Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

أدب الأحزان!

أدب الأحزان!
جريدة المال

المال - خاص

3:02 م, الثلاثاء, 25 سبتمبر 12

تطوف بنا هذه الأيام مواكب للأحزاب، موكب إثر موكب بما يسمح بأن نسمى ما نحن فيه «زمن الأحزان»، وهو الزمن الذى حاولنا بثورة التحرير أن نهرب منه بالنجاح الأولى للثورة التى أسقطت نظام مبارك العتيد، إلا أن الأحداث التالية ولشهور طويلة طبقت علينا مقولة: جت الحزينة تفرح.. م لقتش مطرح، حتى ليبدو الأمر وكأن الحزن علينا «مكتوب» بما أفقد المصريين ابتسامتهم وخفة دمهم الشهيرة التى استبدلت بغضب فى الشوارع لا مبرر له أدى لاشتباك الجميع مع الجميع فيما يمكن تسميته «لعنة الغضب»!

ولقد طالت تلك اللعنة مواقع لم يكن من المعقول وصولها إليها، خاصة فى مواقع العزاء بمساجد لها احترامها وقدسيتها، حيث يشتبك بعض المعزين مع معزين آخرين من رجال الدولة الذين حضروا للعزاء فى حادث جلل.

ولأن المساجد لله ومن ثم فلها جلال وقدسية لا تسمح بأى جدل أو تطاول بالألفاظ من أحد ضد أحد، وإلا كان على المعتدى «وزر» العدوان على حرمة المسجد الذى وقع به العدوان، والذى من المفروض ألا نسمع فى قاعاته غير مقرئ تثير الآيات التى يرددها فى الحاضرين كل الخشوع لآيات الله التى تتلى ضمن ما تعودنا عليه وتربينا من أنه إذا قرئ القرآن فاستعموا له.. وانصتوا لعلكم ترحمون، وهو ما نسميه «أدب الاستماع» طلبًا للرحمة لكل المنصتين!

وفى واقعة جرت منذ أيام قليلة أدركنا أن الانفلات والفوضى قد اكتسحا كل المواقع حتى المقدس منها فى بيوت الله، وهو ما يشى بأننا مقبلون على أيام حالكة السواد فى عقاب إلهى على ما نقترف فى حق أنفسنا عندما أسقطنا مواقع تعودنا أن نحترم وجودنا فيها بالصمت وحسن الاستماع، بالكثير من اللغط وسوء الاستماع، حيث يتبارى البعض فى الانفعال اللفظى بما يغطى على «صوت مقرئ القرآن»، وتلك جريمة لم نكن حتى نسمع عنها خلال ذلك العمر الطويل.

وبصرف النظر عن رفضنا أو موافقتنا على تولى فرد لا نحبه رئاسة الدولة، أو معاون له فى رئاسة مجلس الوزراء لا نعترف به، فإن وجود هؤلاء فى «مواقع للعزاء»، داخل بيت من «بيوت الله» يمنحهم حصانة من أى اعتداء عليهم مهما كان حجم الكراهية الشعبية لهؤلاء، ذلك أن «احترام مكان التواجد» لابد أن ينسحب على كل الحاضرين، إلا أن ما نشهده هذه الأيام لم يعد كذلك، فى ترد للأخلاق غير مسبوق!

ولعل أوضح دليل على ذلك التردى الأخلاقى وسقوط القواعد التى كان مسلمًا بها فيما قبل ما جرى خلال تشييع جنازة «شهداء الحدود» من مسجد آل رشدان من هتافات – داخل المسجد وخارجه – ضد رئيس الدولة والمشير ومرشد الإخوان ثم الاعتداء على سيارة رئيس الوزراء هشام قنديل بالعصى والحجارة، فالموقف من الكارثة التى حدثت لهؤلاء الجنود كان لابد أن يغطى الحزن عليهم غيره من الأحقاد التى لا مبرر لها فى مثل هذا الموقف الجليل، مما يؤكد أن كل المثيرين لهذا اللغط فى مسجد له احترامه لم يكونوا أكثر من «مجموعة من الجاهلين» لم يأتوا أصلاً للعزاء بقدر ما دفع بهم إلى ذلك الموقف «هزال سياسى» يؤكد أن القائم به يكره كل شيء بما فى ذلك نفسه حيث وصل به «الانحطاط» ليفعل.. ما فعل!

إن «التردى الأخلاقى» الذى نعانيه الآن فى كل موقع يسيطر فيه «الغضب على الغضب» يستحق وقفة لإنقاذ ما تبقى من أخلاقيات مصرية أصيلة – إذا كان مازال هناك ما يستحق الانقاذ – ذلك أن من سوف يدفع ثمن ذلك التردى هم المصريون وحدهم، ومن ثم فإن إنقاذ ما تبقى من أصول قد يمكننا مع قادم الأيام أن نعيد البناء عليه قبل أن تهدم كل قواعده وتتوه من بين أيدينا مواقعه لنتوه معها جميعًا فى صحراء الضحالة والجهالة والانتهازية، حيث يسود مبدأ «أنا وبعدى الطوفان» مع أن الطوفان – إذا قدم لا قدر الله – فسوف يكتسح مع أول أمواجه كل أولئك الذين يتصورون أنهم فى مأمن منه، ذلك أنهم أصلاً صانعوه، ومن صنع شيئًا فعليه أن يكون أول المجربين، وفى ضبائع الطوفان، أن أحدًا لا يستطيع أن يجربه أكثر من مرة واحدة!

جريدة المال

المال - خاص

3:02 م, الثلاثاء, 25 سبتمبر 12