أكذوبة الصف الثاني!

أكذوبة الصف الثاني!
حازم شريف

حازم شريف

10:55 ص, الأحد, 24 أغسطس 03

تعتمد عملية الاصلاح المصرفي التي تجري حاليا في أحد محاورها علي إحداث تغيير تدريجي في أغلب القيادات المصرفية، واحلال قيادات جديدة شابة مكانها، تتميز بالكفاءة والخبرات النوعية المختلفة.
 
وقد لوحظ خلال الآونة الأخيرة، تباطؤ عملية الاحلال والتجديد في هذه القيادات، بعد أن استنفدت المرحلة الأولي من الاحلال أغلب الأسماء المطروحة علي الساحة من القيادات الشابة، حتي بات من الشائع في هذه الأيام أن تلتقي بمسئول حكومي أو حزبي فيبادرك بالسؤال عما كان إذا في حوزتك أسماء جديدة، تصلح لتبؤ مواقع قيادية لأي من البنوك أو لعضوية مجلس إدارة المركزي أو حتي لمناصب تتجاوز هذه العضوية!
 
هذه واحدة.
 
أما الثانية.. فهو ما يتردد بجدية منذ أشهر عن قرب حدوث تغييرات وزارية متوقعة، ومرة أخري تجد من يسألك عن أسماء تصلح لتحل محل أسماء المسئولين والوزراء، الذين ينتظر خروجهم مع التعديل الجديد.
 
الأمر يتكرر برمته عند الحديث عن الرغبة في إجراء ثمة تغييرات لقيادات ثبت فشلها أو انتهاء فترة صلاحيتها في أي مجال وفي أي قطاع.. يتكرر عندما يعتزم وزير قطاع الأعمال تغيير عدد من قيادات شركاته التابعة الخاسرة، ويتجدد عند البحث عن كفاءات تصلح للعمل كمستشارين لجهات حكومية بعينها، وينتعش ويتضخم إذا ما انصب الحوار حول ايجاد بديل لمناصب تنفيذية شديدة الخطورة كرئاسة الوزارة علي سبيل المثال.
 
وفي كل الظروف والأحوال يتم من جديد إعادة طرح الإشكالية -المملة- المزمنة حول أزمة الصف الثاني وقيادات الصف الثاني وخبراء الصف الثاني حتي بات يترسخ في أذهان الغالبية العظمي منا تصور مبتسر ومخل، يختزل الخروج مما نعاني من مشكلات واختناقات وأزمات ــ وهي متعددة ــ في الهبوط المفاجيء علي رءوس مجموعة من الموظفين، يتم اختيارهم في عجالة وفقا لعوامل لا تخلو من سلبيات الوضع القائم ـ من استلطاف ومحسوبية وواسطة وخلافه ــ والدفع بهم في «مفرمة» الإعداد والتأهيل ليخرجوا منها ــ فيما يشبه الكورس المكثف ــ علي كدر قيادي صف ثان!
 
هذا التصور يمثل ــ من وجهة نظرنا ــ عائقا أمام أي عملية إصلاح حقيقية، ذلك أنه يفترض في الأساس محدودية الخلل في «اكليشيه» قيادات الصف الثاني في حين أن العطب ــ في حقيقة الأمر ــ يشمل جميع المستويات.. الأول والثاني والثالث.. والسابع إلي آخر درجات السلم الهرمي الوظيفي.
 
وهو تصور مفرط في السذاجة يستتبعه خلل منطقي ضمني في الاستنتاج مفاده أن هناك امكانية لاصلاح احدي حلقات السلسلة الادارية والتنفيذية بمعزل عن باقي الحلقات الأدني في المستوي، وكأن هذه الحلقات لا تمثل قاعدة الاختيار لما فوقها من حلقات.
 
إلا أنه تصور مريح.. نظرا لانه يوهم أصحابه ومريديه بأن عملية الاصلاح أشبه بإعداد وتناول وجبات الطعام السريع «الفاست فود» وما عليك سوي أن تضغط علي زر نقش عليه بحروف مزركشة عبارة إعداد قادة الصف الثاني لتجد في حوزتك ما تريد من قيادات وكفاءات صالحة للتصعيد.
 
وهو منطق قد يصلح في ظل عقلية حكومية، لا تزال تفكر علي طريقة ضبط الأمور واستيفائها شكليا، لا من منظور إحداث تغيير جذري حقيقي يحقق التقدم المنشود.
 
إن إعداد القادة والمسئولين عملية تراكمية تبدأ ــ للأسف ــ منذ الصغر، ولها روافدها التعليمية والإعلامية والثقافية ،التي ينبغي أن تشجع علي الابداع وتنمية المهارات، وأن توقر في الأذهان إمكانية الحراك الوظيفي والاجتماعي اعتمادا علي معايير الكفاءة والقدرة المستمرة علي التعلم والتطور والنمو بمستوي المهارات.
 
وهي كما نري عملية بالغة التعقيد شديدة التكلفة صعبة ــ وليست مستحيلة ــ التحقيق.
 
وإلي أن يحدث ذلك دعونا نأمل في أن يوفق السادة المسئولون في سعيهم الدؤوب للهروب إلي الأمام بالتنقيب عن قيادات صف ثان تصلح للتصعيد!