إبراهيم عبد الشهيد يكتب: أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون (4- 6 )

القرارات التي اتخذها المسئولون كانت بمثابة السهم الذي أُطلق علي قلب هذا الكيان العظيم، ليتوقف نبضه بعد سنوات من نزيف متواصل لدماء ذكية ، ما كان لها أن تُراق لو كانت هناك بصيرة

إبراهيم عبد الشهيد يكتب: أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون (4- 6 )
ماهر أبو الفضل

ماهر أبو الفضل

10:07 ص, الأربعاء, 26 أغسطس 20

إستعرضنا في الحلقات الثلاث السابقة، من المقال المعنون بـ” أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون”، القرارات التي اتخذها المسئولون بكل جناح من جناحي الشركة- أقصد أريج- وكانت بمثابة السهم الذي أُطلق علي قلب هذا الكيان العظيم، ليتوقف نبضه بعد سنوات من نزيف متواصل لدماء ذكية ، ما كان لها أن تُراق لو كانت هناك بصيرة ، أو حتي لو تم التعامل مع مشاكلها بمشرط جراح مهموم بمريضه ، دون إيهامه بالعلاج من خلال مسكنات منزوعة الفاعلية.

علي كلِ، تناولنا بعض القرارات، ومنها ما له علاقة بالاستثمار في المباشر، ثم عرجنا علي النوع الثاني المرتبط بقطاع ، والذي أكدنا خلاله أن قطاع الاستثمار لم يكن المسئول وحده عما ألم بأريج من كوارث، وأن قطاع إعادة التأمين ساهم في تركيع الشركة.

وقلنا سلفًا أن قطاع إعادة أدي إلي استنزاف ما تبقي من استثمارات أريج و، بل ورأسمالها نتيجة التوجهات التوسعية التي لم تفلح الشركة في إستيعابها وهضمها، وعرضنا بعض تلك القرارات ومنها تأسيس شركة تابعة في لندن، ثم تأسيس كيان أخر في إعادة التأمين التكافلي، تلاها تقليص محفظة إعادة التأمين الاختياري .

في الحلقة الحالية – كما نوهنا في الحلقة الماضية- سنُكمل باقي القرارات السلبية، المرتبطة بإعادة التأمين والتي أدت إلي ما أدت إليه من نهاية لا يُسر لها ذو ضمير يقظ .

4- الانتشار الجغرافي :-

حرصت أريج كموضة تلك الأيام ، على الإنتشار الجغرافي ، وتوسعت فيه بشكل مبالغ فيه، فبالإضافة الى تحويل مكتب التمثيل في لندن الى شركة معاونة ، قامت بالأتي :

أ- أسست فرع في تونس ليخدم شمال أفريقيا باستثناء مصر.

ب – فرع في كل من سنغافورة، وهونج كونج، وموريشيوس.

وفي رأيي أن التوسع في عملية الإنتشار الجغرافي ، كانت له تأثيرات عكسية من خلال نقطتين ، أولاهما ، أنه جاء على حساب الموارد المالية للشركة، ولم يكن له المردود المرجو منه في نهاية المطاف ، وثانيتهما ، أنه أدى الى عدم استغلال الموارد الاقتصادية بالشركة على الوجه الأمثل ، وكان هناك ترهل وعمالة زائدة، ليس بالضرورة في مكان بعينه ولكن على مستوى الهيكل التنظيمي للمجموعة.

5 – مجمعة أخطار الطاقة:-

من المواقف التي أتذكرها جيدًا ، أعتقد في 1996 ، قرر، تأسيس مجمعة لأخطار الطاقة ، على غرار المجمعات الأخرى، وقام الأستاذ/ عزت عبدالباري،الأمين العام للإتحاد حينذاك، بزيارة البحرين باحثًا عن مدير للمجمعة ، وكان يرغب ويدعم بشدة ، أن تتولى أريج إدارتها لما تتمتع به من سمعة وكفاءات فنية.

إقترح فريق العمل المسئول حينها، قبول أريج ذلك العرض بإدارة المجمعة ، لأنها ستكون ذات أهمية، وستمنح أريج ذراع تسويقية قوية، وتضعها في الوضع الذي تستحقه في تلك الأسواق، لكن المسئول عن هذا الملف لم يوافق على المقترح، وقامت شركة ترست بتلقي تلك الهدية بمنتهى السعادة، وما زالت تتولى حتي الآن إدارة المجمعة، وأرى أنها استفادت كثيرًا على المستوى التسويقي بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وكان لدى المسئولون بها بُعد نظر افتقدته أريج.

6 – منح تغطية إعادة تأمين للضمانة الممتدة :-

لتعويض التقلص في حجم محفظة الأعمال الاختيارية ، بدأت أريج التفكير في إكتتاب بعض الأخطار الغريبة ، ومنها لعب دور معيد التأمين الرائد لتغطية الضمانة الممتدة للسيارات بالخليج، بالرغم من أن قيادة أريج لتلك التغطية Gulf Extended Warranty بدأت منذ وقت بعيد – منذ نهاية القرن الماضي- ودون التطرق لنتائجها الفنية إلا أنني أعتقد ان الممارسة قد اختلفت وظهر من السلبيات بل الغش والتدليس ما سرع بتفجير الوضع في أريج ومازال هذا الملف مفتوحا على ما أعتقد.

7 – غياب الحضور اللافت للمجموعة في المؤتمرات والمناسبات الكبرى:-

في العقد الأول من عُمر أريج ، كان حضورها التسويقي طاغيًا وكانت جميع عناصرها متميزة وتمثل المجموعة خير تمثيل.

في العقد الأخير تخلت أريج تمامًا عن دورها القيادي بالمنطقة ، وبات حضورها سواء التسويقي أو في المؤتمرات باهتًا ، في الوقت الذي كانت تحاول فيه شركات أخرى سحب السجادة من تحت أقدام أريج، والحقيقة أن أريج قد تركتها لهم تمامًا ودون أي مقاومة.

لقد كانت السياسة التسويقية ، وحُسن التمثيل والتواصل الفعال مع الأسواق المختلفة ، من أهم المزايا التي تخلت عنها أريج في العقد الأخير وكأنها قررت التقوقع والإبتعاد عن الصورة.
أريج كانت دائمًا متواجدة، وحاضرة، ولكن حضورها لم يكن الحضور الطاغي المُشِع ، الذي كان يغطي تقريبا على أي حضور آخر لباقي شركات المنطقة العربية.

8- ضعف الإدارة :-

حدث ما حدث ، وإستوعبت أريج الدروس المستفادة من تجربة الاستثمار المباشر، وعادت الأمور لطبيعتها ، بعد أن ترك الشركة ، من تم تعديل الهيكل التنظيمي لأجل عيونهم ، ولكن ما حدث بعد ذلك كان أيضا سيئ،

دون ذكر أسماء ، تغير نهج الإدارة العليا بالشركة منذ بداية فترة إدارة فاروق الخواجة – رحمة الله عليه- ، ويجب هنا التأكيد أن فاروق الخواجة ، من أعظم الفنيين الذين عملت معهم، وكان يستطيع بإضافة نقطة أو فصلة أو كلمة قلب معنى أعظم فاكس ويعطي معنى مختلف تماما.

ولكن قبل هذه الحقبة كان هناك نبرة تفاؤلية وتوسعية ودفع ودعم لفريق العمل، ومع بداية هذا التغيير ربما في العام 1996 بدأت يد الإدارة ترتعش والتف حول المدير العام آنذاك مجموعة من العاملين من جنسية محددة وكبلوه بنظم وسياسات كانت مغايرة تماما للنهج السابق وأصبح المدير العام مغرما ليس بالتوسع أو تحسين المحفظة، بل بوضع القيود وتعديل النظم لكي يكثر الجانب الرقابي بها وأصبح الاسم الدارج للشركة هو المجموعة ……. للتأمين بدلا من المجموعة العربية للتأمين.

إجتماعات ليس بغرض تحسين الإكتتاب

وفي هذا المجال أتذكر العديد من الاجتماعات التي كنا نعقدها ليس من أجل تحسين الاكتتاب أو دراسة السياسة التسويقية بل من اجل تعديل جزئية بسيطة بالنظام أو دراسة تأثيرات العام 2000 “Y2K ” وكان يٌنظر لصاحب الاقتراح بإجلال وتقدير واحترام من الإدارة علما بأنه لم يضف سوى المزيد من القيود على نظم العمل التي كانت ناجحة جدا أو على الدورة المستندية أو نظم الحاسب الآلي، استمر هذا النهج مع معظم الإدارات التي تلت المرحوم فاروق الخواجة وتعاظم أمرها وبشدة منذ 1999.

وحتى عندما اشتعلت الأزمة الأخيرة ( 2018/2019 ) كانت ردود أفعال الإدارة في غاية السوء، فلم يكن هناك تواصل بشكل مهني محترف مع عملاء الشركة في محاولة لتوضيح الصورة وتركت أريج عملاءها يضربون اخماسا في أسداس عما يجري هناك وكان الكل يتساءل ماذا يجري.

ربما تكون الإدارة التنفيذية للشركة قد انشغلت بصراعها مع المجلس، أو صراعها وسط أمواج متلاطمة ، تحيط بالكيان ولم تنتبه أن هناك آخرين منتظرين خبر يثلج صدورهم عن أهم مشروع عربي في مجال التامين في الخمسين سنة الأخيرة.

أ- الإغراق في المحلية.

مع كل خطوة الى الخلف في النتائج أو حجم الأعمال نتيجة القرارات والأوضاع التي فرضت نفسها على الشركة كانت العمالة المتميزة تترك أريج، وتزداد المجموعة انغلاقا وتغرق في المحلية ويسيطر على الاكتتاب بها مكتتبين ذو خلفية متحفظة جدا، من تلك الفئة التي التفت كالعنكبوت حول الإدارة العليا وشغلتهم بإحكام الروتين والبيروقراطية بدلا من طرح رؤى إصلاحية.

ب- عدم الحفاظ على العناصر المتميزة.

بالإضافة الى الإغراق في المحلية فإن أريج لم تحافظ على بعض العناصر التي ما كان يجب أن تتخلى عنها، وحتى عندما تخلت عن تلك العناصر لم يكن هناك البديل المناسب، وفي الوقت ذاته تواجدت عناصر ما كان لها أن تلتحق بأريج من الأساس.

ربما لو كان هذا صحيحا – ويؤكده النمو المستمر لعدد العاملين البحرينيين بالشركة- يكون أحد أسباب تفريغ الشركة من العناصر المتميزة، وربما لا يتعدى عدد الجنسيات العاملة بالشركة الآن لعدد أصابع اليد الواحدة بعد أن كانت 25 جنسية مختلفة.

دلالات التفريط في مساعف بعد إحالته للتقاعد

كان عدم الاستعانة مثلا بخدمات السيد / محمد مساعف بعد إحالته للتقاعد مثال صارخ على التفريط وبسهولة في عناصر تعلم إدارة أريج تماما أنها في أمس الحاجة إليها، وأستطيع الجزم بأمرين:–

الأول، أن السيد محمد مساعف ، يُعد أفضل مكتتب إتفاقيات إعادة عربيًا وإقليميًا ومن أفضل العناصر التي تواجدت في أريج.

الثاني، أن ما حدث من غِش وتدليس في تغطية الضمانة الممتدة للسيارات Gulf Extended Warranty ، ما كان ليحدث إطلاقًا حال تواجد محمد مساعف، نظرًا لدقته وطهارة يده، وحرصه على دراسة كافة التفاصيل والدخول في أعماق كل ملف يُعرَض عليه.

في الحلقة المقبلة- بإذن الله- سنتطرق إلي القرارات الأخري- التي يمكن إعتبارها مشتركة بين الاستثمار وإعادة – والتي عجلت بموت كيان كان مقررًا له في بداية تأسيسه أن يكون خالدًا كالأهرامات التي نتباهي بها في مصرنا الحبيبة منذ قرون وحتي الأن .

الله من وراء القصد

إلي لقاء

للإطلاع علي الحلقة الأولي إضغط
للإطلاع علي الحلقة الثانية إضغط
للإطلاع علي الحلقة الثالثة إضغط

المدير الأول للعمليات الاختيارية في منطقة الشرق الأوسط بأريج سابقًا

رئيس مجلس إدارة مجموعة “تراست” لوساطة إعادة التأمين والاستشارات