شرق البحر المتوسط، من المناطق المرشحة أكثر من غيرها فى الشرق الأوسط لأن تشهد حرباً إقليمية، قائمة بالفعل، لا ينفصل عنها ما يدور من سجالات عسكرية وسياسية شرقى السويس، فى العراق وإيران وامتداداتهما الخليجية، إذ يحتدم الصراع بين مختلف القوى الرئيسية داخل الإقليم، ومن خارجه، حيث تستبق إسرائيل الآخرين.. بأفضلية استقرار علاقاتها الثنائية مع أجندات القوى الدولية الكبرى المتورطة بشكل أو آخر بأزمات الإقليم، ولتصبح الدولة العبرية من ثم أقرب ما تكون إلى «مكوك الأزمات».. Trouble Shooter، كونها طرفاً فاعلاً ومتداخلاً لمعظم المشاكل على الصعيدين الإقليمى والدولى.
إلى ذلك، كلما تهيأ لليمين التوراتى المتشدد فى إسرائيل.. أن الأساليب الإجرائية لعجلة التسوية السياسية للصراع العربى- الإسرائيلى، جوهر نزاعات المنطقة، ألا تسفر عن الاستجابة لشروطه فى تحقيق السلام من موقع القوة (..)، إذ به يتمسك أكثر من ذى قبل لئلا تتراجع أغلبيته الانتخابية عن مركزها المتحقق، منذ نجاحه فى انتخابات مايو 1977 – لأول مرة منذ إنشاء الدولة- حتى 2019 إلا لماماً، وحيث يسارع بجانب العمل للحفاظ على أغلبيته فى الكنيست، التغطية على إخفاقات إدارية وعسكرية ومالية (يشوبها ملاحقات قضائية بفساد قياداته)، ذلك بتضخيم مشاعر الخوف والفزع والسيكوباتية لدى الرأى العام.. حول مستقبل إسرائيل من جانب محيطها العربى، وللقيام من ثم بافتعال معارك استباقية على النحو الجارى على الجبهتين الشمالية والشرقية، فى لبنان وسوريا والعراق، عشية أسابيع من الانتخابات النيابية سبتمبر 2019، بهدف أن يؤمّن الانتصار.. فوز اليمين الإسرائيلى، فى مواجهة المنافسين له على يساره، دونما اختلاف بينهما على هدف قتل العرب، لكن على وسيلة القتل.. رمياً بالرصاص أم موتاً بالسم.
وفى هذا السياق، بينما تنشغل إيران بالعقوبات الأميركية، وتتناوب تركيا كلٌ من واشنطن وموسكو، وفيما العالم العربى بلا مشروع سياسى يلملم أشتاته، فإن الفرصة تصبح سانحة لإسرائيل كى تصول وتجول بلا وازع إقليمى أو دولى فى أرجاء المنطقة، ذلك من خلال تصعيد مواقفها ضد أهداف مختارة سواء فى العراق أو سوريا ولبنان أو فى الضفة الغربية الفلسطينية.. من المرجح أن تتطور إلى دورة عنف إقليمية يتوقعها المراقبون السياسيون فى المنطقة، ذلك بدعم أميركى لإسرائيل أو غضها الطرف عن كسر قواعد الاشتباك مع كل من الحشد الشعبى العراقى أو «حزب الله» اللبنانى.. وجوارهما السورى، ناهيك عن استهدافها فصيلاً فلسطينياً شرق لبنان قرب الحدود السورية «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة»، ذلك فيما روسيا موزعة بين حلفائها العرب من ناحية وبين تطلعها إلى مكاسب سياسية قد تعود عليها من الاتجاه نحو التودد مع إسرائيل، وحيث تشارك الأخيرة الصين فى تعاون تقنى متقدم يثير حتى قلق واشنطن، أما الاتحاد الأوروبى فهو أقرب إلى وضعية رد فعل عن المبادرة بالفعل، ذلك فى الوقت الذى تبحث فيه المبادرة الأميركية «صفقة القرن»- المتعثرة- عن سبل تمريرها، سواء من خلال الضغوط الدبلوماسية التى لا تلقى تجاوب الرأى العام العربى.. ومن ثم إلى إحجام القيادات العربية عن القبول بها، أو سواء عن طريق الحروب بالوكالة، إيران وإسرائيل وجها لوجه فى الساحات العربية، بين طهران التى تتصدر تيار المقاومة.. وبين تل أبيب فى معية مبادرة الولايات المتحدة، الأمر الذى يجرى تجريبه على محورين.. أولهما عن تقارب أميركى- إيرانى محتمل لتحييد إير ان عن دورها (العربى) ومع روسيا، وثانيهما أن تشعل إسرائيل الفراغ الإقليمى القائم لحسابها.