Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

أبو نواس .. الحسن بن هانئ (18 )

وقد كان أبو نواس ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ كان كثير اللهج بذكر الشيطان، والتعويل عليه فى غواياته ومغامراته. فأى هذه الشياطين التى سلفت ــ كان هو شيطانه المختار ؟ إن شيطان أبى نواس هو الشيطان الذى يريده أبو نواس ؛ أو هو الشيطان الذى يلزم أبا نواس . ففيه ــ فيما يرى الأستاذ العقاد ــ كل خلة من

أبو نواس .. الحسن بن هانئ (18 )
رجائى عطية

رجائى عطية

7:30 ص, الثلاثاء, 19 فبراير 19

وقد كان أبو نواس ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ كان كثير اللهج بذكر الشيطان، والتعويل عليه فى غواياته ومغامراته. فأى هذه الشياطين التى سلفت ــ كان هو شيطانه المختار ؟

إن شيطان أبى نواس هو الشيطان الذى يريده أبو نواس ؛ أو هو الشيطان الذى يلزم أبا نواس .

ففيه ــ فيما يرى الأستاذ العقاد ــ كل خلة من هذه الخلال بالقدر الذى يقتنع به أبو نواس.. فيه التيه والخبث والعلم والحيلة والظرف على حسب المطلوب الموقوت والحاجة العارضة، وكأن هذا الشيطان لم يخص إلاَّ لأبى نواس خاصة، ولا عمل له إلاَّ أن يرضيه !

فمن مهمة إبليس أن يغرى الناس ــ مثلاً ــ بشرب الخمر ما استطاع ؛ ولكنه مطالب عند أبى نواس بأن يكف عن الخمر عزاله ومن يترفع عن مشابهتهم إياه فى تعاطيها .


ناديت إبليس ثم قلت له

لا تسق هذا الشراب عزالى

وإبليس عند أبى نواس تيَّاه خبيث ..

عجبت من إبليس فى تيهه

وخبث ما أظهر من نيته

وهو فى صورته عنده ؛ عليم فقيه يستفتيه فيفتيه.. فنراه يقول :

إنى قصدت إلى فقيه عالم

متنسك حبر من الأحبار

متعمق فى دينه متفقه

متبصر فى العلم والأخبار

قالت النبيذ تحله فأجاب لا

إلاَّ عقارًا ترتمى بشرار

قلت : السماع فما علمت أجابنى

إلاَّ بخنق العود والمزمار

قلت : المنادم من يكون ؟ أجابنى

لا تعدلن عن ماجن عيار

وهو عنده ظريف يعينه على فساده :

لم يرض إبليس الظريف فعالنا

حتى أعان فسادنا بفساد

ونرى إبليسه يخصه بالخدمة فيما يريده ويذلل له ما يعصيه ..

فرده الشيخ عن صعوبته

وصار قوادنا ولم يزال

وكأنما خلق إبليس لأبى نواس على تفصيل «المزاج النرجسى» الذى يتدلل ويتأبى

ولا يملك إبليس إلاَّ أن يجاريه من دلاله وتأبيه .

وكالطفل المدلل الذى يسوم أبويه ما يرضيه وما يغضبه، نراه يهدد إبليس وينذره :

إن أنت لم تلق لى المودة فى

صدر حبيبى وأنت مقتدر

لا قلت شًعرًا ولا سمعت غنًا

ولا جرى فى مفاصل السكر

ولا أزال القرآن أدرسه

أروح فى درسه وأبتكر

وهو هو أبو إبليس بعينه وهو يزعم التوبة، ويلوم على إبليس ما يبذله له من شهوة ومتاع ..

هل لك فى عذراء ممكورة

يزينها صدر لها فخم

ووارد جثل على متنها

أسود يحكى لونه الكرم

فقلت «لا» قال فتى أمرد

يرتج منه كفل فعم

كأنه عذراء فى خدرها

وليس فى لبته نظم

ويكشف أبو نواس عن أخفى الخفايا بين جوانحه حين يتعجب من تيه إبليس على آدم ثم خدمته لشهوات بنى آدم، أو لشهوة أبى نواس خاصة من بين بنى آدم ..


عجبت من إبليس فى تيهه

وخبث ما أظهر من نيته

تاه على آدم فى سجدةٍ

وصار قوادًا لذريته

أو على الأصح أنه صار قوادًا «خصوصيًا» لأبى نواس !


فرده الشيخ عن صعوبته وصار قوادنا ولم يزل

ومن هنا ينتهى الأستاذ العقاد إلى عقدة العقد فى طوية الشاعر أبى نواس، وهى عقدة النسب المدخول التى غلبته فكانت من دوافعه إلى إدمان الخمر، ومن بواعث الاحتيال عليها بالحيل الملتوية التى يصطنعها «مركب النقص ».

ومع هذا أبى إبليس أن يسجد لآدم، ولا يأبى أن يسجد لأبى نواس الحسن بن هانئ ! على ما جاء فى حديثة إلى أستاذه «والبة بن الحباب ».

■ ■ ■

ودعت عقدة الأب أو النسب ــ دعت الأستاذ العقاد إلى استطراد فى مذهب «فرويد» حول هذا الموضوع، وحول تلك العقدة التى يسميها فرويد بعقدة أوديب، التى تتولد من حب الطفل لأمه وغيرته عليها من أبيه .

وعقدة أوديب فى رأيه ـــ لا تؤخذ جملة ولا ترفض جملة. إذ ليس كل غيرة على الأم من الأب غيرة جنسية. وبخاصة حين تكون الأم هى كل شىء فى حياة الطفل الرضيع، فيغار عليها غيرة على حظوته وعلى طعامه وعلى سلامته وعلى كل شىء يحسه ويدركه. وإذا كان الجنس يفسر كل شىء فى رأى «فرويد»، فإنه لا يفسر شيئًا ولا يميز بين دافع وآخر من دوافع الحياة .

والشطط فى تعليلات فرويد وتخريجاته ؛ يعيبه عليها تلاميذه قبل العلماء المعارضين له فى أساس مذهبه. فيرى « أدلر» أن عقدة أوديب ليست غريزة أساسية تستقر فى الوعى الباطن لكل وليد، وإنما هى ميل عارض يحدثه سوء التصرف من بعض الآباء وبعض الأمهات. ويرى « ينج » (Jung ) أن الطفل لا يدرك فى أمه صفةً جنسية، وأن

«عقدة أوديب» إنما تستحكم عند مفارقة الفتى لبيت الأسرة وانخراطه فى العالم الخارجى بقسوته وعنفه. وقد وضع «ينج» عقدة «إلكترا» إلى جانب عقدة «أوديب» خلال تفسيره لما يشاهد من ميل البنات إلى الآباء .

أما عن أبى نواس، فالرأى أنه لا يشعر بالكبت، ولم يثقل عليه نهى أبيه مزاولة فنه، فلم يعجز عن قرض الشعر فى حياة أبيه ولا بعد موته .

إلاَّ أن الملاحظ من سيرة أبى نواس ــ فيما يرى الأستاذ العقاد ــ أن الشيطان كان بديلاً عنده عن المعلم لا عن الأب. وكان كل من معلميه الذين طالت عشرتهم له فى صباه ــ فاسقًا شاذًا يتخذ معه شكل الشيطان فى تعليمه إياه الفجور والانقياد للشهوات .

فوالبة بن الحباب الذى علمه الشعر زنديق ماجن !

وبدر الجهنى الذى علمه العطارة ــ على هذه الخليقة من الفجور والمجون !

وخلاصة القول إن أبا نواس كان يحالف الشيطان ويلعنه… ويحسب أن اللعنة هى التحية المحببة إليه، ولم يسلم أبو نواس من كل عقده نفسية تتعلق بالنسب، وهى العقدة التى ألجأته ــ كما سنرى ــ إلى إدمان السكر والهيام بالخمر هيام المتهوس المفتون !

[email protected]

www. ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

7:30 ص, الثلاثاء, 19 فبراير 19