مصر التاريخية، فجر الضمير الإنسانى، ما سطا عليها باغ من داخل الإقليم (ترك- فرس- عبرانيون)، أو من خارجه (..) إلا وأذاقته- عاجلًا أو آجلًا- ويل الجزاء، ذلك حين قهر الجيش المصرى على سبيل المثال الجيش العثمانى فى قونية 1832 من بعد قرون على سابق غزوه الأراضى المصرية 1517، لكن لم يكد يمضي غير قرن إلا قليلًا على هذه المعركة المصرية الثأرية.. إلا وكانت الدولة العثمانية قد تفككت بالفعل فى العام 1924، لتصبح منذ ذلك التاريخ نهبًا لمختلف القوى الأجنبية، لا تزال، ومن جانب آخر، مثلما كانت الحال بين مصر وتركيا، حذت إسرائيل من بعد أن آوت مصر اليهود- رعاة رُحّلًا أو أرقّاء وموالي وأُجراء- سنين عددًا، نفس النهج العدوانى للترك، إذ شنت الحرب (مع دول غربية) على مصر منتصف الخمسينيات (حرب السويس) وفى 1967، قبل أن تثأر بسالة المقاتل المصرى لبلاده عبر انتصاره الجزئي 1973 على آلة الحرب الجهنمية لإسرائيل، فى المعيّة الأميركية- الغربية، لكن يمكن القول بالاستقراء المنطقي لحركة التاريخ أنه لن يمضي على معركة أكتوبر المؤثل غير قرن أو أقل إلا وسوف تتفكك الدولة العبرانية التوسعية، كما سبق أن تفككت الدولة العثمانية الغابرة من قبل، سواء كان ذلك التفكك الإسرائيلي بالانحسار المتوقع عنها للاستقواء بالخارج أو لتزايد موجات الهجرة المعاكسة عن إسرائيل- كعادة اليهود- عند نضوب موقعها كأرض اللبن والعسل، أو حال استعادة مصر الإمساك بزمام أمورها، أيّهم أقرب، أما إذا جاز- من جانب ثالث- الغوص فى أضابير التاريخ إلى وقت غزو الفرس لمصر 500 ق.م.. وفى استعانتهم بفرق من اليهود وقتئذ لمنع ثورات المصريين ضد (إيران)، قبل أن يقيّض لمصر 332 ق. م (ابن آمون) المتيمّن ببنوّته “الإسكندر الأكبر”، كى يحررها، وليزحف منها من بعد إلى بلاد فارس التى دانت له.. ويحرق مخطوطاتهم “الزرادشتية” الدينية، إلا أن ثأرات مصر التى تمت لها فى الزمان القديم والحديث ضد الجارات الإقليميات غير المصريات، لا يجب أن تلهيها كبطولات أهملها التاريخ أو غاب عنها الإعلام، من التحوط لدرء أخطار متجددة لمشروعات توسعية عن نفس الخصوم التاريخيين، إذ إن النصر- اليوم كما الأمس- ليس غير صبر ساعة.
إلى ذلك، وبرغم النوايا المضمرة بعيدة المدى للمشروعين التوسعيين لكل من إسرائيل (1917) وإيران (1979)، فإن حالة من السلام البارد تسود علاقة مصر بهما، لأسبابهم، الأمر الذى لا ينطبق على الحالة التركية التى ينتابها حالة من الصرع الشبقي منذ العام 2002، لإحياء حلم الخلافة الإسلامية من جديد، بقيادتها، ربما برعاية قوى كبرى، وبالتحالف مع “الإخوانية” السياسية كمطية للوصول إلى أهدافها، إلا أن وقوف مصر حجر عثرة فى طريق إفشال المخطط التركى منذ 2013 أطاش صواب النظام الحاكم فى أنقرة.. ليبلغ به جموح الهوى إلى التورط فى مغامرات سياسية وعسكرية فى مختلف أرجاء المنطقة والعالم، واضعًا مصر نصب عينيه “الجار العدو” فى صدارة خصومه التي إن لم تسقط فى حبال العثمانية الجديدة، من وجهة نظرها، فمن المحال نجاح وضعية مشروعها التوسعى كجسر براجماتى بين الشرق والغرب، وبحيث لم يعد أحد يدرى على وجه اليقين ما الذى تريده تركيا التى تحولت إلى دولة مثيرة للنزاعات، وفى تهديد الاستقرار عبر مناطق في الشرق الأوسط، ومن شرق البحر المتوسط إلى ليبيا غرب البحر، ومن السودان والصومال في البحر الأحمر إلى آسيا الوسطى وشرق أوروبا.. إلخ، ومع أن هناك حالة من سباق التنافس بين المشروعات التوسعية للجارات الإقليميات الثلاث غير المصريات، إلا أن هناك اتفاقًا ضمنيًّا ظرفيًّا ومؤقتًا فيما بينهم للخصم من الرصيد العربى فى مجمله، وللسطو على دور مصر التاريخى بصفة خاصة، فإذا عادوا عدنا.