هذه مقالة جديدة فى النسق المُحدث لمحاولاتى الفردية، لدعم إزالة نسخة 1875 لتمثال (شامبليون يدعس رأس رمسيس الثاني) للنحات بارتولدى بالسوربون بباريس! بتصعيد وجهة النظر المصرية للمستوى العالمى للأزمة المنسية أو المخفية! لعرض قضيتى وقضية مصر كقضية إنسانية عالمية، فى رمزية دعس حذاء إنسان لرأس أخيه الإنسان، بالمخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية. قمت بطرح الرؤية المحدثة بمقالى الأسبق (عالمية أذى شامبليون)، فى صورة فرضية تحتاج الإثبات! خاصة بعد تعليق ناقد أمريكى (هذه مسألة مصرية بحتة، ولو كانت ذات بُعد فني! فماذا يهم ناقد أمريكى بثقافته وخلفيته أن يعيب أو ينتقد دعس حذاء تمثال فرنسى لرأس فرعونى لإثبات الإساءة لمصر أو المصريين؟) – نظريا وواقعيا لا يوجد رابط! فلا مصلحة أو صفة لهؤلاء النقاد الأجانب لتغطية هذه المحاور، لتستخدمها مصر بشكواها / قضيتها ضد التمثال المسيء لإزالته!
من جهة أخرى، فمعلوم أن أى مطالبة بمحاكمة هذه النسخة أو طلب إزالتها، يلزمه دراسات وتقارير تتناول أثر التمثال المسيء على الثقافة والتراث والمجتمع، كذلك شهادات أو توثيقًا من خبراء التراث الثقافى والفنى، لدعم حجج الأثر السلبى للتمثال لدعم حق المطالبة بإزالته.
فى زيارتى الأخيرة لأمريكا خلال مارس 2024، أتيحت لى فرصة تجربة قلما تتكرر ظروفها وفكرتها لتطبيق رؤيتى المُحدثة، عندما أتاح لى ابن شقيقتى أدهم سعد زيارة “Woodbridge Islamic School”، التى يُدرس بها تاريخ إسلامى، لأجد فصلا ثانويا بشباب من 13 – 17 سنة من الجنسيات التالية: السنغال، غانا، المغرب، باكستان، بنجلاديش، أفغانستان، سيراليون، أمريكا لتبزغ فكرة برزنتيشن لقضية تمثال شامبليون ورمسيس الثانى من منظور إنساني! ورغم التحفظ الأولى باحتمالية عدم تفاعل الطلبة مع الموضوع لنفس أسباب تعليق الناقد الأمريكى السابق، أخذت الموضوع تحديا لطرح القضية بمفهوم الإنسانية من منظور إسلامى، وليس فقط النعرة أو المشاعر (المصرية)! وبالفعل قدمت عرضا حضره 14 فتى وفتاة أمريكان الجنسية ومختلفى الأصول – بعنوان (عرض تقديمى لعلاقة الفن والكرامة البشرية بنسخة 1875 لتمثال Champollion)، من منطلق تكريم الإسلام للبشر وكرامتهم بغض النظر عن الجنسية، أو المكان، أو الزمن، أو التصنيف، فقوة الإسلام فى الكرامة البشرية والمساواة، والأخوة، والحب، والمعرفة، وباعتبار الكرامة قيمة إنسانية عالمية، فهى تتجلى فى المواقف والرأى والقرار.
قمت بالشرح للطلبة، للأبعاد التاريخية والفنية الأساسية لنسخة 1875 لتمثال شامبليون، والعلاقة الموثقة بين النحات بارتولدى والخديوى إسماعيل، واختلاف نسخة التمثال الأصلية 1867 بمعرض باريس، عن نسخة 1875 بالسوربون، واستبدال رأس تمثال أبوالهول برأس (الإنسان) رمسيس الثانى فى النسخة الثانية، بعد الرفض الإسماعيلى لمقترح تمثال بارتولدى لنصبه بمدخل قناة السويس، (الذى تحول بعد ذلك لتمثال الحرية الأمريكي)، ونجحت بجذب انتباه الطلبة للجانب التاريخى (للحدوتة المصرية)، لأقدم السؤال الأول: هل خسارة الفنان للربح والشهرة، تمنحه الحق لاستخدام فنه ضد كرامة الإنسان؟ هل الشعور بالرفض يعطيه الحق للانتقام؟ هل يسمح الفن بالانتقام من كرامة الإنسان؟ هل يسمح الإسلام بتوظيف الفن أو أى وسيلة أخرى لمهاجمة الكرامة البشرية؟ وصمت الطلبة أمام السؤال لأنه مرتبط بالقضية المعروضة بمنظور مصري!
ولكنى إنسانيا؛ جهزت نماذج لصور الملوك والقادة بتاريخ وثقافات جنسيات الطلبة مثل؛ الملك باكا المغرب – كانيشكا حاكم باكستان – سنجور رئيس السنغال – جمال الدين الأفغانى العالم الأفغانى – تانكورا مانسا الأول ملك غانا، لتقديم رسالة عالمية أذى التمثال، ليأتى سؤالهم الثانى: ما هو شعوركم إن استبدلنا رأس الإنسان المدعوس تحت حذاء شامبليون (بغض النظر عن جنسيته)، برأس ملوككم أو حكمائكم المذكورين؟
ولم تستغرق الإجابة لحظات، لتنطلق مختلف اللغات واللهجات تستنكر وتعترض مجرد الفكرة بلا مناقشة! وتبدأ نبرات الامتعاض والرفض للتمثال ومعناه، وبعدما كانت رؤيتهم حيادية فى البداية لكون التمثال/القضية بمنظورها المصرى لا تمسهم، انهالت التعليقات على رفضهم لمعنى شامبليون البارتولدى الخبيث، والرسائل السلبية التى نقلها لهم شخصيا من دونية، وعنصرية، وتمييز، وهدر للكرامة الإنسانية عموما وليس فقط من منظور إسلامى.
كصاحب قضية مؤمن بها، أعددت استبيانا كتابيا لعدة أسئلة للطلبة، لأوثق به عالمية أذى التمثال أمام جنسيات مختلفة كالأتى (هل تفضل أن تكون المكتشف العظيم شامبليون أم الملك المُكتشف تحت حذائه ولماذا؟ ما الرسائل التى يرسلها لك التمثال فى علاقة شامبليون برمسيس الثاني؟ ما المشاعر التى يثيرها التمثال بكم؟ هل يمكنكم تخيل استبدال رأس الإنسان الملك برأس أحد من أجدادكم؟ من منظور الثقافة الغربية والإسلام، هل ترون كرامة وأخوة وحرية ومساواة فى هذا التمثال ولماذا؟ هل تقترح أى حلول أو توصيات لحل هذا الموقف؟)، وبالفعل تفاعل الطلبة وانطلقت الأجوبة، لتوثق أول مسمار بنعش تمثال شامبليون، وتثبت المسئولية الفنية التقصيرية للفنان التشكيلى أوجست بارتولدى، بتعمده الانحراف بفنه للحط من كرامة مصر والمصريين بدعس الجد الأعظم رمسيس الثاني!
ورغم تباين إجابة السؤال الأول للبعض الذى اختار يكون شامبليون برمزية القوة والاستعلاء والتميز (وهو الأثر السلبى لرسائل التمثال)، إلا أن الجميع رفضوا إهانة أجدادهم تحت حذائه وطالبوا بإزالة التمثال.
نجحت هذه المحاضرة بترقية قضية مصر ضد تمثال شامبليون، من الغضب المصرى المجرد، لتوثيق رفض شباب 8 دول للرسائل السلبية التى يبثها التمثال الخبيث، ليكون آخر سؤالهم لى عند مغادرتى (كيف تصمت مصر والمصريين عن هذا الموقف الغريب المهين؟).
هذا المقال رسالة شكر واحترام لكل الطلبة الذين تفاعلوا مع قضية مصر ضد تمثال شامبليون 1875 وهم كل من Aisha Sabir،Allae Chokhmane، Fayyad Allhassan، Gibril Sesay ،Izan Imtiaz، Mahiba Hassan، Manhall Adam، Memunatu Sesay ، Nabil Hassan ،Shaqur Yussif ،Sophia Moumou ،Zan Jilani ،Anwar Allhassan – وقبلهم السيدة. مباركة فاروق مديرة المدرسة التى فهمت وقدرت رسالة المحاضرة ودعمتها.
لتكون أوراق استبيان الطلبة (الموقعة منهم)، أول دليل كتابى على الآثار السلبية للتمثال على ثقافات وجنسيات مختلفة، ولو فى أمريكا بلد الحرية! لانطلق من هذه التجربة لمحاولة نقلها لمصر والمصريين، لبناء أرضية قانونية، اجتماعية، تاريخية جادة تسمح بالتقدم بشكوى قانونية حقيقية لفرنسا طبقا للقانون الفرنسى واليونسكو والأمم المتحدة، لحل هذا الإرث المهين! والله المستعان.
- محامى وكاتب مصرى
[email protected]