إقالة السيسى رؤساء الأجهزة الرقابية: تصفية حسابات أم تطهير؟!

إقالة السيسى رؤساء الأجهزة الرقابية: تصفية حسابات أم تطهير؟!

إقالة السيسى رؤساء الأجهزة الرقابية: تصفية حسابات أم تطهير؟!
جريدة المال

المال - خاص

12:54 م, الثلاثاء, 14 يوليو 15

■ جبريل: يتفق مع المادة 216 من الدستور

■ الإسلامبولى: السبب الحقيقى وراءه تصفية حسابات.. ويعكس تكريساً لسلطات الرئيس

شريف عيسى

أثار إصدار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى القانون رقم 89 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، حالة من الجدل بين الأوساط السياسية والقانونية، نتيجة ما تضمّنه القانون من بنود تجيز للرئيس إعفاءهم من مناصبهم.

ويتصاعد الجدل حول هذا القانون بسبب توقيته، فقد جاء بعد الهجوم الذى شنّه المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، على العديد من مؤسسات الدولة فى العديد من المؤتمرات الصحفية، حيث انتقد حفظ النيابة العامة التحقيق فى تقريرٍ قدّمه الجهاز يتضمن مخالفات بأراضى «الحزام الأخضر» الذى يحيط بالمدن الجديدة، وكشف أن أبرز مخالفات الحزام يتلخص فى تخصيص مساحات شاسعة بالأمر المباشر لأفراد وشركات دون وجه حق، مؤكدًا أنه تم تقسيمها بين النيابة العامة ونادى القضاة والرقابة الإدارية وبعض شركات تابعة لجهات سيادية أخرى.

كما هاجم رئيس «المركزى للمحاسبات» فى حواره، وزارة الداخلية، وقال إنها ترفض تقديم المستندات الخاصة بالرواتب والأجور والمكافآت التى يتقاضاها العاملون فيها، مشددًا على أنه «لا يجوز التحجج بأنهم يحاربون الإرهاب»، وأعلن التحدى بالقول: سأكشف الفساد أيًّا كان موقعه، سواء كان قاضيًا فاسدًا أو ضابطًا فاسدًا أو أى مسئول فى الدولة، وإذا لم أكشف ذلك فأين إذًا دور الجهاز وقيمته ما دام لا يرصد مخالفات؟

وشدد على أن «محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب، والعكس صحيح، فهما وجهان لعملة واحدة، فإذا لم نحارب الفساد ستفقد الدولة كثيرًا من مصداقيتها لدى الرأى العام، وهذا سيكون تكأة للإرهاب، ومبررًا لأنشطته الإجرامية، ويعطى انطباعًا بأن الدولة غير جادة فى محاربة الفساد»، كما أكد فى أحد أهم تصريحاته أن هناك مليار جنيه مخالفات للنيابة والقضاة تُخفى الرواتب بحجة الإرهاب.

وكان السيسى قد أصدر قرارًا جمهوريًّا السبت الماضى بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.

ونصّت المادة الأولى من القانون على أنه يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، فى الحالات الآتية: أولها إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وثانيها إذا فقد الثقة والاعتبار.

أما الحالة الثالثة فهى: «إذا أخلّ بواجبات وظيفته، بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة»، بينما تنص الحالة الرابعة على الإعفاء إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذى يشغله لغير الأسباب الصحية.

وقد أكدت عدد من الأوساط السياسية والقانونية عدم دستورية القانون نتيجة مخالفته للدستور المصرى وللإعلانات الدولية، مما يؤثر على كفاءة تلك المنظمات والهيئات والأجهزة فى أداء دورها الرقابى فى مكافحة الفساد.

وعلى الجانب المقابل أكد آخرون أن المشرِّع لدستور 2014 هو مَن أَوكل للمشرِّع العادى الحق فى تحديد حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وأن القانون الصادر عن الرئيس السيسى متفق مع الدستور، وذلك وفقًا للمادة 216 من الدستور المصرى، مشيرين إلى أن هذا القانون يعد خطوة على الطريق الصحيح نحو تطهير مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية من الأشخاص المعوقة للدولة ويتخذون خطًّا مضادًّا لسياساتها.

فقد أكد ياسر حبيب، المتحدث الرسمى لنادى أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات، أن هذا القانون غير دستورى ومخالف للإعلانات الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، وسيزيد تدهور ترتيب مصر فى مكافحة الفساد، ومن ثم سيؤدى إلى انخفاض التصنيف الائتمانى لمصر.

وتابع: لقد جاء هذا القانون مخالفًا للمادة 215 من الدستور، والتى توجب أخذ رأى تلك الهيئات واﻷجهزة فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها، وهى المادة التى تنص على أن «يحدد القانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. وتتمتع تلك الهيئات والأجهزة بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها. وتعد من تلك الهيئات والأجهزة البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزى للمحاسبات، وهيئة الرقابة الإدارية»، وهو الأمر ا?ذى لم يتم عند إصدار هذا القانون، إذًا فهو غير دستورى.

ويضيف: كما خالف القانون نص المادة 216 من الدستور الفقرة الثانية، حيث أضيف حق الرئيس إعفاء اﻷعضاء- بعد رؤساء الهيئات والأجهزة– من مناصبهم، وهذا غير وارد بالمادة الدستورية التى قصَرت حالات اﻹعفاء على الرؤساء.

وأكد المتحدث الرسمى لنادى أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات أن اﻷصل فى المنصب عدم العزل؛ لبث الطمأنينة عند رؤساء تلك الهيئات واﻷجهزة فى مكافحة الفساد، فبهذا القانون سيسعى كل رئيس جهاز إلى السمع والطاعة لرئيس السلطة التنفيذية.

وتطرَّق حبيب إلى إعلانات ليما فى 1977 ومكسيكو 2007 وبكين 2013، الصادرة عن منظمة الانتوساى والتى تؤكد عدم عزل رؤساء اﻷجهزة الرقابية لضمان الاستقلالية ورقابتها الفاعلة للسلطة التنفيذية، منتقدًا قيام رئيس السلطة التنفيذية بعزلهم بعيدًا عن مجلس النواب، ومنتقدًا كذلك حقه فى تعيينهم، وهو الأمر الذى يستوجب موافقة السلطة التشريعية.

وعلى الجانب الآخر قال الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستورى بجامعة حلوان، إن المشرِّع لدستور 2014 هو مَن أَوكلَ للمشرَّع العادى الحق فى تحديد حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، مؤكدًا أن القانون الصادر عن الرئيس السيسى متفق مع الدستور، وذلك وفقًا للمادة 216 من الدستور المصرى.

وتنص المادة 216 على «يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابى قانون، يحدد اختصاصاتها، ونظام عملها، وضمانات استقلالها، والحماية اللازمة لأعضائها، وسائر أوضاعهم الوظيفية، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال. يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أىٌّ منهم من منصبه إلا فى الحالات المحدَّدة بالقانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء».

وأشار أستاذ القانون الدستورى إلى أن الهيئات المستقلة تعد فكرة جديدة على العالم، وقد ظهرت للمرة الأولى بالدستور العراقى الذى وُضع بعد الاحتلال العراقى، وعلى ذلك فإن العالم لم يبلورها بعد، خاصة فى ظل اشتمال مؤسسات الدول على ثلاث سلطات فقط هى: التشريعية والقضائية والتنفيذية.

وأوضح أن الهيئات المستقلة فى مصر، والتى حددها الدستور، ظهرت للمرة الأولى خلال دستور 2012، وحدثت مع تعديل الدستور بعد ثورة 30 يونيو، وظلت جهات تابعة للسلطة التنفيذية، والدليل على ذلك أن تعيين رؤسائها يخضع ضمن سلطات رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس النواب كممثل للسلطة التشريعية.

من جهته قال عصام الإسلامبولى، الفقيه القانونى والدستورى، إن قانون حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، هو تكريس لسلطات رئيس الجمهورية، كما أنه مخالف للدستور والقانون المنظِّم لعمل تلك الأجهزة والهيئات.

وأكد لـ»المال» أن المادتين 215 و216 حددتا طريقة تشكيل تلك المؤسسات وتكوينها وطريقة تعيين رئيسها وآليات ضمان استقلالها؛ بهدف أداء دورها الرقابى على سلطات الدولة بطريقة أكثر كفاءة وفاعلية وحيادية وموضوعية، ومن ثم فإن صدور هذا القانون يعوقها عن أداء مهامها.

وتساءل الإسلامبولى عن أسباب صدور مثل هذا القانون فى الوقت الحالى، قائلًا: «هل للمستشار أحمد الزند، وزير العدل، يد فى إصداره، خاصة فى ظل وجود خصومة وعداء قديم بينه وبين رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات المستشار هشام جنينة؟!».

وأوضح أن القانون الصادر فى هذا الصدد لا يعدو أن يكون قرارًا إداريًّا، خاصة لو أن السبب الحقيقى وراءه هو تصفية حسابات، مما يعنى- وقتها- وجود انحراف فى استخدام السلطة التشريعية المخوَّلة لرئيس الجمهورية.

وتطرّق إلى المادة 20 من قانون الجهاز المركزى للمحاسبات، والتى تنص على «عدم قابلية رئيس الجهاز المركزى للعزل»، وعلى ذلك فإن ما ورد بالدستور فى المادة 216 والمتعلقة «ولا يُعفى أى منهم من منصبه إلا فى الحالات المحددة بالقانون» فإن المشرِّع الدستورى يقصد هنا القانون المنظِّم لتلك الأجهزة والهيئات، وليس إصدار قانون جديد.

واختتم حديثه قائلًا: «أن الدستور عاملَ رؤساء الأجهزة المستقلة كوزراء، وبالتالى فى حال ثبوت إدانتهم فى أى قضايا فساد فإنه يجب أن يتم رفع دعوى وإحالته للمحاكمة أمام السلطة القضائية وليس العزل كما ورد بالقانون».

من جانبه قال المحامى طارق محمود، الأمين العام لائتلاف دعم صندوق تحيا مصر، إن صدور قرار بقانون يجيز لرئيس الدولة إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، خطوة على الطريق الصحيح نحو تطهير مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية من الأشخاص المعوقة للدولة ويتخذون خطًّا مضادًّا لسياساتها.

وأضاف أن بعض رؤساء الأجهزة الرقابية أعضاء فاعلون فى التنظيم الدولى للإخوان، وأنهم تولوا مناصبهم خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، والذى كان يعمل على السيطرة على كل مفاصل الدولة، خاصة الأجهزة الرقابية لتكون أداة فى يد الجماعة لعرقلة العمل فى الأجهزة التنفيذية من أجل أخونتها وسيطرة الجماعة عليها.

وأكد أن بعض الأجهزة السيادية توصلت لمعلومات وأعدّت تقارير للرئيس أن بعض رؤساء تلك الأجهزة ما زالوا على اتصال دائم بجماعة الإخوان، وأن هناك بعض الوثائق تم تسريبها بواسطة هؤلاء إلى الخارج تخصُّ الأمن القومى المصرى، مما يعنى أنه كان يجب اتخاذ ذلك القرار منذ فترة، نافيًا أن يمثل هذا القرار بقانون تغولًا للسلطة التنفيذية على الأجهزة الرقابية، لكنه وضع شروطًا محددة لإعفاء رؤساء تلك الأجهزة حتى يتم تحسين أدائها والحفاظ عليها من أى عبث يمس الأمن القومى.

فيما قال المحامى البارز خالد أبو بكر، عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى تويتر: «الآن يحق لرئيس الدولة بموجب هذا القرار، عزل هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، إذا لم يكن هذا النص متعارضًا مع أى نص قانونى آخر».

جريدة المال

المال - خاص

12:54 م, الثلاثاء, 14 يوليو 15