Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (5)

ولم تكن مزاولة الصناعة وحدها هى الغرض المقصود من هذه النهضة الواسعة والتعليم المستفيض فى الطب. فقد كان أشهر الأطباء يضيفون إلى علم الطب علومًا أخرى كالفلسفة أو الهندسة أو الفلك أو الكيمياء، ووضعوا الكتب التى كانت أشبه بالموسوعات. ومن موسوعات الطب الإسلامية، موسوعات لا نظير لها فى الضخامة والتمحيص ب

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (5)
رجائى عطية

رجائى عطية

8:24 ص, الأربعاء, 30 نوفمبر 16

ولم تكن مزاولة الصناعة وحدها هى الغرض المقصود من هذه النهضة الواسعة والتعليم المستفيض فى الطب. فقد كان أشهر الأطباء يضيفون إلى علم الطب علومًا أخرى كالفلسفة أو الهندسة أو الفلك أو الكيمياء، ووضعوا الكتب التى كانت أشبه بالموسوعات.

ومن موسوعات الطب الإسلامية، موسوعات لا نظير لها فى الضخامة والتمحيص بمعطيات زمانها، وقد تُرجمت كلها إلى اللاتينية فنقلت هذه الصناعة بين أطباء أوروبا من حال إلى حال، وجعلوا يقرأون فى هذه الكتب، وينقلونها ويترجمونها ليستفيدوا منها فى مزاولة صناعة الطب.

ومن هذه الموسوعات والتى ترجمت، كتاب «القانون» لابن سينا فى القرن الثانى عشر للميلاد، وهو موسوعة جمعت خلاصة ما وصل إليه الطب عند العرب والإغريق والهنود والسريان والأنباط، وكتاب «الحاوى» للرازى (1279هـ)، وهو أكبر من كتاب القانون وأوسع منه، وقد أكمله تلاميذ الرازى بعد موته فهو عمل ضخم لا يضطلع به أفراد.

وتُرجمت كتب ابن الهيثم، فكانت المعول عليها لدى أوروبا فى البصريات.

وظهرت فى برامج «جامعة لوفان» المحفوظة- أن كتب الرازى وابن سينا كانت هى المرجع المعول عليه عند أساتذة تلك الجامعة وحتى أوائل القرن السابع عشر. وجاء المدد من الأندلس العربية فأمد أوروبا بمرجعها الأكبر فى الجراحة وتجبير العظام، وهـو كتـاب «التعريف لمن عجز عن التصريف» لأبى القاسم خلف بن العباس، وقد طبع باللاتينية فى القرن الخامس عشر، وكان قبل طبعه دروسًا متداولة بين أبناء الصناعة يعتمدون عليها فى الأعمال الجراحية ولا سيما فتح المثانة وإخراج الحصاة.

وتكاثرت المستشفيات باسم المارستانات فى أنحاء الدولة الإسلامية بعد القرن الثالث للهجرة، وابتدعوا طرقًا للكشف عن الجراثيم ومعرفة عوارض الفساد.

وتسلم العرب الطب فى مرحلة من مراحله الطويلة بين النظريات القديمة والنظريات الحديثة، واعتمدوا الملاحظة والتجربة ولم يعولوا كل التعويل على التزام النظريات، وتصرفوا فى العلاج فلم يتقيدوا برأى «جالينوس»، وجمع بعضهم بين الحمية والتبريد والترطيب فى العلاج كما كان يفعل صاعد بن بشير رئيس المستشفى العضدى فى بغداد.

وسبق العرب- الإفرنج إلى وصف الجذام وشرح مرضىْ الجدرى والحصبة، وعلاج أمراض العين، وحاموا حول مذهب فرويد فى الطب النفسانى وعلاقته بالمسائل الجنسية على نحو تجريبى خليق بأن يُحتذى.

ويروى الأستاذ العقاد مثلاً لحالات الشلل الهستيرية اتبعه الطبيب جبرائيل بن بختيشوع فى علاج إحدى جوارى الرشيد، ومثلاً آخر لابن سينا.

وعالج أطباء العرب الجنون علاج الأمراض الطبيعية، وكان يُسمى عند الإفرنج بالمرض الإلهى أو مرض الشيطان لأنهم كانوا يحسبونه من إصابات الأرواح أو الشياطين.

● ● ●

واقترنت بحوث العرب فى الطب- فيما يقول الأستاذ العقاد ببحوثهم فى الكيمياء، فاستفاد الأوربيون منها كثيرًا فى هذا العلم المستحدث، ويضرب أمثلة بالقلويات وماء الفضة وهو من أهم الحوامض المستخدمة فى التجارب الكيميائيـة، وكـان فضـل وصفـه لجابر بن حيان، وهو أيضًا صاحب الفضل فيما عرفه الأوروبيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس وزيت الزاج وبعض السموم.

وقد نقلت كتب الرازى كما نقلت كتب جابر بن حيان، ومنها تلقى الأوروبيون تقسيم المواد الكيميائية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية، وتقسيم المواد المعدنية أدق تقسيم عُرف فى العصور الوسطى. هذا ولم يتأثر التاريخ الأوروبى بشىء من كشوف العرب فى المعدنيات- كما تأثر بكشف «البارود» واستخدامه فى القتال وقذائف الحصار.

وفى الطبيعيات أخرج العرب «الثقل النوعى» لكثير من العناصر والجواهر النفيسة، وفحواه أن الأجسام الثقيلة مجذوبة إلى معدنها من مركز الأرض، وأن الأجسام الروحانية مجذوبة إلى أصلها فى السماء.

ولكن البيرونى فيما يبدى الأستاذ العقاد شك فى ذلك، ووجه إلى ابن سينا سؤالاً فحواه أنه يميل إلى القول بأن الأجسام كلها مجذوبة إلى مركز الكرة الأرضية.

وقد مهدت هذه الآراء سبيل «نيوتن» إلى كشف قانون الجاذبية.

وللبيرونى فضل آخر، هو السبق إلى درس السوائل فى عيون الأرض ومرتفعات الجبال وما تحكم به حركاتها فى حالى التوازن والارتفاع.

وعلى سذاجة البحوث التى انتهى إليها علم التاريخ الطبيعى قبل القرن الثامن عشر، فإن مؤلفات العرب كانت خير المراجع للأوروبيين وغير الأوروبيين فى هذا المجال.

ويستشهد الأستاذ العقاد بما جاء فى كتاب «الحضارة الأوروبية سياسية واجتماعية وثقافية»، عن أساتذة الفلسفة جيمس وستفال وفرانكلن شارلز وفان نوستراند- من إقرارهم بأنه خلال قرنين نقل العرب كل ما خلفه الإغريق من التراث العلمى وأصبحت بغداد والقاهرة والقيروان وقرطبة مراكز لامعه لدراسة العلم وتلقينه، وأن المعرفة بهذه الثقافة الإغريقية العربية تسربت إلى أوروبا فى أواخر القرن الحادى عشر والقرن الثانى عشر، ولم يكن هذا التسرب من آثار الغزوات الصليبية كما قد يسبق إلى الخاطر، وإنما جاء من طريق صقلية إلى إيطاليا ومن إسبانيا الإسلامية إلى إسبانيا المسيحية ثم إلى فرنسا.

على أن الجانب المهم من أثر الموسوعات الثقافية العربية فى أوروبا، لا يتوقف على تعداد المعلومات التى نقلت، وإنما المهم أن الأوروبيين تناولوا مشعل العِلم من أيدى العرب، فاستضاءوا به بعد ظلمته، وبلغوا به بعد ذلك ما بغلوه من هذا الضياء العميم الذى انكشف به أحدث العلوم.

رجائى عطية

رجائى عطية

8:24 ص, الأربعاء, 30 نوفمبر 16