Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (12)

أثر أوروبا الحديثة فى النهضة العربية بنهاية السطور السابقة، انتهى كتاب الأستاذ العقاد عن «أثر العرب فى الحضارة الأوروبية»، ولكنه رأى لاستكمال الصورة المتقابلة، أن يكتب بابًا إضافيًّا يوضح فيه العلاقة التبادلية، أو إن شئت الأثر المقابل وتحديدًا لأوروبا الحديثة فى النهضة العربية، و

أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (12)
رجائى عطية

رجائى عطية

8:21 م, الأثنين, 12 ديسمبر 16


أثر أوروبا الحديثة فى النهضة العربية

بنهاية السطور السابقة، انتهى كتاب الأستاذ العقاد عن «أثر العرب فى الحضارة الأوروبية»، ولكنه رأى لاستكمال الصورة المتقابلة، أن يكتب بابًا إضافيًّا يوضح فيه العلاقة التبادلية، أو إن شئت الأثر المقابل وتحديدًا لأوروبا الحديثة فى النهضة العربية، ومن ثم فقد أعطاه هذا العنوان ليضع هذا البحث فى إطاره وتحت مسمَّاه الصحيح.

وهذا الباب المضاف، لم يتسع ليشكل كتابًا فى موضوعـه، ويمكنـك أن تقـول إنه «عجالة» يستعرض فيها الأستاذ العقاد هذا الأثر لأوروبا الحديثة، واختار له- لحصر موضوعه مجالات محددة شملت : سداد الديون. الاجتماع والسياسة. الحكومـة البرلمانية. الوطنية. والحركات الدينية. الأخلاق والعادات. الأدب والفن. الصحافة، قبل أن ينتهى إلى «إجمال» أشبه بكلمة ختام.

سداد الديون


لا يقصد الأستاذ العقاد بهذه الديون وسدادها، ما قد يتبادر إلى الذهن عن الدين المصرى الذى تسببت فيه سياسة الخديوى إسماعيل، وإنما هو يتحدث عن الديون المتقابلة بين الأخذ والعطاء بين الحضارات الإنسانية.

مضى زمن كانت أوروبا مقبلة على كل ما هو عربى، ثم دارت الأفلاك دورتها، فإذا بأبناء الشرق قد أصبحوا ولا هَمَّ لهم إلاَّ الإقبال على كل ما هو أوروبى، والإعراض وهذا هو الغريب عن كل ما هو شرقى أو عربى أصيل.

والخلاصة أن الشرق الحديث تعلم من أوروبا، كما تعلمت هى من الشرق القديم.

ولا ضير فى التعليم، لولا أنه كان تعليم قصور.

ويعنى الأستاذ العقاد بهذا القصور، ما اعتدناه زمنًا من أن مقياس الحرية عندنا أن نقبل على كل جديد لأنه جديد، وأن نثور أو نعرض عن كل قديم لأنه قديم.

وهذا هو ما يعنيه بأنه كان عهد تعليم، وعهد قصور !

ثم كان أن بلغ العصر مداه، فبرز بين الشرقيين من امتلك زمام حريته، سواء فى وجه الجديد أم فى وجه القديم، ليختار ما يصلح لأنه صالح سواء كان قديمًا أو جديدًا، ويعرض عن غير الصالح لأنه لا يصلح.. سواء كان جديدًا أم قديمًا.

وهذا هو المقياس الصحيح للتمييز والاختيار، أو هو نقلة من عصر القصور إلى عصر الرشد والاستقلال.

ولم يقتصر ما تعلمناه اليوم وقبل اليوم، على باب دون غيره، أو على فريق دون فريق، بل شمل ميادين مختلفة، امتدت إلى المدرسة والبيت والسوق، وعم طوائف مختلفة شملت الجامدين والمتوسطين والمتطرفين.

وسوف تدور الأفلاك أو تستمر فى الدوران، وسوف يبلغ هذا العصر مداه بعد حين، وغير بعيد أن ينظر الشرق إلى الأمور بنظر جديد، وعلى نحو جديد.. قد يتسع له عالم الفكر والعلم، أو عالم الحكم والسلطان.

الاجتماع والسياسة

لا شك أن شيوع التعليم له أثر مزدوج على الآداب الاجتماعية، وعلى النظم السياسية.

وقد كان للتغيير الذى طرأ بشيوع التعليم، أثر ثلاثى الأبعاد : فى المجتمع أو الأسرة، وفى العادات العامة. وفى العلاقة بين الطبقات.

أدى التعليم فى إطار الأسرة، إلى تحرير المرأة، وتقلص الرغبة فى تعدد الزوجات، وتحريم اقتناء الجوارى بحكم القانون. وأدى التلامس مع الحضارة الأوروبية، إلى عناية بعض الأسر المصرية بالحفلات البيتية، كأعياد الزواج أو الميلاد أو بعض المناسبات والفصول، وأبيح فى بعضها ما لم يكمن مباحًا قبل ذلك، كالمقامرة والشراب.

ومختصر القول أن الأسرة الشرقية كسبت بهذا الازدواج من ناحية، وخسرت من ناحية أخرى، فاقتبست من الغرب كثيرًا من عادات الفراغ والنزهة خارج البيت، وساء لدى البعض فهم الحرية النسائية، مما أدى إلى تداعى بعض الأسر، وامتُحن المجتمع فى محن لم يعهدها من قبل.

أما العلاقة بين الطبقات، فلم تتغير تغيرًا كبيرًا فى الأمم الشرقية بعد الاحتكاك بالحضارة الأوروبية، حيث حالت أوروبا دون قيام الصناعات الكبرى فى الشرق، لتحتكر هى الأسواق لمصنوعاتها، فبقيت الصناعة راكدة مما أثر سلبًا على قيام حركات عمّاليّة، وحالت من ناحية أخرى دون قيام المصارف والشركات لأن أوروبا آثرت نفسها بهذه الأنشطة فى بلاد الشرق.

ومع ذلك فمن المستحدثات، أن الشرق الإسلامى ترخص فى إنشاء المصارف وفى قبول التعامل بفوائد طفيفة لا يعتبرها من الربا الفاحش المحرم بنصوص القرآن.

ومن الواضح أن الوعى السياسى سبق الوعى الاجتماعى فى الأمم الشرقية شوطًا أو شوطين، وتجلى ذلك فى بعض التجديد السياسى، وفى إنشاء المحاكم الحديثة التى سمِّيت بالمحاكم الأهلية أو المدنية، وجرى اقتباس القضاء الأوروبـى ومبادئ القوانيـن الأوروبية.

* * *

ولا يوافق الأستاذ العقاد على رؤية البعض أن «الجامعة العربية» كانت من آثار هذا الاحتكاك، فقد دفعت الظروف والتطورات الإقليمية المحلية إلى إنشائها، وساهم فى ذلك صيرورة اليقظة العربية حقيقة ماثلة. وفى إطار هذه اليقظة أعلنت حركة الشيـخ محمد بن عبد الوهاب الثورة على الحكومة العثمانية، وبقيت البادية العربية هنا وهناك على ما تعودته من استقلال منذ القدم، وكانت أفريقيا الشمالية تعتمد على نفسها فى مدافعة الفرنسيين، وقد سئل إبراهيم باشا وهو يناضل الدولة العثمانية إلى أين تنتهى فتوحاته ؟ فقال : «حيث لا يوجد من يتكلم العربية» قاصدًا بذلك أنه يتطلع إلى دولة عربية لا يريد أن يتجاوزها إلى بلاد أخرى.

أما فى سوريا ولبنان، فقد رحبت جمهرة الشعب بحركات الوحدة مع الأمم العربية الأخرى ، وكانت على اتصال دائم بوادى النيل والجزيرة، وكانت علاقات الأمراء- سرًّا وجهرًا- بمحمد على الكبير مثار قلق دائم للحكام العثمانيين.

وفى مصر قامت حركة المطالبة بمصر للمصريين، وقامت فى السودان حركة الثورة على الترك، ودخل السوريون واللبنانيون والعراقيون فى حزب «تركيا الفتاة» لأنه كان يمنِّيهم بالحكومة «اللامركزية» أى حكومة العرب فى بلادهم.

وكان الإنجليز يشجعون مثلا المناداة بمصر للمصريين، لأنها تفصل مصر عن الدولة العثمانية.

وكان الفرنسيون ينشئون فى الشام المدارس والمطابع لنشر ثقافة العرب وإحياء التراث العربى القديم، سعيًا للفصل بين العرب والعثمانيين.

وكان الألمان يقابلون هذا بالتقرب إلى «الجامعة الإسلامية» لأنها تشمل التقرب من الترك والعرب على السواء، ويطمحون من وراء هذه الجامعة إلى طريق إلى الهند والأقطار الآسيوية، تحقيقًا لأحلامهم «من برلين إلى بغداد».. ثم إلى الهند من هذا الطريق.

فالجامعة العربية حركة طبيعية وجدتها السياسة الأوروبية قائمة فاستفادت منها تارة بالمقاومة وتارة بالتشجيع. أما مستقبل الجامعة العربية فهو رهين بأحوال العالم وتقلباته وانتظام العلاقات بين شعوبه ، بيد أن اليقظة العربية لا ترتهن بالسياسة وحدها، لأنها مستمدة من طبائع الأشياء لا من برامج الدول والرؤساء، وهو ما زاد اليوم ظهورًا ووضوحًا فى ظل التقلبات التى طفقت تحاصر الجامعة العربية ولم تكن فى الحسبان حين كتب الأستاذ العقاد هذه الفصول بعد أقل من عام من تأسيس الجامعة العربية.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

8:21 م, الأثنين, 12 ديسمبر 16