منذ فترة ليست بالبعيدة عرفت الحياة الثقافية المصرية تقليداً طالما اعتادت عليه الأوساط الثقافية في الدول الغربية، وهو إقامة حفلات توقيع للكتب والإصدارات الجديدة.
l
وبفضل ما تتمتع به هذه النوعية من التظاهرات الثقافية من مزج بين الغرض الثقافي المتمثل في الحوار المباشر بين الكاتب وقرائه، وبين الغرض التجاري المتمثل في أثره الترويجي والدعائي، فسرعان ما ازدهرت حفلات التوقيع وتزايد عددها بشكل كبير، فأصبحنا نسمع بشكل شبه يومي عن حفل توقيع لكتاب أو لديوان جديد.
ولأن ما زاد علي حده أنقلب إلي ضده، فقد بدأت حفلات التوقيع -بسبب هذا التزايد الكبير في عددها- تفقد جاذبيتها للجمهور الذي تناقص إقباله عليها تدريجياً.
.. لكن يبدو أن الناشرين والكتاب وجدوا مؤخراً طرقاً جديدة لإعادة قدر من الجاذبية لحفلات التوقيع، فبدأنا نسمع عن خروج حفلات التوقيع عن شكلها المعتاد للتحول إلي ما يشبه حفلات السامر الشعبي الذي يمتزج فيه الشعر بالغناء وبالمناقشات والمسامرات.
وهذا ما حدث علي سبيل المثال في حفل توقيع ديوان »شبر شبرين« للشاعر سالم الشهباني!
فلم يكن حفل توقيع تقليدياً، بل جاء الحفل كمزيج من القراءات الشعرية من ديوان الشهباني قرأها هو شخصياً أو جاءت علي لسان بعض الشعراء المشاركين في اللقاء، وتقاطعت هذه القراءات الشعرية مع غناء لبعض قصائد الديوان علي ألحان العود يغنيها فريق »مصرية وعلي« لإضفاء مزيد من الطابع الفني علي حفل التوقيع.
الشاعر ماجد يوسف، رحب بهذا التطوير في شكل حفلات التوقيع، مشيراً إلي أن الأدب والفن في جوهر لعبة ممتعة لمن يلعبها ولمن يتابعها، وإذا اندمجت عدة ألوان من الفنون واجتمعت في ليلة واحدة فهذا هو ما يتمناه الشاعر أو الأديب.
وأشار يوسف إلي أن ما حدث في حفل توقيع »شبر شبرين« كان بمثابة إحياء للتراث الشعبي، فهو قريب من فكرة السامر الشعبي الذي يمتزج فيه الغناء بالشعر بالمسامرات، وهو أمر يتلاءم مع مضمون الديوان الذي تدور فكرته حول الألعاب الشعبية المنتشرة في مصر، والتي قام سالم الشهباني بتقسيمها علي أنماط، فديوانه الأول »القطة العميا« عبر فيه عن الألعاب الشعبية في القاهرة الكبري، والأحياء المحيطة بها، وها هو ديوانه الثاني »شبر شبرين« يأتي ليعبر عن ألعاب المناطق الساحلية.
ويستطرد يوسف قائلاً: قيام سالم بالمزج بين أشعاره تلك والغناد بأصوات شرقية خالصة علي أنغام العود، أضفي أجواء خاصة متناغمة علي حفل التوقيع، ومستوحاة من مضمون الديوان، أي أن الحفل بالكامل كان ليلة شعبية خالصة.
وأشار يوسف ألي أن مثل تلك الأفكار لن تجدي إلا في حفلات توقيع دواوين الشعر، باعتبار أنه يمكن توظيف هذا الشعر غنائياً أو مزج تلاوة الشعر بمقاطع غنائية منتقاة، كما أن نجاح تلك الفكرة مرهون بقدرة الكاتب علي جذب عدد أكبرمن الجمهور لحفلات التوقيع، بعد أن بدأ يزهدها في الفترة الماضية نتيجة كثرتها وافتقادها الجديد.
نفس الرأي تبنته الكاتبة سهي زكي، التي رأت -هي أيضاً- أن تلك الفكرة لا تتناسب إلا مع حفلات توقيع دواوين الشعر، لأن طبيعة الغناء المصحوب بالعود لا تصلح للرواية أو القصة، لكن غناء بعض القصائد للشاعر أمر لطيف، وبالفعل فقد جاءت حفلات توقيع الدواوين التي نفذت تلك الفكرة -ومن بينها حفل توقيع ديوان »شبر شبرين«- مختلفة ومتميزة عن حفلات التوقيع الأخري.
وأكد سالم الشهباني أن تلك الفكرة لم تكن بقصد ابتداع وسيلة جديدة لجذب الجمهور، ولكنها إحدي السبل لخلق روح جديدة علي حفلات التوقيع، موضحاً أن ديوانه »شبر شبرين« هو الجزء الثاني من مشروعه الشعري لتوثيق الألعاب الشعبية المصرية، وأنه حاول أن يرسم تلك الألعاب بروح طفلة شقية تحاول تجاوز المعني المباشر للألعاب ولتبحث فيما تتضمنه المعاني، فكان ضرورياً أن يتم هذا العمل بحفل توقيع يضم بعض القصائد المغناة حتي يكتمل الإحساس بمعني الديوان.
وعن سيطرة هذا الشكل علي حفلات التوقيع، أوضح الشهباني أنه سيكون مجدياً في حفلات الشعر، لأنها تنتمي لنفس النوع، مشيراً إلي أن »بيت الحواديت« المقام منذ فترة في »دار ميريت« للنشر يقوم علي الفكرة نفسها تقريباً، وهي مزج الحكي بعدد من أغنيات التراث الشعبي علي أنغام العود، مما أدي إلي توافد الجمهور علي هذا المشروع.. لذا فإنه يتوقع نجاح تلك الفكرة في جذب الجمهور.