو اللغات فى أحسن الأحوال، إذ يتعامل ذلك الوسط من خلال رواتب ثابتة لا تسمن ولكنها تُغنى من جوع، ولذلك يستطيع أفرادها الصمود أكثر ممن دونهم الذين لا يملكون مصدر دخل ثابت فى ظل الحالة الاقتصادية غير الجيدة.
ومن ثَم، فإن الطبقات المتوسطة ذات الطموح فى الملاءة المالية ستجد منفذًا فى تلك الوثيقة للسيطرة على مخاوفها، للإطمئنان على مستقبل سير حركة تعليم الأسرة -بشكل مناسب- دون تبديل لمستواه، إن غاب عائلها.
ونوّهت إلى أن وثيقة تعليم الأبناء تشترط أن يكون العميل أكبر من سن الـ21 وأصغر من الـ60، ولا تُستحق إلا فى حالة وفاته، وتصرف على شكل دفعات سنوية للطفل إلى أن يصل إلى نهاية مرحلة دراسته الجامعية أو الـ25 فى بعض الحالات، ولذلك فهى لا تمت للنوع الاستثمارى بصلة؛ نظرًا لانخفاض قسطها.
وردت «مصطفى» ضعف إقبال العملاء على وثائق تعليم الأبناء -حتى من الطبقة المتوسطة- إلى عدم تناولها بشكل مناسب كافٍ بالوسائل الإعلامية، فضلًا عن إهمال الوسطاء لها، مما خلف صدعًا بين المتلقين وشركات المجال لا يرأبه إلا تسويق ذلك النوع من التأمين بشكل مناسب، خاصة بين الفئة الوسطى بالمجتمع المصرى.
وأكدت أن عدد عملاء تلك الوثيقة بدا هزيلًا جدًا مقارنة مع عدد المؤمّنين فى الفروع الأخرى، وأرجعت ذلك إلى أنها لم تحظَ باهتمام كافٍ ولا بترويج ينفى الجهالة عن السوق المصرية.
وأشارت «مصطفى» إلى أن وثائق الاستثمار هى التى تقى الأبناء من غوائل تدهور الحالة الاقتصادية مستقبلًا، وتحفظ الطمأنينة لدى الآباء فى ضمان مؤسسات تعليمية جيدة لهم فى مستقبلهم، حيث إن النوع الاستثمارى له وقت استحقاق معروف يمكن تنسيقه مع فترة تعليم أعضاء الأسرة.
وطالبت بأن تتريث شركات التأمين والوسطاء فى فهم ظروف العميل واهتماماته قبل ترشيحه لنوع معين من الوثائق، حتى لا يندرج دون أن يعرف تحت نوع لا يلبى احتياجاته الحياتية، فذلك من أبسط «الحقوق الآدمية» له حيث إن تلك المشكلات تقع فيها العديد من المؤسسات العاملة بالقطاع؛ سعيًا وراء توسيع قاعدة العملاء، «إلا من رحم ربى»، حسب وصفها.
واقترحت «مصطفى» أن تُلحق تلك الوثيقة بالتأمين المؤقت أو الاستثمار، فى ظل ضعف الوعى التأمينى لدى قطاع كبير من المواطنين، بينما رأت أن الإجبار عليها شيء مجدٍ، إلا أنه لا يُضمن رد الفعل لقاء ذلك التصرف من الجهات المعنية، حيث يتأفف العملاء دائمًا من الأشياء التى تأخذ شكل الإرغام.
وأشار إيهاب خضر؛ وسيط تأمين، إلى أنه لا يُستفاد من وثيقة التعليم إلا حال وفاة رب الأسرة أو العائل الأساسى لها، ولذلك فإنها لا تُوفى إلا حين وقوع حادث مغطّى بها، وهذا ما عدّه أمرًا فى غاية الأهمية.
وبرهن على كلامه بأن انعكاس الوثيقة على الحياة الاجتماعية ظاهر فى أنها تمنع ظاهرة التسرب من التعليم؛ والتى تتجلى بعد وفاة رب الأسرة أو عائلها، ومن ثم، فإنها تمنح المؤَمّن لهم فرصة إتمام مسيرته دون تأثّر.
ويرى أن الإقبال بشكل عام على وثيقة تعليم الأبناء غير مُرضٍ، بينما من المفترض أن يكون الطلب متزايدًا عليها، وأرجع ذلك إلى قضية انتشار «الوعى التأمينى» الذى يطرحها ليل نهار فى كل لقاء أو حدث يخص القطاع.
واقترح بديلًا عمليًا عن وثيقة تعليم الأبناء، حيث نادى بعمل نوع من الوثائق أسماه «إعانة البطالة» بداية من سن الحضانة إلى الـ23 قِوامها الاستثمار من خلالها، وتوجه استفادتها إلى المؤمّن له -بشكل راتب يحدده الاكتواريون قبلًا- وقت تخرجه من التعليم الجامعى لحين انخراطه فى سوق العمل أو حال بحثه عن وظيفة مناسبة.
وأرجع ضعف الإقبال على وثيقة تعليم الأبناء إلى غياب فرضية الإجبار عليها، مما حدا بالعملاء إلى اعتبارها من باب الرفاهية التى لا تحسب من المسائل الإستراتيجية بحال، إذ إن كل الناس ليس لديهم من الوعى ما يدفعهم إلى التهافت عليها.
ولكن وثيقة التخرج -من وجهة نظره- هى الحل المناسب للتخطيط فى ظل التفكير الجمعى الراهن من أجل توفير مصاريف تعليم الأولاد، فهى تمكنهم من الادخار المالى بشكل منتظم، لاستثماره على المدى الطويل من أجل تعليم أبنائهم، وتقدم لهم مزايا قيمة للتأمين والحماية.
وألقى «خضر» عبء تعريف العملاء بوثائق تعليم الأبناء على شركات التأمين على الحياة، إذ يتعين عليها الاستفاضة فى شرح المحتوى الخاص بها للعملاء بما لهم من حقوق وعليهم من واجبات، واعتبر أن مؤسسات القطاع تبدو متقاعسة عن هذا الأمر، مما يدعو إلى تشوّش نظرة المجتمع إلى النشاط بأسره، ويخلق أزمة له تتوغل فى عمقها يومًا بعد آخر.
وأكد أن الوثيقة وسيلة طمأنة جيدة لأرباب الأسر على مستقبل تعليم أبنائها؛ إذ إنها تأتى بالتزامن مع الحالة الاقتصادية العامة بنتائج جيدة، فى ظل اتجاه فئات عديدة من المجتمع إلى المدارس والجامعات غير الحكومية للحصول على جودة مُثلى، فضلًا على أن تحول الدولة إلى تطوير محتوى المؤسسات العلمية جعل كلفته ليست مثل الأيام الماضية، وهذا ما يدفع بشدة إلى الاحتماء بذلك النوع من التأمين، فى حال غاب عائل الأسرة عنها.
جودة: مفيدة فى تغطية الاحتياجات المستقبلية لمصروفات الدراسة
بدوره، اعتبر الدكتور محمد جودة؛ رئيس قسم التأمين بكلية التجارة – جامعة القاهرة، أن وثيقة تعليم الأبناء إنما تكون لتغطية احتياجاتهم المالية المستقبلية، لاستكمال دراستهم فى حالة بلوغ الأبناء سن الالتحاق بالجامعة أو فى حالة وفاة العائل أو إصابته بالعجز الكلى أو الجزئى المستديمين، إذ تقوم شركات التأمين بصرف التعويض المتفق عليه مع العميل لصالح الابن.
ولفت إلى أن وثيقة تعليم الأبناء تصدر للطفل من سن عام وحتى 22 سنة، ويستطيع العميل الحصول عليها بشرط أن يتراوح سن الأب أو العائل من 20 عامًا وحتى الستين، فقبل بلوغ الطفل الخامسة والعشرين، يتم صرف دفعات شهرية بواقع %5 من مبلغ التأمين، بداية من الشهر التالى لوفاة الأب، وحتى بلوغ الابن الـ25.
وأشار إلى أن هناك وثائق لتعليم الأبناء تغطى حالات وفاة العائل فقط، فإذا لم يتوفَ قبل بلوغ الطفل الخامسة والعشرين، لا يتم صرف مبلغ التأمين، بينما تُفرض رسوم إضافية إذا أراد العميل تغطية حالات العجز الكلى والجزئى المستديمين.
وأفاد «جودة» بأن مبلغ الوثيقة يتم صرفه فى توقيت معين للأبناء، حسب اختيار العميل (الأب – العائل)، لذلك فإنها تعتبر ضمانًا ماليًا لاستمرار تعليمهم بتغطية احتياجاتهم المستقبلية لاستكمال مشوار الدراسة لهم بعد وفاة الأب أو إصابة العائل بالعجز، سواء كان كليًا أو مستديمًا.
وأكد أن جَودَة الوثيقة تكمن فى توفير مبالغ مالية فى ظل فترات احتياج العائلة لذلك، إذ تضمن سير حركة تعليم الأبناء عند سن الجامعة مثلًا وغيرها من مراحل التعليم أو عند وفاة عائل الأسرة، فهى بذلك تعد عاملًا مساعدًا فى تحمل تكاليف الدراسة حسب نوعها وتكاليفها، إذ إنها مناسبة جدًا فى حالة المدارس الحكومية ومساعدة فى الجهات الخاصة.
وأرجع عزوف العملاء عن وثيقة تعليم الأبناء إلى نقص الوعى التأمينى وأهميته بصفة رئيسية.