إستراتيجية تحقيق وزارة الوعي المصري (6)

محمد بكري

9:22 ص, الأثنين, 19 ديسمبر 22

محمد بكري

محمد بكري

9:22 ص, الأثنين, 19 ديسمبر 22

استمرار طرح مفهوم «وزارة الوعى المصرى»، هدفه الأول طفو قضية الوعى على سطح مناقشات وفعاليات الشارع السياسى والثقافى المصري، بصورة تدرك خطورة التغييب والنحر والاهتراء الجارى بوعى المواطنين، بغض النظر عن الفئة العمرية أو الصفة المجتمعية أو النطاق الجغرافي، كفعاليات سلبية ومخدرات وعيوية مباشرة وغير مباشرة من خلال رسائل مسممة يبثها مسوخ الإعلام وأدعياء التعليم والدين والفن والثقافة، ولكن محصلتها النهائية مواطن سلبى التفكير والتفاعل والتصرف، يتحول لعائق حى للتطوير والتنمية والبناء.

الوعى خاصية إنسانية ترتبط بإدراك مجريات الأمور ذاتيا وفئويا ومجتمعيا، بدرجة تسمح بتفاعل حقيقى بين دور وموقع المواطن وبين ما يعيش فيه ووسطه. هذه الخاصية قابلة للإنعاش والتصحيح والتوجيه، بهدف تطوير وتوحيد فهم المواطنين تجاه قضايا معينة مصيرية، مثل التنمية، الناتج القومي، تطوير وتحسين الأداء، الهوية التاريخية، أمن المكان والإنسان، دور ووظيفة الحكومة فى رؤية المستقبل ومحاولة تحقيقه، العمل والدخل، الرقابة والانضباط، وظيفة الدين للإنسان والمجتمع، الحرية، الثقافة، دور مصر دوليا، وغيرها من قضايا حقيقية نعايشها ونتعامل معها بعقول النعام. الأهم والأخطر هو تطوير إدراك ووعى المواطن بأسباب ومصادر المشاكل ودوره ومسؤوليته كجزء منها وليس فقط محلا لها، بخلاف ذلك فاستقرار الوعى الراسخ بأن الحكومة هى «ماما» المتحملة والمسؤولة عن شغب وعقوق ومروق وتعاطف وإطعام وترفيه وأمن أولادها، سيجعل عناصر أى معادلة لبناء مصر الجديدة أو المواطن المصرى المنشود.. كرابع المستحيلات!

وزارة الوعى المصري؛ ليست حلما أو رفاهية فكرية ولكنها مطلب مجتمعى لوضع اليد على مواضع الخلل في؛ تعثر أداء موظفى الحكومة، مفهوم الموظف العام لتحسين دخله بالرشوة، استهتار التلاميذ وطلبة المدارس والجامعات بالتعليم والمعلمين، غفلة الفلاحين، ملل الطبقة المتوسطة، ضياع الطبقة الأدنى، تهرؤ الذوق الفني، فساد الرسالة الإعلامية، خلفيات الإحباط الاجتماعي، توظيف الدين خارج أغراضه الإلهية، تطور استغلال منصات التواصل الاجتماعى فى القيادة السلبية للمجتمع، فجوة تفاعل المواطنين مع برامج الحكومة، ربط التجار للربح بالاستغلال، وغيرها من مكامن الخلل المتغلغل مجتمعيا ونتيجته دانتيلا من ملل وإحباط ومناوآت وسلبيات تطرز تصرفاتنا وقراراتنا اليومية.

لا فصل بين الوعى والتوعية! ولكن التوعية بدون تصحيح الوعى أو تنقيته أو غربلته وعلاجه، فستكون كتوعية تسويقية لأدوية الاكتئاب الجديدة بدون علاج أسبابه! لذلك كان الوعى «بقضية الوعى المصرى» مطلبا حكوميا فى المقام الأول، تنتبه له الدولة كمشروع يخضع للضوابط والقياس والإدارة. والوعى المصرى كمشروع قومي، حتما له رؤية وإستراتيجية ورسالة وأهداف وآليات، بغير ذلك فسيتبلور فى كيانات أو مجالس نوعية تهتم بالمؤتمرات والكراسات الإستراتيجية وفعاليات فنادق الـ5 نجوم وصحافة وإعلام التبشير وتشغيل المطابع فى اللافتات والبروشورز والملصقات!

كذلك لا انفصال بين الوعى المصرى للمواطن وبين تحسين حالته الاقتصادية، من خلال أدوات وآليات وكيانات تستوعب قضية أن «البطن تقود العقل»! فلو توقعنا أن بطونا فارغة وجيوبا خاوية وشهادات مخزنة وأيادى عاطلة وعيونًا مشتتة وأذواق مخدرة وكفاءات مثلجة.. ستقدم لنا عقولا إيجابية وحلولا مصيرية وأفعالا تنفيذية، فسيكون وعينا مطلوبا تطويره! لا مجال للتحدى بتحكم مشاكل الفقر والتطرف والفساد والأمن والمؤامرات الخارجية وجنون الدولار إلخ، فكلها «إشكاليات ومشاكل» قابلة للحل، وإنعاش قضية الوعى المصرى أحد مفاتيح حلولها! فعبارة أن (الإنسان عدو ما يجهل) تلخص الإشكالية بحتمية تحزيم وبلورة صور عدائه فى تعيين ما يجهله، ولماذا يجهله وصور جهله؟

كيف يتفاعل المواطن مع خطط الدولة لمجابهة أزمة سد النهضة إذا لم يعِ حقيقة الجارى وتأثيره عليه شخصيا خلال 5 سنوات؟ أو مع أزمة إزالة تمثال بارتولدى بساحة السوربون لشامبليون واضعا حداءه فوق رأس تحتمس الثالث إذا لم يعِ خطورة وتأثير ذلك على كرامته وهويته وحضارته؟ أو مع الجمهورية الجديدة ومستقبل مصر إذا لم يعِ رؤية ومفهوم الدولة لها؟ أو مع حرب الأسعار ضمن تغيرات اقتصادية عالمية هو أحد تروسها بصفات مختلفة؟ قضية إنعاش الوعى المصرى متدرجة ومتشعبة بكل كيان حكومى يتعامل مع الشارع ويعتبر جزء منه، بخدماته ومنتجاته، ويتأثر باحتكاكه اليومى بها، كموظف وطالب وقاضٍ وطبيب ومريض وصانع ومحامٍ وصيدلى وتاجر ومستهلك ومزارع إلخ.

الحديث فى المطلق سهل، الصعوبة تنفيذه واقعيا! لذلك فرؤية الكيان الحكومى للوعى المصري، قد تتخذ صفة (وزير دولة للوعى المصري) لتصميم مشروع «الوعى المصرى» على مستوى وزارات وأجهزة الدولة نزولا لكيانات المجتمع المدنى وحتى رجل الشارع. أو تأسيس (الهيئة العامة للوعى المصري) بقانون الهيئات العامة لسنة 2003، كهيئة مستقلة تابعة للرئاسة، بهوية علمية مدنية وإدارة نظامية لضمان انضباط المدخلات والمخرجات والنتائج، فيها الخبرات العلمية والميدانية والبحثية هى معايير التعيين فقط، لتقوم الهيئة برصد وتحليل مكونات الوعى الحالي، وتصحيحه بتوجيه رسائل وعيوية تصل لرجل الشارع كل بموقعه، بمحاور صياغة رؤية مصر الوسطية للقرن 21، ومواصفات المصرى المطلوب لمصر الجديدة، والقيم والفكر والسلوك المتناسب مع ميراث ومستقبل المصرى بمصر العالمية، ومواصفات المنهج المستهدف لشكل ورسالة وأهداف الإعلام والتعليم والتدريب والتدين لتأصيل الشخصية الجديدة.

بحيث يتم إلزام (مشروع الوعى المصري) أو (الهيئة العامة للوعى المصري)، بوضع خطة زمنية خلال 12 شهرا، لتقديم دراسة وخطة ومنهج وسياسات وآليات إنماء المصرى الجديد، بداية من مواليد 2017 وتوصيات بتطور تدريجى لتحسين وعى المصرى الحالى من سن 13 لـ 45، وإطلاقها مبادرة قومية بمشاركة المواطنين وكيانات المجتمع المدني، لصندوق أفكار إنماء الإنسان المصرى وتخير الصالح منها للنسق النهائي، بحيث تكون منتجات المشروع أو الهيئة؛ إصدار معايير، مواصفات، سياسات لمصادر المعرفة والمعلومات المُشكلة لفكر ووعى المصرى الجديد تعليميا، وإعلاميا، وتدريبيا، وتربية دينية وثقافية ناضجة، اقتراحات لتعديلات التشريعات الجارية المتماسة مع البناء واقتراح تشريعات جديدة لتمتينه، الإشراف على تفعيل حضّانات تطويرية بالجمهورية للفئة العمرية المختارة لبداية البناء، وتصميم برامج تطويرية لخطوط فكر التعليم والإعلام والفن والمؤسسات الدينية بالتنسيق مع وزاراتها، لضمان وصول التطور التدريجى للفئة العمرية المعالجة، والأخطر دراسات رصد وتقييم وتطور وتقارير لأداء وزارات المحاور المختارة وتأثيراتها على الفئة العمرية المعالجة والجديدة.

وزارة الوعى المصري؛ ليست حلما أو رفاهية فكرية، ولكنها خلقٌ لقضية قومية تستنهض مصر من جديد.

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]