كتبت الجمعية العمومية الغير عادية التي عُقِدت يوم 13 أغسطس 2020 ، السطر الأخير في حياة واحدة من أعظم المؤسسات التأمينية في الوطن العربي، أريج .
وبين كتابة السطر الأخير ، ووضع اللبنة الأولى في قبر تلك المؤسسة ، كان هناك ما يقرب من 25 عامًا ، أُتُخٍذَت فيها العديد من القرارات الاستراتيجية ، التي أدت الى ذلك المصير المحتوم.
سوف أحاول في سلسلة المقالات المعنونة بـ ” أريج للتأمين و الموت المؤسسي البطئ كما يجب أن يكون” ، إلقاء الضوء على أهم تلك القرارات الاستراتيجية ، التي رُسمت على نار هادئة -من وجهة نظرنا- الطريق الى هذا المصير.
بداية تأسيس المجموعة العربية للتأمين “أريج”
بدءًا ، تأسست المجموعة العربية للتأمين – أريج كما سنشير إليها في هذا التقرير- في البحرين ، عام 1980، برأسمال إمارتي، كويتي ليبي مشترك، وبلغ رأس المال المدفوع حينذاك 150 مليون دولار ، موزع بالتساوي بين الدول الثلاث.
حرص القائمون على تأسيس أريج ، وعلى رأسهم الأستاذ والصديق / خليل إبراهيم الشامي ، على توفير كل سبل النجاح للشركة، واستعانوا بخبرات فنية ومالية عالمية ، لوضع الأسس الفنية والإدارية ، التي تكفل نجاح تلك المؤسسة ، وتعزيز قدرتها على التنافس مع أعتى شركات إعادة في العالم.
الشامي يستعين بالخبرات المصرية لدعم البني التحتية لأريج
وقد إستعان ، خليل الشامي ، كونه أحد خريجي قسم بجامعة القاهرة، ببعض الخبرات المصرية ومنها استاذي الفاضل المرحوم/ عصام الدين عمر، وكذا المرحوم/ مصطفى الشامي من شركتنا – المرحومة بإذن الله – المصرية لإعادة التأمين ، ضمن كوكبة من فريق استشاري كبير لدعم البنى التحتية للكيان الجديد.
سمعت إشادات كثيرة من جميع العاملين بالشركة ، بالرواد الأوائل بالشركة ، وخاصة الأستاذ/ خليل الشامي ، رئيس مجلس الإدارة الأول ، وكذا الأستاذ/ علي البداح.
الحقيقة أن الشركة كانت مزودة بكافة البنى التحتية ، التي تفوق كثيرًا ما رأيناه في أعتى شركات الإعادة، كما أن تلك البنى التحتية كانت خاضعة للمراجعة والتدقيق والتطوير ، باستمرار لكي تواكب التطورات الجارية إقليميا وعالميا.
أهداف أريج
من أهم أهداف أريج ، بالإضافة الى دورها الرئيسي في مجال الإعداد لسد فراغ رهيب بالمنطقة العربية ، كان سد فراغ آخر في الكوادر الفنية والإدارية المتميزة ، كانت وما زالت تعاني منه المنطقة العربية ، وذلك من خلال برامج تدريب ومعايشة للخريجين الجدد ، وقد تخرج العديد منهم في كافة وظائف الشركة ، وشغلوا مناصب هامة ، وكان من بينهم السيد/ ياسر البحارنه آخر مدير تنفيذي لأريج، كما شغلوا مناصب هامة وأداروا العديد من الشركات ، في العديد من الأقطار العربية ،كالبحرين والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وليبيا ومصر.
من هنا استطاعت أريج ، ومن خلال توظيف فريق عمل متميز جدًا ، من معظم بلدان العالم – تجاوز عدد الجنسيات في أحيان كثيرة 25 جنسية مختلفة- وكذا نظم وسياسات العمل المتميزة ، أن تقفز قفزات عملاقة في العقد الأول من تأسيسها ، وأن تحتل مكانة متميزة في مجال إعادة ، ونالت ثقة جميع المؤسسات والشركات العربية والإقليمية والعالمية.
في شهر مارس ، 1989 سافرت الى البحرين ، لإجراء أهم مقابلة في حياتي، وكان اللقاء الحاسم بالنسبة لفرصة التوظيف مع الأستاذ المرحوم / فاروق الخواجة مساعد المدير العام للشئون الفنية.
الرد علي السؤال بسؤال أخر
يومها سألني الرجل لماذا تريد الالتحاق بأريج؟، أجبت علي سؤاله بسؤالِ آخر، ومن لا يود الإلتحاق بأفضل معيد تأمين في المنطقة العربية والأفريقية؟؟!! ذلك لم يكن سوى رد تلقائي يعكس انطباع معظم العاملين في مجال التأمين في العالم العربي والإقليمي.
إلتحقت فعليًا بأريج في السابع والعشرين من شهر مايو 1989 ، وإستمرت رحلتي في أريج حتى الثالث والعشرين من شهر أغسطس 2004 ، عندما تقدمت باستقالتي لقيادة شركة الدلتا للتأمين،
وخلال فترة عملي بأريج ، ظل منحنى اداء الشركة في تصاعد مستمر ، حتى وصل القمة تقريبًا ، في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، وهي الفترة التي بدأت إدارة أريج ، تتخذ العديد من القرارات الاستراتيجية التي قادت أريج الى قدرها الذي نتباكى عليه الآن.
ماذا حدث عند هذه النقطة؟
كنقطة بداية ، وقبل الولوج للإجابة على التساؤل ، ويجب التأكيد ، أن أريج هي أفضل رب عمل التحقت به في مشواري المهني ، والذي شمل العديد من الشركات في مختلف الوظائف، كانت مسلحة بالسياسات ، ونظم العمل التي وضعتها إداراتها الأولى ، والتي كانت جميعها ، أو قل معظمها ، هي أدوات العمل التي تسلحت بها، مثل جميع من تشرفوا بالانتساب لتلك المؤسسة.
و عندما جاءتني الفرصة لإدارة أو تأسيس شركات، وأن تجربة أريج هي دون شك أعظم وأعمق تجربة مررت بها في حياتي المهنية، ومازال دين أريج يطوق عنقي وسيستمر لنهاية المطاف، وأرجو أن تُقرأ رسالتي من هذا المنطلق.
تطور الشركات كالسائق الذي يواجه مفترق طرق
دائما أشبه مراحل تطور الشركات بالسائق الذي يواجه مفترق طرق أو دوار “Roundabout”، عند هذا التشعب في الطريق فإنه لو سلك الطريق الخطأ فقد ينتهي به المطاف الى طريق ال “لا عودة”، وأعتقد أن أريج كانت قد وصلت في منتصف التسعينات الى مرحلة من حياتها تستدعي بعض القرارات الاستراتيجية، ليس فقط للحفاظ على المكاسب التي تحققت، بل أيضا إضافة نجاحات جديدة، كان ذلك هو مفترق طرقها من وجهة نظري.
ومن سوء الطالع أن الشركة وفي الأمتار الأخيرة للوصول الى ذلك المفترق بدأت تشهد صراع خفي على من يقود السفينة، ويكون له نصيب الأسد في النجاحات التي تحققت في السابق، وبدأت السياسة والتربيطات تلعب دورها في اختيار ليس فقط من يتولى الإدارة التنفيذية للشركة، بل أيضا من يُؤتَى الى مجلس الإدارة من أجل إحكام السيطرة عليه.
تلك التربيطات لم تأت أبدا بالأفضل لأريج بل الأفضل للمجموعة التي ترغب في السيطرة، وكان مايسترو هذه التربيطات وبؤرتها مدير عام الشركة في ذلك التوقيت والذي كان يشترط أن يكون بحرينيا بنص النظام الأساسي للشركة.
حرب السيطرة علي الكيان الجديد
كانت حرب السيطرة بين الجانب الكويتي والجانب الإماراتي يغذيها الجانب البحريني، ومن منهم يستطيع استقطاب الطرف الليبي أو أحد أعضاء الطرفين المتصارعين، كما طفا على السطح في نفس التوقيت صراع غير خفي بين إثنين من كبار العاملين بالشركة، هما الأستاذ لؤي النقيب المدير العام لشئون إعادة والأستاذ/ بدر الواحدي نائب المدير العام لشئون الاستثمار والخدمات المعاونة.
ومع أول فرصة لفرض إرادتهم – أعتقد عندما ترك السيد/ نور الدين عبدالله منصبه كمدير عام بالشركة- تم تقسيم الشركة الي كيانين مستقلين: –
1 – الأستاذ/ لؤي النقيب أصبح مدير عام الشركة لشئون إعادة التأمين
2 – الأستاذ /بدر الواحدي أصبح مدير عام الاستثمارات المباشرة
السياسة ودورها في تشكيل الهيكل التنظيمي
ومع ضعف إمكانات مجلس الإدارة، والتنافس على فرض السيطرة على مقدرات أريج بين قطاع إعادة التأمين وقطاع الاستثمار بدأت السياسة أيضا تلعب دورها في تشكيل الهيكل التنظيمي للشركة وكانت هناك حالات خُلَقًت لها وظائف بالهيكل التنظيمي لإرضائها أو الحفاظ عليها حتى لا تترك الشركة وتنتقل لشركات منافسة وليس لخدمة الهيكل التنظيمي، والمصالح الشخصية على رسم الهيكل التنظيمي لأريج.
في المقال اللاحق سنوجز القرارات التي اتخذها المسئولون بكل جناح من جناحي الشركة وكان لها دور كبير في القتل المؤسس البطيء لأحد أعظم الكيانات التأمينية في المنطقة.
الله من وراء القصد
إلي لقاء