عزيزي القارئ، في الحلقتين السابقتين، من مقالي الذي عنونته بـ” أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون”، إستعرضت مقدمة عن أريج و القرارات التي اتخذها المسئولون بكل جناح من جناحي الشركة وكان لها دور كبير في القتل المؤسس البطيء لأحد أعظم الكيانات التأمينية في المنطقة، مسهبًا في أولي تلك القرارات المرتبطة بالاستثمار في التأمين المباشر.
سنعرج خلال الحلقة الحالية- وهي الثالثة – علي النوع الثاني من القرارات، المرتبطة بقطاع إعادة ، ونظرًا لأهمية وخصوصية هذا النشاط، سنقسمه علي حلقتين، التالية واللاحقة بإذن الله.
قطاع إعادة التأمين
لم يكن قطاع الاستثمار وحده المسئول عما ألم بأريج من كوارث، بل ساهم أيضا قطاع في تركيع الشركة ، واستنزاف ما تبقى من استثماراتها ، وراسمالها نتيجة توجهات توسعية لم تستطع الشركة أن تستوعبها ، أو تهضمها، ومن أسوأ تلك القرارات:-
1 – تأسيس شركة تابعة في لندن
أريج كان اسمها منذ نشأتها ملء السمع والبصر ، وكان رزقها يأتيها رغدًا من كل مكان، ولم تكن في حاجة الى التواجد في لندن ، للحصول على الأعمال التي تريدها ، وكان تواجدها التسويقي في لندن وفي جميع المناطق ، كثيفًا وملحوظًا، ومن هنا فمن القرارات التي أسست لانحدار منحنى الأداء بالشركة ، كان تحويل مكتب التمثيل بلندن الى شركة تابعة، وكان لذلك القرار آثار سلبية من عدة نواح، من بينها:-
أ- تم نقل جميع المكتتبين الرئيسيين من الشركة الأم الى الشركة التابعة، مما أعطى انطباع سيئ عن الشركة الأم.
ب- نتيجة لذلك سحب جُل الأعمال ، الإختيارية بالذات ، من محفظة أعمال الشركة الأم.
ج – لم تكن الأمور واضحة تمامًا لوسطاء إعادة ، أو للعملاء ، عن طبيعة العلاقة بين الشركة الأم والشركة التابعة، وبالرغم من تأكيدنا أن كل شركة لها طاقة إستيعابية منفصلة ، وأن الشركتان يمكنهما المشاركة في نفس الخطر ، إلا أن الشركة الأم تأثرت سلبًا وتقلصت محفظة أعمالها.
د- أخذت الأمور منحي غريب، وبدت المنافسة على الأعمال بين الشركتين، وكانت أقبح أوجه المنافسة ، قيام الشركة الأم بعمل حفلات كوكتيل في لندن لوسطاء إعادة التأمين ، دون تنسيق مع الشركة المعاونة في لندن ، وأعتقد – أتمني ألا أكون مخطئا – لم يكن يُدع إليها فريق عمل أريج لندن.
هـ – الخطأ الأكبر ، كان في إختيار مدير عام للشركة في لندن ، لم يكن أحدًا في الشركة الأم ، راضيًا عن أداؤه، مما دعي الى تغييره ، ولكن بعد أن زرع جذور السقوط في الشركة الوليدة.
رسالة العنيزي للبداح
في هذه النقطة بالذات جاءت رسالة فخري العنيزي، مدير عام ميد ري ، وعضو مجلس إدارة أريج ، إلي علي البداح ، الرئيس التنفيذي لأريج في أزهى عصورها – من الرعيل الأول- نصها” موضوع الأريج موضوع محير، وللأسف ليس لدي أي معلومات عن كيف حدث هذا التدهور، فوجئت منذ سنتين أو أكثر بخروج ياسر من المشهد ، بطريقة مُذلة ودون أن أعلم الأسباب ، على أية حال ، إجتهادي يعود بي الى فترة نور الدين ، حين زارني في لندن يطلب مني بعض الآراء في أمور أريج العامة فاجتهدت بقدر ما أستطيع.
ثم زارني مرة أخرى في معية لؤي – يقصد لؤي النقيب- وتبادلنا أطراف الحديث وورد في الحديث ، بطريقة عفوية الكلام عن التوسع في السوق البريطانية ، فما كان مني إلا أن شددت على أن هذه الخطوة لا يجب التسرع فيها ، وإنما على الأريج أن تركز على السوق العربي بالدرجة الأولى والأسواق النامية بالدرجة الثانية، وبعد ذلك يمكن التفكير في غير ذلك.
دخول سهل وقاتل للسوق البريطاني
دخول السوق البريطاني سهل ، ولكن قد يكون قاتلا ، وضربت لهم أمثال بشركات كثيرة منها ، البرازيلية ، والإيطالية ، والدنماركية ، والايرلندية ، والسويدية ، وغيرها، دخلت ولكنها لم تقاوم من خمس الى سبع سنوات وإنتهت – الميد ري ضربت رقما قياسيا في المقاومة أكثر من ثلاثين سنة – ولكن النتيجة واحدة ، مع الأسف، استمعوا اليّ ولكني شعرت بأن كلامي لم يعجبهم ، وأنني متأثر بتجربة الميد ري ، وهم سيكونون أذكى مني قدرة في الإدارة.
فوجئت بعد فترة بقيام أريج بإنشاء شركة Arig UK ، قلت لنفسي لعلي مخطئ وهم على صواب ، ولكن بعد فترة قصيرة من العمل لاحظت تضارب وتنافس بين الشركة الأم والشركة الفرع ، وأصبحت أضحوكة في السوق ، حيث كان يتقابل موفدي الشركتين في مكاتب الشركات المسندة ، يتنافسون على نفس الأعمال ، عندها تيقنت أنهم وقعوا في المحظور، وفعلا لم يمر خمس سنوات حتى توقفت عن الاكتتاب ، ولا أدري إذا ما نجحوا في التصفية بالكامل أم ما زالت العملية مستمرة”.
2 – تأسيس شركة في إعادة التأمين التكافلي
كأن أريج لم تستوعب درس تأسيس شركة تابعة في لندن فكررت، نفس الخطأ وربما بنفس السيناريو والأخطاء ، وأسست شركة لإعادة التأمين التكافلي في دبي، تلك الشركة: –
أ- كانت الشركة الأم ، متعطشة تمامًا لأية بوادر أرباح تبدو في أفق الشركة التابعة ، لكي تزيد غلة أعضاء مجلس الإدارة من المكافآت والبدلات.
ب- وكما حدث مع أريج لندن، لم تحسن الشركة الأم، ومن خلال مجلس إدارتها، متابعة أعمال الشركة بالشكل السليم، والتوجيه، واتخاذ القرارات في التوقيت المناسب من أجل قيادة الشركة الى بر الأمان.
وكانت النتيجة الحتمية لذلك ، أن الشركة تم تصفيتها ، وإستمر مسلسل إستنزاف موارد أريج المالية، التي باتت كما يقال ” على العَظم”، نتيجة ضخها في استثمارات لا طائل من ورائها.
3 – تقليص محفظة إعادة التأمين الاختياري بالشركة
كان يغلب على محفظة إعادة بالشركة ، في تسعينات القرن الماضي الجانب الإختياري ، حيث كانت الشركة تكتتب محفظة كبيرة في تأمينات الطيران – ربما تمثل ثلث محفظة الشركة- وكذا تأمينات الطاقة والتأمينات الهندسية وتأمينات الممتلكات والتأمينات البحرية.
كان يوجد بالشركة مكتتبون على أعلى مستوى من المهنية، ولهم أسماء عالمية أعطت لأريج فرصة لأن يكون لديها محفظة متوازنة، كما أضافت أيضا الى ربحية الشركة وأعطتها فرصة من واقع تدفقاتها النقدية المرتفعة لأن تحسن من العائد على الاستثمارات، ولكن ومع : –
نقل المكتتبون الأكفاء للشركة المعاونة بلندن
أ- نقل معظم المكتتبين الأكفاء ، إلى الشركة المعاونة بلندن ، ما أحدث شبه المنافسة بين الشركتين ، وأعتبر المكتتبون ، أن محفظة الشركة بالبحرين هي محفظتهم ، التي يجب نقلها لهم، ولم يخطر على بال الإدارة حينها إصدار تعليمات بعدم نقل أي أعمال من الشركة الأم الى الشركة التابعة بالرغم من مناقشة ذلك داخليا!! ومن ثم بدأت كفة تلك الأعمال وخاصة تأمينات الطاقة والهندسي والبحري تميل الى الشركة التابعة في لندن وتقلصت تدريجيا محفظة إعادة التأمين الاختياري.
ب- تم اتخاذ قرارًا متسرعًا بالتوقف عن الإكتتاب في فرع الطيران من البحرين، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، عقب ذلك القرار ، وكما توقع الجميع ، زادت أقساط تأمين الطيران 3 أضعاف عما كانت علية قبل ذلك التاريخ، تلك الزيادة كانت كفيلة بتعويض خسائر أريج لسنوات ، ولكن للأسف الشديد تم اتخاذ القرار بشكل عشوائي كلف الشركة الكثير.
ومرة أخرى وكما خرجت أريج من التأمين المباشر في التوقيت الخاطئ ، انسحبت من سوق إعادة تأمين الطيران في التوقيت الخاطئ جدًا، وكان المستفيدون الوحيدون من ذلك ، هم المنافسون الذين تمكنوا من تعويض كل خسائرهم وتحقيق ربح في ضربة واحدة.
ج – ولتزداد “الطينة بلة” فقد تبنى مكتتبو إعادة تأمين الممتلكات سياسة إكتتابية متحفظة جدا، مما أبقى على تلك المحفظة صغيرة الحجم هشة النتائج.
شخصيا كتبت تقريرًا في 1997 ، للمدير العام في ذلك الوقت ، كان مضمونه، أن جميع اكتتابات الشركة في الأعمال الإختيارية من يناير الى نهاية مايو 1997 ، في حدود إحتفاظ الشركة ، وأن الشركة لم تستثمر ولا في خطر واحد ، ترتيبات إعادة التأمين ، التي دفعت فيها الشركة أقساط مرتفعة لحماية تلك المحفظة.
السبب الوحيد وجود مكتتبون يكتتبون حصة صغيرة لدعم عملائنا Accommodating/ Watching line)) وتكون النتيجة أن الشركة تكتتب جميع الأخطار التي لا يجب أن تكتتبها وتحتفظ بها فتكون الخسارة مضاعفة.
تقلص فريق إعادة التأمين وسوء الخدمة
في نهاية المطاف أعتقد أن فريق إعادة الاختياري بالشركة وصل في عام 2018 الى فردين أو ثلاثة على أقصى تقدير، ما أدى ال سوء الخدمة ومن ثم المزيد من التقوقع والتهميش لدور أريج ، ومن ثم باتت اريج تعتمد وبشكل رئيسي على محفظة إتفاقيات إعادة التأمين وهي محفظة معلوم أنها:-
1 – متذبذبة النتائج وأنها حال تحقيق ربح فلن يتجاوز هذا الربح 5-7.5% من الأقساط المكتتبة.
2 – تلك الربحية أن تواجدت وباستمرار غير كفيلة بإقامة كيان بحجم إريج وتغطية مصاريفه الإدارية والعمومية المرتفعة أصلا كما سنتناول لاحقا.
3 – كما أن التدفق النقدي لتلك النوعية من الأعمال ضئيل جدا بعد خصم التعويضات وعمولات إعادة التأمين ومخصصات الأخطار السارية واحتياطي التعويضات تحت التسوية.
4 – ناهيك عن التأخير في تحويل تلك الأرصدة الضئيلة الى الشركة، مالم يكن هناك تفق نقدي بالسلب.
5 – حتى نوعية وحجم الإعمال الاتفاقية تأثر لأن الشركات بالمنطقة ترغب في أن تتلقى دعم من معيد التأمين في جميع الفروع التأمينية وسواء كانت أعمال اختيارية أو اتفاقية، ومن ثم فإن أريج في أحيان كثيرة فقدت جزء من نصيبها في الاتفاقيات وربما اضطرت للتعايش مع بعض الأعمال الأقل ربحية لظروف التدفق النقدي لأن الشركات بدأت تضن عليها لأنها لا تدعم عملائها على كافة الأصعدة.
في الحلقة المقبلة- بإذن الله- سنعرج مجددًا علي إعادة التأمين وتأثير القرارات الخاطئة فيه والتي كتبت جميعها السطر الأخير في حياة أعظم الكيانات التأمينية علي مستوي المنطقة.