أكد عدد من خبراء القطاع المصرفي أهمية وجود إدارة متخصصة لمواجهة مخاطر عدم الالتزام، تتمتع باستقلالية تامة عن مجلس الإدارة التنفيذي، وتتبع بشكل مباشر الإدارة العليا. وأشاروا إلي أن المهام الرئيسية لإدارة الالتزام هي: التحقق من سير نظام العمل داخل البنك وفقاً للخطة والاستراتيجية التي وضعها مجلس الإدارة، بالإضافة إلي التحقق من أن جميع العمليات المصرفية التي يقوم بها البنك تطبق وفقاً للقوانين والتشريعات المنظمة للعمل المصرفي والتعليمات الصادرة من البنك المركزي.
طارق حلمى |
وأضاف الخبراء أن »إدارة الالتزام« تعد بمثابة درعٍ واقية داخل البنوك ضد مخاطر السمعة السيئة الناتجة عن مخالفة القواعد واللوائح والتشريعات التي قد تعرض البنك لعقوبات مالية وإدارية وقانونية، إلي جانب قيامها بوضع وتحديد اَليات وأطر مواجهة الجرائم المالية، خاصة عمليات غسل الأموال التي قد ينتج عنها خسائر السمعة.
وأوضح الخبراء أن بنوك القطاع المصرفي بدأت تبدي اهتماما كبيراً بإنشاء إدارة متخصصة لمخاطر عدم الالتزام مؤخراً، خاصة إنها إدارة حديثة النشأة، واقتصرت مهامها في بداية الأمر بمكافحة عمليات غسل الأموال، حيث حدث خلط لفترة طويلة بينها وإدارة التفتيش، إلي أن تم وضع حدود فاصلة بينهما وتحديد وتوصيف مهام كل منهما.
وأشار الخبراء إلي قيام إدارة الالتزام بإعداد التقارير النهائية حول مخاطر عدم الالتزام داخل جميع الإدارات والقطاعات العاملة بالبنك، تمهيداً لعرضها علي مجلس الإدارة ولجنة المراجعة المنبثقة منه لمناقشتها إلي جانب إعداد تقرير عن الإدارة التنفيذية ومدي التزامها بتنفيذ تعليمات وقرارات مجلس الإدارة ودرجة تحقيق الأهداف المرجوة.
وأكد الخبراء ضرورة التعاون بين إدارة الالتزام وجميع الإدارات والقطاعات العاملة داخل البنك لتيسير عملية تدفق البيانات والمعلومات التي تتيح لها أداء عملها علي أكمل وجه، خاصة أن ذلك يصب في الصالح العام للبنك، ويعمل علي ضبط إيقاع العمل داخل كل إدارة.
من جانبه أكد الدكتور إسماعيل حسن، رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب لبنك مصر إيران للتنمية، محافظ البنك المركزي الأسبق، أن وجود إدارة مختصة للالتزام داخل البنوك مسألة في غاية الأهمية ودورها الأساسي هو الرقابة علي مدي التزام العاملين بالتشريعات والقوانين المنظمة للعمل المصرفي والتعليمات الصادرة من البنك المركزي، إضافة إلي النظام الأساسي وقواعد العمل بالبنك التي وضعت من قبل مجلس الإدارة.
وأرجع محافظ البنك المركزي الأسبق أهمية وجود رقيب داخل البنك لمتابعة تنفيذ التعليمات، إلي أن متخذ القرار ليس بالضرورة أن يكون هو منفذه، حيث إن حوالي %80 من وحدات الجهاز المصرفي يتم فيها الفصل بين منصبي رئيس مجلس الإدارة واضع خطة واستراتيجية البنك ومنصب الرئيس التنفيذي الذي يقوم بتنفيذ الخطة وفقاً للخطة الزمنية التي تحددها الإدارة العليا. وهنا يكمن ضرورة وجود رقيب علي جميع إدارات البنك، للتحقق من أن كل المعاملات والممارسات المصرفية التي يقوم بها البنك تتم وفقاً للقواعد والضوابط ونظام العمل الأساسي وقرارات مجلس الإدارة.
وأضاف »حسن« أن ثقل المسئولية الاقتصادية والاجتماعية للبنوك تحتم عليها وجود إدارة داخلية مختصة بالرقابة علي مخاطر عدم الالتزام للتأكد من سير العمل وفقاً للضوابط والقواعد، وحماية البنك من مخاطر السمعة وتجنب المخالفات القانونية، وأشار إلي أن البنوك والمؤسسات المالية العالمية أعطت اهتماما كبيراً لإدارات الالتزام في السنوات القليلة الأخيرة، حرصاً علي احكام أعمال الرقابة الداخلية واسهامها في نجاح مخططات البنك وحمايته من أي مخالفات للقوانين والأعراف المصرفية.
وأوضح رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب أن المهام الرئيسية لإدارة ووحدة الالتزام، تتمثل في إعداد تقارير حول مخاطر عدم الالتزام، التي قد تعرض البنك للمساءلة القانونية، أو توقيع عقوبات إدارية أو مالية نتيجة مخالفة تعليمات البنك المركزي. كما إنها مسئولة عن رفع تقاريرها إلي مجلس الإدارة بشكل مباشر، حيث إنها تتمتع باستقلالية تامة حتي لا تتأثر بقرارات الغير، خاصة الإدارة التنفيذية.
واستطرد »حسن« قائلاً إن إدارة الالتزام مستقلة تماماً عن إدارة المراجعة الداخلية، ولكن بينهما علاقة تكاملية ناتجة عن استفادة كل واحدة من التقارير التي تعدها الأخري وأوضح أن إدارة المراجعة الداخلية وظيفتها الأساسية مراجعة المعاملات والعمليات المصرفية قبل تنفيذها وفي بعض الحالات الخاصة تقوم بمراجعتها بعد التنفيذ. أما إدارة الالتزام فتختص بالتحقق من تنفيذ الخطة الموضوعة من قبل المجلس وقراراته وإعداد التقارير الخاصة بمخاطر عدم الالتزام.
ولفت محافظ البنك المركزي الأسبق إلي أنه يتم التنسيق بين أعمال وحدة الالتزام وباقي إدارات البنك للحفاظ علي التعاون بينهما، وتسهيل تدفق البيانات والمعلومات التي تحتاج إليها لتحقيق الصالح العام للبنك، وأوضح أن هناك اختلافاً كبيراً في نوعية المخاطر التي تتولي إدارات الالتزام رقابتها وإعداد تقارير عنها، وهي مخاطر السمعة والتشغيل وعدم الالتزام بالقوانين والتشريعات، وما إلي ذلك من مخالفات قرارات المجلس وتعليمات المركزي. أما إدارة المخاطر فتختص بدراسة مخاطر الائتمان والسوق والاستثمار، ويتم التنسيق بينهما لتيسير عملية تدفق البيانات.
وأشار رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب إلي أن البنك المركزي أبدي اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة بأهمية وجود إدراة للالتزام علي درجة عالية من الكفاءة داخل وحدات القطاع المصرفي، لافتاً إلي أن عمليات التفتيش الميداني التي تقوم بها وحدة الرقابة والاشراف علي البنوك بدأت تهتم في المقام الأول بالتحقق من مدي فاعلية وكفاءة إدارة الالتزام، إضافة إلي دراسة ومراجعة التقارير التي تقوم بإعدادها، حيث إن تلك التقارير تيسر عليها إنجاز جزء كبير من مهام التفتيش.
ومن جهته أشار حسن الشريف، المدير العام ببنك الشركة المصرفية العربية الدولية إلي تعدد مهام إدارة الالتزام داخل البنك، فهي المسئولة بشكل مباشر عن مكافحة عمليات غسل الأموال لحماية البنك من مخاطر السمعة، والتأكد من عدم وجود أي مخالفات قانونية في العمليات المصرفية، مضيفاً إنها مختصة بالرقابة علي تطبيق جميع القواعد والتعليمات الصادرة عن البنك المركزي والقوانين والتشريعات المتعلقة بالنشاط النقدي والتجاري في العمل المصرفي. وتقوم بالاشراف والرقابة علي جميع العمليات المصرفية التي توجد لها تشريعات أو تعليمات من أي جهة رقابية، مثل عمليات زيادة رؤوس الأموال، فلابد من التحقق من أنها تتم وفقاً للقواعد الداخلية والخارجية.
وقال »الشريف« إن دور إدارات الالتزام علي صعيد التطبيقات الداخلية هو التأكد من أن جميع العمليات مطابقة للسياسات المختلفة التي يضعها مجلس الإدارة، وأهمها السياسة الائتمانية والاستثمارية وسياسة التعامل في الأسهم والسندات والعملات الأجنبية، إلي جانب التحقق من ملاءمة نظام تكنولوجيا المعلومات، ومدي قدرته علي تنفيذ العمليات لمنع حدوث الأخطاء وازدواجية الملفات والبيانات والتحقق من كفاءة وفاعلية إدارة التفتيش الداخلي.
وأشار المدير العام إلي أن إدراة الالتزام لديها أدوات واَليات رقابية داخل الفروع، ولديها مسئول التزام في كل فرع يقوم بمتابعة ومراقبة العمليات المصرفية، وعمل تقرير دوري يحتوي علي الملاحظات المهمة التي تحتاج إلي متابعة. وبعد ذلك يقوم مدير إدارة الالتزام باعداد التقرير النهائي تمهيداً لعرضه ومناقشته مع مجلس الإدارة، إضافة إلي إعداد تقرير منفصل عن الإدارة التنفيذية ومدي كفاءتها وفاعليتها في تطبيق قرارات المجلس واستراتيجيته، لافتاً إلي أن رئيس قطاع الالتزام يتبع مجلس الإدارة بشكل مباشر وله صفة استقلالية، حتي تكون له سلطة تقييم الإدارة التنفيذية.
وأضاف »الشريف« أن المسئول عن تقييم مدي فاعلية إدارة الالتزام هو مجلس الإدارة ولجنة المراجعة المنبثقة منه، مؤكداً استحالة خضوعها للاشراف من قبل اللجنة التنفيذية. فلابد أن يكون هناك فصل تام بينهما، حتي تتمتع بحرية تامة عند تقييم ومراجعة أعمال المجلس التنفيذي، وشدداً علي ضرورة التنسيق والتعاون بينهما، حرصاً علي مصلحة البنك للأهمية البالغة لأعمال إدارة الالتزام، وحماية البنك من مخاطر السمعة والتشغيل والمخالفات القانونية وجرائم الأموال، وأهمها مكافحة غسل الأموال.
ولفت المدير العام الانتباه إلي أن مهام إدارة الالتزام داخل البنوك متشابكة ومتشعبة، حيث إنها الإدارة المختصة بالرقابة الداخلية علي العاملين والإدارات المختلفة للتحقق من سير نظام العمل وفقاً لقواعد وتعليمات البنك المركزي ومجلس الإدارة وجميع التشريعات الخاصة بالجهات الرقابية الخارجية. ويؤخذ رأيها في تقييم أداء العاملين بالبنك بالتنسيق مع إدارة الموارد البشرية وتحديد الدورات التدريبية التي يحتاجها الموظفون، خاصة الدورات والبرامج التدريبية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال.
من جهته قال طارق حلمي، العضو المنتدب السابق بالمصرف المتحد إن إدارات الالتزام انشئت حديثاً بالقطاع المصرفي المحلي وتحديداً قبل حوالي 7 سنوات. وقام البنك المركزي بإصدار تعليمات وتوجيهات لوحدات القطاع في السنوات الأخيرة الماضية بضرورة إنشاء إداراة مختصة بمخاطر عدم الالتزام، وأضاف أن تلك الإدارة تم تأسيسها في بداية الأمر لمراقبة عمليات غسل الأموال عن طريق إدارة مختصة، ثم تطورت بعد ذلك متطلبات إدارات الالتزام، وأصبحت تقوم بالإشراف والرقابة علي جميع الإدارات والقطاعات داخل البنك للتحقق من تنفيذ الأعمال طبقاً للوائح والإرشادات المنصوص عليها.
واستطرد العضو المنتدب السابق قائلاً إن إدارة الالتزام مسئولة عن إعداد تقارير دورية عن رئيس مجلس الإدارة و اللجنة التنفيذية وجميع الإدارات والقطاعات ومدي التزامهم بالقواعد والأعراف المصرفية وتعليمات البنك المركزي والقوانين والتشريعات المنظمة للعمل المصرفي. وأشار إلي تعدد مهام وواجبات »الالتزام«، خاصة في الوقت الحالي حيث إنها أصبحت أكثر فاعلية داخل البنوك، ووجودها يعد ضرورة قصوة لحماية البنك من مخاطر السمعة والتعرض للمخالفات القانونية.
ولفت إلي أن إدارات الالتزام تقوم بعمل زيارات تفتيش مفاجئة للفروع للتحقق من مدي التزام العاملين بتنفيذ العمليات المصرفية طبقاً للقواعد والتشريعات وحفظ البيانات والمستندات بشكل سليم، إضافة إلي أنها تقوم بعمل زيارات تفتيش في أوقات الاجازات للتحقق من التزام العاملين بالفرع بحفظ المستندات والأوراق في خزائن مؤمنة ضد الحرائق.
وانتقد »حلمي« اغفال عدد كبير من البنوك صغيرة الحجم، أهمية وجود إدارة مختصة لمخاطر عدم الالتزام ومواجهة مخاطر السمعة نتيجة الاخفاق في الالتزام بالقوانين والمعايير الرقابية، ووصفها بأنها كارثة حقيقية تهدد مستقبل تلك البنوك.
وعلي جانبٍ اَخر أشار العضو المنتدب الأسبق إلي أنه في الوقت السابق حدث خلط داخل الوسط المصرفي بين مهام وواجبات إدارتي التفتيش والالتزام لفترة طويلة وذلك لعدم وجود حدود فاصلة بينهما وقامت البنوك بتكليف إدارة الالتزام في ذلك الوقت بمكافحة عمليات غسل الأموال. وبعد ذلك قامت البنوك بتوصيف وتحديد مهام وواجبات كل إدارة منهما علي حدة ووضع حدود فاصلة بينهما.
وأكد »حلمي« الأهمية البالغة لوجود إدارة متخصصة للالتزام داخل جميع وحدات الجهاز المصرفي، خاصة مع بدء تطبيق اتفاقية »بازل2« التي تنص علي ضرورة وجود إدارة لمجابهة مخاطر عدم الالتزام compliance department ، وأشار إلي أن »الالتزام« تقوم بإعداد تقارير دورية عن جميع أنشطة وإدارات البنك وتقدمها مباشرة إلي مجلس الإدارة ولجنة المراجعة المنبثقة منه لمناقشة تفاصيل التقارير، والوقوف علي مدي التزام الإدارة التنفيذية بالشروط والمحددات التي وضعها المجلس، ومدي التزامها بتعليمات وتوجيهات البنك المركزي.
ولفت إلي أن لجنة المراجعة المنبثقة من المجلس هي المسئولة عن تقييم أداء وكفاءة إدارتي التفتيش والالتزام ومناقشة التقارير الخاصة بالادارتين التنفيذية وغير التنفيذية.