أعلن الدكتور عادل عدوي وزير الصحة والسكان عن تدشين برنامج الورقة البيضاء، التي تمثل الإطار المرجعي لوضع السياسات الاستراتيجيات الصحية لجمهورية مصر العربية من خلال طرح تحليلي محدد لعدد من المبادئ الاسترشادية و التوجهات الاستراتيجية، والتي تمت صياغتها من خلال مشاورات متواصلة مع القائمين على القطاع الصحي الرسمي وغير الرسمي ومختلف أجهزة الدولة والقطاعين المدني والخاص.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها فى اجتماع المجلس الأعلى للصحة الثانى اليوم الخميس، بحضور الدكتور ابراهيم بدران وزير الصحة الأسبق والدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق والدكتور ممدوح جبر وزير الصحة الأسبق والدكتور حسين خالد وزير التعليم العالى الأسبق.
وأكد وزير الصحة أن هذه الورقة تستمد روحها ومضمونها من الدستور المصري الجديد، حيث تؤكِّد المادة 18 من الدستور على أن الصحة هي إحدى الحقوق الأساسية للمواطنين وأن للجميع الحق في الحصول على الخدمات الصحية العالية الجودة، وتنص صراحة على زيادة المخصصات الحكومية للصحة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% على الأقل أي ما يقارب ضعف الإنفاق الصحي الحكومي على الصحة في الوقت الراهن.
وأضاف عدوي أن هذه الورقة تتطلع إلى رسم ملامح السياسة الصحية الوطنية لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية تبنى على العدالة و المساواة، مؤكدا أن المساواة بمفهومها الشامل ” سواء فى تلقي الخدمة أو تحمل نفقاتها أو المساواة فى الناتج الصحى” هي أحدى هذه التحديات المهمة.
وتابع أن انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة على مدار سنوات عديدة أدى إلى تكبُّد المواطنين حوالي 72% من إجمالي الإنفاق الصحي من مواردهم الخاصة، وظهر ذلك جلياً في زيادة الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية، بما يحمل المواطن أعباء مالية كبيرة تسعي الدولة لتخفيفها فى الفترة القادمة، بالإضافة إلى ضعف الإدارة في تقديم الخدمات، والتمويل، والموارد البشرية، والمعلومات والتكنولوجيا الصحية، والحوكمة والتي تعد من أهم التحديات التي يواجهها القطاع الصحي.
وأكد عدوي أن الورقة تحتوي عددا من المبادئ الهامة التى تمثل إطارا مرجعيا لتحديد سياسات صحية ناجحة وناجزة قائمة على تحقيق نتائج صحية أفضل وبشكل عادل، و تعمل على حماية الصحة وتعزيزها وضمان إتاحة الخدمات الصحية الأساسية للجميع، مع توفير الحماية من المخاطر المالية الناتجة عن الانفاق على الصحة (التغطية الصحية الشاملة)، وتؤكد تعزيز دور الحكومة في تقديم خدمات الصحة العامة ووجود دورا وطنيا فعالا فى تقديم الخدمة الصحية، وتدعم ضرورة زيادة ميزانية وزارة الصحة، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق أفضل النتائج الصحية مقابل ما يتم إنفاقه مع ترسيخ مبدأ الرقابة والمساءلة.
وأشار عدوي إلى أن الورقة تعمل علي بناء رؤية واضحة بخصوص الأهداف التي يتطلع القطاع الصحي إلى تحقيقها بحلول عام 2030 بالتحرك الفعّال نحو التغطية الصحية الشاملة بوصفها عملية مستمرة طويلة الأجل تهدف إلى تحقيق مظلة خدمات صحية شاملة ومناسبة لجميع المصريين بمواصفات عالية الجودة ، وفق إطار زمني محدد، ومؤشرات قابلة للقياس – تشمل وضع خطة استراتيجية طويلة الأجل متلازمة مع التخطيط لفترة خمس سنوات (الخطط الخمسية) بما يمثل أفقاً زمنياً مناسباً لتنفيذ الرؤية والخطط الاستراتيجية الكبرى بشكل تدريجي، مع بناء قاعدة مؤسسية لنظام قوي للمتابعة والتقييم من خلال مؤشرات محددة لقياس الأداء بما يمكن من إعادة التفكير وإدخال التعديلات حسب الضرورة.
وتابع عدوي أن إحياء دور المجلس الأعلى للصحة يهدف لتوحيد جهة صنع القرار بما يحقق متابعة التخطيط ومعالجة التفتت وتعدد الجهات الفاعلة في القطاع الصحي ، حتى يتمكن المجلس من القيام بدوره في تحديد بوصلة السياسة الصحية الوطنية والتنسيق الشامل بين القطاع الصحي وغيره من القطاعات والأطراف الأخرى المعنية من داخل القطاع الصحي وخارجه مما يؤدي إلى الترابط والتكامل وتفعيل المنظومة الصحية , إلى جانب دوره الهام في توجيه وتنسيق التدخلات والبرامج لمختلف تلك القطاعات.
وتؤكد الورقة على أهمية القيام بمراجعة وتحديث شامل للأطر التنظيمية، بما يشمل القوانين واللوائح المنظمة للموارد البشرية وتقوية آليات وعمليات الإدارة العامة خاصة الإدارة المالية، بدءاً من وضع الميزانيات مروراً بتدفق الأموال وانتهاءً بإعداد التقارير المحاسبية والمالية وأدوات الرقابة الداخلية، كذلك الاهتمام بالبرامج الرئيسة للصحة العامة مثل الوقاية من الأمراض السارية، ومكافحة وعلاج الأمراض غير السارية، والتغذية (البدانة وسوء التغذية)، والصحة الإنجابية، وتعاطي المخدرات، إلى جانب سائر التدخلات التي تستهدف جميع الفئات السكانية، وخاصة الشباب والفئات الأكثر تعرضا ومنها “خطة العمل للوقاية ورعاية ومعالجة التهاب الكبد الفيروسي في مصر 2014-2018″ و”خطة تسريع الوتيرة لتحقيق صحة الأطفال والأمهات في مصر (2013-15)”، ذلك بالإضافة إلى الخطط الخاصة بتحسين جودة وسلامة الخدمات الصحية وخطط تقوية الموارد البشرية في مجال الصحة خاصة على المستوى الطرفي بم يشمل اتخاذ إجراءات عديدة لتناول القضايا الأساسية في هذا الإطار، مثل توظيف وتوزيع العاملين، والتعليم والتدريب، والأجور والحوافز المالية المناسبه، فضلاً عن تطور المسار المهني والإشراف وغيرها.
استكمل عدوي أنه تم التأكيد على ضرورة توسيع نطاق تغطية جميع السكان بخدمات التأمين الصحي ، وأن يُطبق ذلك بخطوات تدريجيةً تشمل التوسع تدريجيا في التغطية الإجبارية بالتأمين الصحي الاجتماعي، مع وضع سياسات فعالة لإعفاء غير القادرين ، فضلاً عن توفير شبكات أمان للفقراء والفئات الأكثر تعرضاً للمخاطر، مع وضع وتنفيذ إجراءات تحسين الكفاءة وتطبيق أدوات لاحتواء التكلفة مع التركيز على مناقشة الأسباب الرئيسة المؤدية إلى القصور في المجالات المختلفة للنظم الصحية، مثل آليات شراء الأدوية ووصفها، أو زمن الإقامة بالمستشفيات، أو اختيار الخدمات المقدمة والمشمولة بالتغطية، وآليات توجيه وتوزيع الموارد البشرية والاستثمارية، ذلك بالإضافة إلى رفع كفاءة استخدام التكنولوجيا الصحية بطريقة منهجية لتوجيه قطاع الصحة إلى التدخلات ذات الكفاءة والفاعلية.
واختتم وزير الصحة قوله : بأن هذه الورقة البيضاء تعد بمثابة إشارة البدء في وضع الرؤية والسياسات والاستراتيجيات الصحية للأعوام القادمة، وترجمتها إلى خطط تنفيذية محددة، قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد من أجل تحسين صحة المصريين وتأكيد الإتاحة والعدالة والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية ذات الجودة العالية، وأن العمل الجاد سيبدأ من الآن لإنجاز عملية وضع السياسات الاستراتيجية والخطط التنفيذية بمشاركة جميع القائمين على النظام الصحي من مختلف القطاعات والجهات من داخل القطاع الصحي الرسمي وخارجه، من أجل تحسين صحة المصريين باعتبارها حجر الزاوية في بناء الأمة، والقاعدة الأساسية في الجهود المبذولة لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية في مصر تبنى على العدالة و المساواة.