لحلي المصرية ليست مجرد قطع من الذهب والفضة مرصعة أحيانا بأحجار كريمة وإنما هي مخزون من العادات والتقاليد العريقة.. ويعكس بريقها الكثير من ملامح التاريخ البعيد.. هكذا تلخص عزة فهمي »مجوهرات مصر الساحرة« في كتابها الجذاب الذي يحمل الاسم نفسه والصادر عن الجامعة الأمريكية في طبعة ثرية بالصور واللوحات.
بدأت عزة فهمي علاقتها بالحلي عام 1969 حينما ساقتها المصادفة وهي في معرض الكتاب إلي كتاب باللغة الألمانية عنوانه: »المجوهرات التقليدية في العصور الوسطي« ألفه كيلمنت بيندا.. ورغم أنها لم تفهم ما به من كلمات فإنها تمتعت بما به من صور شدت انتباه خريجة كلية الفنون الجميلة وكانت موظفة في الحكومة تصمم أغلفة الكتب.
بعد أن اقتنت عزة فهمي ذلك الكتاب أدركت أن عالم المجوهرات هو العالم الذي يناسبها.. فقد حركت صور المجوهرات في الكتاب صور حلي والدتها ونساء عائلتها ونساء الأحياء الشعبية والريفية.. ساعتها سألت نفسها: كيف يمكنها أن تقتحم هذا العالم ؟..
ووجدت الإجابة في خان الخليلي فتقول: في ورشة الأسطي رمضان بدأت أولي خطواتي الجريئة.. وكنت سريعة التعلم حتي إن عم رمضان قال لي: »يبدو أنه سيأتي يوم ونطلق عليك لقب »الأسطي عزة«.. وهي نبوءة تحققت بالفعل فيما بعد«.
طبقت عزة فهمي ما تعلمته في ثلاثة خواتم من الفضة باعت الواحد منها بخمسة جنيهات لكن الأهم من المكسب أنها شعرت بأن أعمالها تثير الإعجاب.. فراحت تبحث عن مزيد من فرص التعلم حيث اتجهت إلي الحاج سيد.. أمهر صناع الفضة.. وتقع ورشته بالقرب من شارع الموسكي.. وتقول: بعد أن أنهيت تدريبي هناك قررت أن أستقل بنفسي.. واستأجرت حجرة صغيرة في عمارتي وبدأت تصميم الحلي التي تحمل طابعي.. ولم أعرف سحر ما أصنع إلا عندما زارتني صديقتي »عطيات الأبنودي« بصحبة المخرج الفرنسي جون ماري درو الذي أعجب بالحلي واشتراها.. فأدركت أن ما أصنعه يعجب السياح.
أول معرض أقامته عزة باعت فيه كل ما صنعت وكسبت 750 جنيهاً وهو مبلغ أتاح لها تأجير شقة في حي الدقي حولتها إلي ورشة ومعرض لمنتجاتها وأصبح يوم الثلاثاء هو يوم معرضها الأسبوعي.
عالم الحلي في مصر يحمل خصوصية تميزه عن غيره.. فالحلي ليست وسيلة للتزين فقط وإنما وسيلة للتوفير والضمان الاجتماعي أيضا.. ومن ثم فالمرأة في الطبقات البسيطة تحرص علي شراء الذهب بشرط أن يكون بسيطا حتي لا تدفع فيه مصنعية مرتفعة وبالتالي لا تخسر عند بيعه.. ونفس المنطق تطبقه المرأة في الطبقات الراقية والفارق الوحيد أنها تفضل »الماس« عن الذهب.
وتستمر عزة وتقول: المخرطة هي ملكة التصميمات في الحلي وكذلك الساقية المنتشرة أكثر في الصعيد وهناك اعتقاد بأن الحلق الساقية يقي المرأة من الصداع.. أما الأساور المصنوعة علي شكل ثعابين فتعود إلي الرومان.. ولعل أكثر القطع أنوثة الخلخال….وتبقي المرأة البدوية هي الفنان الحقيقي الذي يقف وراء تصميم وتنفيذ الحلي.. في واحة سيوة تعرفت علي عبد الله باجهي الذي يملك أقدم محال المشغولات اليدوية.. وهو يقول إن سيوة اشتهرت بحلي صانع شهير اسمه »سانوسي«.. معروف باسم جاب جاب.. لكنه توقف عن العمل بعد الحرب العالمية الثانية.. وتأثرت الحلي في سيوة بالحياة في شمال افريقيا وعكست ملامح حياة البربر نفسها عليها فجعلت مشغولات الفضة ليس لها مثيل.
وتلعب الفضة مع الذهب الأبيض دور البطولة في صناعة الحلي ويظهر تأثر الواحة بالدين الإسلامي من خلال الخاتم المحبس الذي تضعه المرأة في كل أصابعها باستثناء الإصبع الخاص بالتشهد عند الصلاة.. كما تشتهر الواحة بكردان يسمي »تاشون شانت« وهو عبارة عن كف صغير يعرف بكف فاطمة.. في إشارة إلي السيدة فاطمة ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي واحتي الداخلة والخارجة توجد أسورة الكريم المصنوعة من العنبر التي تتزين بها العروس بجانب سلسلة مكونة من سبع طبقات من الأحجار غير الكريمة ويطلق عليها الفقش.. كما تتزين المرأة هناك بأسنان فاروق وهي مصنوعة من الزجاج الأبيض والأحمر وقد كان الاعتقاد بأن الملك فاروق لابد ان تكون أسنانه من الذهب واللؤلؤ فقلدوها.
أما الواحة البحرية الشهيرة بجمال نسائها فتهتم المرأة بالثياب أكثر من الحلي التي تقتصر علي حلق الأنف فقط ويصنع عادة من الذهب عيار 21 وليس له حجم معين ولا تستعمله إلا المرأة المتزوجة ولا تخلعه إلا لو طلقت.. وهناك أيضاً كردان جلاجل.. أي كردان بأجراس صغيرة.
وفي سيناء ترتدي المرأة المتزوجة ملابس يطغي عليها اللون الأحمر أما الأرملة فترتدي اللون الأزرق وعندما يختلط اللونان فهذا يعني أن المرأة في حالة الحداد ولديها الرغبة في الزواج مرة أخري.
والبرقع جزء من ملابس المرأة هناك وتغطيه بكمية كبيرة من »الهلالات« وهي قطع من الفضة لها شكل دائري.. ورغم شهرة سيناء بالفيروز لكنه لا يستخدم إلا في خواتم الرجال.
ورغم تعدد الجماعات النوبية فإنها تتشابه في الحلي.. وقديماً كانت الفضة هي البطل.. لكن.. جاء الذهب ليسيطر علي حلي المرأة النوبية الآن.. وهو ما يعكس ثراء العائلات.
إنها رحلة ممتعة سجلتها عزة فهمي ليس للحلي في كل مكان في مصر فقط وإنما لحياتها هي أيضا.. لقد بدأت في ورشة صغيرة لكنها الآن تملك مبني كبيراً في مدينة 6 أكتوبر تديره ابنتها فاطمة التي تخرجت مثل والداتها في كلية الفنون الجميلة.. أما ابنتها الأخري أمينة فقد درست تصميمات المجوهرات في جامعة برمنجهام لتصبح الموهوبة الثالثة في العائلة التي صنعت مجدها من الحلي المصرية الساحرة والأصيلة.