هل يمكن للمرء أن يكون مدمنا للتكنولوجيا، مثل إدمانه على الخمر والميسر والمخدرات؟ أى أن يتعاطاها بشكل مبالغ فيه إلى أن يصبح غير قادر على الاستغناء عنها؛ فتتحول من أداة للمعرفة أو التسلية إلى أداة مدمرة وعادة مرضية؛ وحتى إن حاول المرء الابتعاد عنها لفترة يشعر بنفس أعراض الانسحاب التى يشعر بها مدمن الكحول أو المخدرات.
والإجابة هى نعم بكل تأكيد. فيصبح التليفون المحمول والكمبيوتر مثل المخدر؛ إذ ندرك أنه يعمل على تدمير خلايا العقل، ومع ذلك نتمسك بتعاطيه بدون تحفظ. فبنظرة واحدة إلى المواطنين فى الشارع أو فى المطاعم أو فى بيوتهم أو حتى فى صالات السينما والمسرح والأوبرا، سواء بمفردهم أو بمصاحبة العائلة أو الأصدقاء، سنجد شاشات تليفون مضيئة فى الظلام وكل فرد ينظر إلى شاشة تليفونه كل دقيقة ليتأكد من أنه لم يستقبل رسالة أو جاءته مكالمة لم يسمعها؛ وإن فرض عليه إغلاق تليفونه فى اجتماع أو فى أثناء حفلة من حفلات الأوبرا، فإنه يسارع بفتحه حال انتهاء الحفلة أو الاجتماع. وإن حدث أن نسى شخص تليفونه المحمول وخرج بدونه يشعر بالقلق الشديد والخوف، وكأنه فى الصحراء، فلن يستطيع الاتصال بأى شخص إن حدث ووقع له مكروه.
ومثل إدمان المخدرات، ينفصل المرء عن محيطه، ويعيش منعزلا داخل نفسه؛ إذ بدلا من التواصل مع أصدقائه أو عائلته التى تجلس معه، ينتقل المرء إلى عالم غير مرئى للآخرين، يتعامل معه ويتواصل مع أشخاص آخرين غير مرئيين، بعيدين عنه مئات، أو آلاف الأميال.
وهكذا يتحول المحمول من مجرد أداة لتسهيل عملية الاتصال، إلى أداة ربط المرء بالعالم من وما حوله، وتسهيل كل العمليات التى يريد القيام بها بدون مساعدة من الغير، فيقوم بأعمال من دفع فاتورة إلى الوصول إلى الأخبار إلى إرسال رسائل إلى البحث عن مواعيد مختلفة والتقاط صور، حتى أنه من الممكن التقاط صور لنفسه بدون مساعدة من آخرين، يطلقون عليها “سلفى”؛ كما يستخدم التليفون لحجز أماكن فى صالات السينما أو المسرح، والتعرف على الطريق إن فقد المرء طريقه؛ قتل الوقت فى حالة انتظار طويلة؛ باختصار يتحول التليفون المحمول إلى ما يقرب من “صديق” مخلص لا يتذمر قط، ولا يتخلى عنك قط، إلا عندما تنتهى حياته.
لقد أصبحت التكنولوجيا خطيرة على الصحة الخاصة والعامة، لذا توصل البعض إلى وسيلة لمواجهتها بإغلاق التليفون المحمول يوما فى الأسبوع، ووضعه بعيدا عن متناول اليد. فماذا حدث؟ أدرك الشخص أن يومه أصبح أكثر ثراءا، فقد أنجز كل ما كان يؤجله من مهام منزلية وخارجية، تواصل مع الطبيعة من حوله ومع أصدقائه المقربين وجها لوجه؛ وعندما فقد طريقه سأل الناس من حوله، فعقد صداقات عابرة ولكنها مؤثرة مع الآخرين وجها لوجه؛ وحتى تمكن من معاودة قراءة كتابه الذى لا يجد الوقت له. ومع نهاية اليوم شعر بشىء لم يشعر به من وقت طويل: شعر بالملل. فقرر معاودة التدريب على العزف أو الرسم. ومر الوقت بدون أن تتخلله أجراس الرسائل أو المكالمات من التليفون المحمول. وانتهى يوم تم فيه إنجاز الكثير والكثير، بدون تليفون محمول أو إنترنت. أى أن المرء عاش حياته الحقيقية وليست التخيلية.