آلية الإقراض المباشر تغازل السوق المحلية

مع توقع وصول حجم الصناعة إلى تريليون دولار نهاية 2025

آلية الإقراض المباشر تغازل السوق المحلية
سيد بدر

سيد بدر

6:14 ص, الأحد, 28 يوليو 19


■ وليد ناجى: التكنولوجيا تفرض نفسها.. والبنوك قد تختفى خلال سنوات لصالح بدائل أخرى

بدأت صناعة الإقراض المباشر أو «P2P Lending» دون تدخل من المؤسسات المالية (البنوك) منذ سنوات قليلة لكنها سرعان ما انتشرت بشكل كبير على مستوى العالم مستغلة الطفرة التكنولوجية، خاصة فى الدول المتقدمة، حتى أن تقارير صدرت مؤخرًا تحدثت عن أنه من المتوقع أن تتجاوز هذه الصناعة الحديثة حاجز التريليون دولار نهاية عام 2025.

والإقراض المباشر هو آلية جديدة ضمن الإطار العام الذى يطلق عليه الاقتصاد التشاركى، وهى تستخدم منصات الإنترنت المختلفة لمساعدة المستثمرين على استثمار أموالهم بإقراضها سواء للشركات أو الأفراد بدون تدخل من المؤسسات المالية التقليدية، وهو ما يساعد الطرفين على تجاوز العقبات والشروط التى تفرضها هذه المؤسسات، وهذا السبب هو من ضمن العوامل التى دفعت هذه الصناعة للانطلاق بشكل سريع خلال سنوات قليلة.

وأشارت تقارير دولية إلى أن صناعة الإقراض المباشر سجلت نحو 1.2 مليار دولار خلال عام 2012 قبل أن ترتفع بشكل سريع إلى 3.5 مليار دولار خلال 2013 و9 مليارات دولار فى 2014، وتضاعفت 7 مرات إلى 64 مليار دولار فى عام 2015، متوقعة أن تصل الصناعة لنحو 1000 مليار دولار بنهاية عام 2025.
وأوضحت التقارير أن نحو %26 من مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية يعترفون بآلية الاقتراض الجديدة، ويصل حجم هذه الصناعة هناك إلى نحو 9 مليارات دولار فى 2014 ارتفعت لنحو 86 مليارا خلال العام الماضي.


■ مسئول مصرفى: لا أتوقع أن تنتشر هذه النوعية فى مصر

■ ‏«Business Community» أول مؤسسة للاستثمار المباشر تسعى للعمل بها

وتعتبر منصة «Beehive» لإقراض النظراء أو الإقراض المباشر للأعمال التى تأسست عام 2014، هى أول منصّة إقراض مباشر للنظراء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تخضع لتنظيم الجهات الرقابية، ويقع مقرها فى دبى ويستثمر فيها صندوق محمد بن راشد لدعم المشروعات وصندوق الرياض للتقنية.
كيف تعمل آلية الإقراض المباشر

تعمل من خلال منصات إلكترونية تقوم بدور المنسق أو الرابط بين المستثمر (صاحب المال) الذى يقوم بفتح حساب لدى الموقع الإلكترونى، وإيداع مبلغ من المال وتقديم عروض للإقراض، وفقًا للشروط التى تضعها المنصة على مستوى أسعار الفائدة وشروط الإقراض والنسبة المستقطعة للموقع مقابل إدارة العملية، ويقوم الشخص الراغب فى الاقتراض بملء استمارة بيانات تحدد احتياجاته المالية وبيانات الدخل، وهى التى يتم تحديد نسبة الفائدة وحجم المال الذى يمكن اقتراضه بناء على درجة المخاطرة.

ويقوم المقرض بفتح حساب مالى، وإيداع المال، والمقترض يقوم بملء ملف تعريفى حول وضعه المالى وحجم القرض الذى يحتاجه وعلى أساسه يتم تحديد معدل الفائدة الذى سيتحمله نظير القرض، ويمكن للمقترض أن يراجع أكثر من عرض متاح على المنصة الإلكترونية وقبول الأنسب له.

وتتخصص بعض المنصات فى نوعيات معينة من الإقراض مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة أو برنامج تمويل القروض الشخصية لمختلف الأغراض أو لإعادة تمويل قروض البطاقات الائتمانية، ورغم أنه كان ينظر لهذه النوعية من الإقراض على أنها مخصصة للعملاء الذين يتم رفضهم من قبل البنوك الرسمية، فإنه مع مرور الوقت وسهولة الإجراءات أصبحت قبلة لنطاق أكبر من العملاء خاصة فى ظل انخفاض الفائدة فى بعض الأحيان عن الفائدة المفروضة من المؤسسات الرسمية.

ورغم أن الفائدة المفروضة على هذه القروض قد تنخفض عن فائدة البنوك الرسمية فى حالة وجود تاريخ ائتمانى وملاءة مالية قوية للمقترض سواء من المؤسسات أو الأفراد، فإنه فى حالة وجود بيانات مالية ضعيفة قد ترتفع الفائدة بشكل كبير، فعلى سبيل المثال حدد موقع «Peerform» المتخصص فى الإقراض المباشر أسعار فائدة لشهر أبريل تتراوح بين %5.99 إلى %29.99.

مصرفيون يختلفون حول إمكانية انتشارها فى مصر

بينما يسعى البنك المركزى إلى توطين صناعة التكنولوجيا المالية فى مصر وتحويلها إلى مركز مهم على المستويين الإقليمى والعالمى خلال الثلاث سنوات المقبلة، بوضع إستراتيجية طموح فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية، يثور السؤال حول مدى فرص انتشار هذه الصناعة فى مصر.

وقد اختلف مصرفيون وخبراء حول قدرة السوق المحلية على استيعاب هذه النوعية من الإقراض، خاصة وأن الأمر يقوم على مخاطرة عالية فى ظل عدم وجود ضوابط واضحة للتحكم فيه وعدم خضوعه لجهات رقابية، بينما يرى آخرون أن التطور لابد وأن يأخذ مجراه وأن التكنولوجيا الحديثة التى تأخذ فى الانتشار داخل مصر ستدفع بالشركات والعملاء بلا شك إلى مثل هذه النوعية من المنتجات والخدمات خلال الفترة المقبلة.

ورأى طرف ثالث أن السوق المحلية غير مؤهلة لما يسمى بالإقراض المباشر بينما يمكن أن تكون هنك فرص وبنية تشريعية تتيح ما يسمى بـ «P2P Equity» وهى المنصات التى توفر مساهمات من مؤسسات وأفراد للشركات التى ترغب فى زيادة رءوس أموالها وزيادة المساهمين لتمويل الخطط التوسعية.

وعلمت «المال» أن شركة « Business Community» الإنجليزية فى مرحلة متقدمة للحصول على إجراءات فتح مكتب تمثيل للعمل فى مصر فى مجال الاستثمار المباشر باستخدام الإنترنت «P2P Equity» لتوفير التمويلات للشركات المصرية الكبيرة فى القطاعات المختلفة، بالتشبيك بينها وبين مستثمرين من كل دول العالم.

وقال مسئول مصرى ضمن هيكل مساهمى الشركة، رفض الكشف عن اسمه، إن الشركة تقدمت للجهات الرقابية بترخيص للعمل فى مصر والفترة الحالية تشهد اتخاذ بعض الموافقات النهائية، موضحًا أن عددا من القطاعات الاستثمارية فى مصر لديها طلب عالمى واستفسارات من جانب مستثمرين دوليين.

ولفت المسئول إلى أن سوق الـ «P2P Equity» لديه فرص واعدة فى السوق المحلية ولا يتعارض مع التشريعات المصرية، لذلك فإن الشركة تستهدف تحقيق قصة نجاح فى مصر لا سيما وأنه لايزال مجالا جديدا، بينما فيما يتعلق بالـ «P2P Lending» فإنه قد يواجه بعض الصعوبات فى ظل القواعد الرقابية المحلية.
‏«Business Community» يبلغ رأسمالها حاليًا نحو 5 ملايين دولار، وهى مملوكة لشركة «Be Community» الإنجليزية القابضة ومساهمين آخرين، ويقع مكتبها الرئيسى بلندن، وهى حاصلة على ترخيص من هيئة الاستثمار بالمملكة المتحدة «FCA»، ولديها مكتب تمثيل فى دبى أيضًا.

وأكد المسئول أن الشركة نفذت العديد من العمليات التمويلية المهمة فى أسواق خارجية، بينما لم تقم بأى عمليات فى السوق المحلية بعد فى انتظار الحصول على التراخيص النهائية.

ولفت المسئول الذى يشغل منصبا رفيع المستوى بالشركة، إلى أن تطور التكنولوجيا وسهولة التواصل بين مجتمعات الأعمال فى الدول المختلفة جعل من فكرة التسويق المالى أكثر سهولة وقدرة على توفير الاحتياجات المالية للشركات من مستثمرين فى أى مكان فى العالم.
وقال مسئول مصرفى فى قطاع التجزئة المصرفية، إن العالم يشهد تحولا سريعا نحو آليات الإقراض المختلفة بخلاف البنوك لكن الأمر يخضع لعدد من العوامل أثناء تطبيقه فى الدول المختلفة.

وأشار إلى أن البنوك انخفض دورها فى مسألة الإقراض الشخصى فى عدد من الدول نتيجة إتاحة منصات الإقراض المباشر بين المقرض والمقترض من خلال الإنترنت، لكن طبيعة السوق المصرية تختلف خاصة وأن الأمر يتطلب العمل تحت مظلة البنك المركزى الرقابية واتخاذ آليات تحوطية ضد المخاطر المحيطة بهذا الأمر.

وتابع: «البنوك توفر قروضا شخصية للعملاء استنادًا إلى ثلاثة أمور أساسية وهى القدرة على السداد ومدى الاستقرار فى العمل والتاريخ الائتمانى مع القطاع المصرفى، وبناءً على هذه الأمور تتحدد أسعار الفائدة وحجم المخاطر المحيطة بالقرض، لذلك فإن حجم المخاطر قد يكون أيضًا من المعوقات التى تحول دون إمكانية إتاحة آلية الإقراض المباشر على منصات الإنترنت».

بينما قال وليد ناجى، رئيس قطاع التجزئة المصرفية ببنك الكويت الوطنى، إن التطور السريع للأدوات التكنولوجية على مستوى العالم سيجعل الدول المختلفة تجبر على تطبيق النظم المختلفة فيما يتعلق بالخدمات المالية وتستجيب لها من خلال وضع التشريعات المنظومة.

وأشار إلى أن التجربة أثبتت أن السوق تستوعب كل ما هو جديد لذلك فإنه مع مرور السنوات قد نجد تراجعًا لدور البنوك فى الخدمات المالية لصالح شركات وأدوات تعمل فى مجال التكنولوجيا.

وأكد أن البنك المركزى المصرى يعمل على الاستجابة لما هو جديد لا سيما وأنه اتخذ خطوات جادة نحو توطين التكنولوجيا المالية من خلال تدشين المختبر التنظيمى لتطبيقات التكنولوجيا المالية وطرح صندوق استثمار متخصص فى هذا الأمر.

تنامى الصناعة يقابله تحذيرات من المؤسسات الرسمية

وعلى مستوى التحركات الرسمية، حذر بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى تحليل نشره عام 2017، من أن اتساع نطاق الإقراض عبر آلية «P2P» فى الولايات المتحدة الأمريكية بدأ يشبه قروض الرهن العقارى التى تسببت فى الأزمة المالية العالمية عام 2008، فى ظل سعى المواقع الإلكترونية التى تعمل فى هذا المجال إلى تخفيف شروط التعامل لكسب مزيد من العملاء وهو ما يرفع درجة المخاطر ويزيد من احتمالية رفع نسب التخلف عن السداد.

فى السياق ذاته، تناول بنك المؤسسات المالية فى دراسة سابقة انتشار آلية الإقراض «P2P» فى الصين لا سيما للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر التى لم تتمكن من الحصول على قروض من المؤسسات الرسمية، نظرًا لعدم جدارتهم ائتمانيًا، موضحًا أن نسب الفائدة وانتشار تكنولوجيا الهواتف المحمولة فى الصين ساعد على انتشار مثل هذا النمط من التعاملات المالية.

وأشارت إلى أنه رغم انتشار منصات الإقراض الإلكترونى وتقديمها ضمانات صارمة للحفاظ على أموال المقترضين وتقليل معدلات التخلف عن السداد، إلا أن انتشار حالات النصب والاحتيال زادت من المخاطر مرة أخرى، وهو ما دفع السلطات الصينية لاتخاذ تدابير لتحويل منصات الإقراض الإلكترونى إلى منصات معلوماتية وليست منصات تمويل، كما تحظر القواعد الجديدة أن تقوم تلك الشركات بجمع الأموال وضمان الاستثمار، وعملت السلطات على تشديد اللوائح الخاصة بالقروض النقدية.

وحذر بنك التسويات الدولية من أنه رغم خروج عدد كبير من الشركات من السوق جراء هذه التعليمات إلا أن المخاطر عادت مرة أخرى بظهور عدد من الشركات الجديدة.