وجمهورية الوعى أرضها جسمنا وزمنها عمرنا. رعاياها جوارحنا وقوانينها قيمنا. دفاعها ضميرنا وحدودها إدراكنا لحدودنا فى الحياة.
أرض وزمن الوعى ينمو مع تقدمنا فى العمر والمعرفة والتجربة والأهم تقدمنا فى الأخطاء لنبلورها فى دروس. وكرعايا لأى جمهورية، فالوعى حتما يقتات ليعيش ويقوى، وقوت الوعى فى المعرفة، ومفتاح المعرفة فى الترحال والكلمة! الكلمة المطبوعة والمسموعة والمرئية، والترحال فى المكان والبشر. وكلما غذيت وعيك أصبح صحيحا، نشطا، قابلا للعطاء والفهم.
وبنقص التغذية أو فسادها أو انعدامها، يهِن الوعى، يمرض، يشيخ، يموت! لتستمر أرض الجمهورية وزمنها مجرد مكونات مادية تخضع لقواعد الفناء المادي. وحده الوعى ما يكفل لمكونات الجمهورية البقاء بعد الفناء، خاصة إذا كان الوعى متجاوزا الذات إلى الوعى بالغير.
جمهورية وعيك تضمن لك تواصلا آمنا مع الغير! فكلما ازداد وعيك بالآخر تمكنت من قبول وجوده ولو مختلفا معك! فالوعى الصحى يكفل لك استيعابا لأهمية وجود الأضداد وكيفية استثمار الاختلاف! فمفهوم (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) دعوة إلهية عالمية لتبادل الوعى بأهمية تعاصر وجود الشعوب والقبائل لتبادل التعارف، ضمانا لاستمرار الحياة. والأمر بالتعارف يقتضى استمرار الحياة، لا إبادتها أو تدميرها أو إفسادها.
ولأمان التعارف، يلزم وعينا بذاتنا، ثم الآخر، ثم نحن معا، ثم مجتمعنا، ثم كلنا، ثم بلدنا، ثم منطقتنا، ثم موقعنا من العالم الكبير. فى كل مستوى تنمو جمهورية الوعى بشكل مختلف ومتطور بصورة توصل للوعى الجمعى، الذى يوحد فهم الجماعة لأمر ما .. كقواعد المرور أو معنى الحرام أو مفهوم السلام وهكذا. وكلما توغل وعينا وتجاوز رعايا جمهوريته وتوصل إلى باطننا أو لا وعينا، أصبح تواصلنا وتعارفنا أكثر أمنا واستقرارا.
وكأى جمهورية أيضا، قد يصيبها الهجوم والتمرد والفوضى والتسييس والتعمية. وهنا من المهم استيعاب أهمية تجديد جمهورية الوعى بتحديث وصيانة قوتها ومعارفها، وإلا أصيبت بالوهن والضعف والتشتت والتشرذم. لا يمكن إغفال أعداء الجمهورية من محترفى الجهل والتغفيل والتأجيل والغباء والرعونة والسبات والخلط والتسرع. من الوعى أن نعى أعداءنا ونكشفهم ونتحصن ضدهم، ولن يكون ذلك إلا بالتجديد والتحديث.
جدد معلوماتك، كتبك، بحثك عن الحقيقة، شبكة علاقاتك، تأصيل المصادر، مقاومة الشائعات، الانتباه للتغفيل. صمم خريطة لمصادرك وسمى استخدامها وضعها فى مجال نظرك وسمعك وفهمك. قواد جمهورية وعيك يحتاجون دعمك، فهمك، استيعابك لموقعك فى حياتك وحياة الآخرين. صحح قيمك، أنعش ضميرك بالصح والحق، صُن زمنك بفهم من حولك وراقب الإشارات ورسائل الكون لك، كن مثالا صحيا لجوارحك، فجمهوريتك بيدك ووعيك ينتظر الإفاقة الدائمة، لتحقق معنى الخليفة.
اكتشفت مؤخرا بأن جمهورية وعيى تذخر بمئات الكتب والمراجع والمقالات والاصوات والرؤى والأفكار وبذور المشاريع، الكفيلة بجعلى متوهجا لباقى عمري! ولكنى لم أفطن لأعدائها المتربصين بها، ونجحوا فى إقصائى عن رئاستها فترة غير قصيرة، بهجوم القلق والتشتت والتدبر والإحباط! ولكنى توقفت، تنبهت، قررت أن أصون وأجدد جمهورية وعيى، وأذود عن حماها بتطوير أسلحة يقظتى، وأصمم خطط دفاع جديدة، سمحت لى بالعودة للمضمار مستنيرا.
مراجعة وفرز قوت جمهورية الوعى مهمة شاقة، قد يحتال فيها أحد أعدائك فيستدرجك للإعجاب بالشكل والأسماء واللغات! ولكن وعيك الداخلى وحده من ينقذك، بتتبع قوانينك الأولى وقيمك الأساسية.
الوقت دوما متاح لتجديد جمهورية الوعى لتستعيد رئاستها! ومع بدايات 2022، أهم شيء أن (تعي) أنك تحتاج الإفاقة لتكمل طريقك بأمان، فالقادم سيكون شيفرات ومعادلات وتركيبات للنجاح والبقاء، وجميعها أشكال جديدة لاختبارات فن الاستمرار، بعد انتهاء زمن الراحة والدعة والتواكل والانسجام مع الصدف.
انتهت مرحلة أمية القراءة والكتابة، وأمية معرفة لغة ثانية على الأقل، كذلك أمية التكنولوجيا والإنترنت، وأمية لعبة الأمم والنظام العالمى الجديد فى طريقها للتراجع! وأمية التجديد وفن التغيير، وأمية الصحة وحفظ النوع، وأمية مفهوم القوة وأشكالها، وأمية حصر المال فى الورق والذهب، وأمية الاستعمار المادي! فتدشين جمهورية الوعى الذاتى، والمجتمعى، والجمعى والحرص على تطوير مناهجها وقوانينها، هما ما سيكفلان دعما ملائما لزمن الشيفرات والمعادلات بأجيال جديدة تدخل السباق لتفوز بالإدراك، وتعود لتأخذ بيد أهالى عشوائيات الفهم وتقديس التراث، فلجمهورية الوعى فرسانا يسابقون الشروق لغد يوم جديد!
* محامى وكاتب مصرى