»حريق المسافر خانة«، »حريق المسرح القومي«، »حريق قصر ثفافة بني سويف«، »سرقة لوحات قصر محمد علي« وأخيراً »سرقة لوحة زهرة الخشخاش«، أزمات كبيرة تعرضت لها المنظومة الثقافية المصرية علي مدار العقدين الماضيين، علي الجانب الآخر طالب المثقفون ـ الذين لم ينجح وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني أن يدخلهم الحظيرة ـ بإقالة وزير الثقافة وإعادة النظر في المنظومة الثقافية في مصر.
l
|
صلاح عيسى |
مشاهد مختلفة ورؤي عديدة تحكم حوادث وزارة الثقافة المتكررة، التي اشتركت جميعها في مشهد نهائي، وهو خروج الفنان الوزير والإعلان عن تنحيه عن الوزارة، ومطالبات يعقبها بيان من بعض المثقفين المقربين، يطالب الوزير بالبقاء، الأمر الذي طرح تساؤلاً مهماً حول تقييم أداء وزارة الثقافة ووزيرها خلال الفترة الماضية.
أكد الشاعرعبدالمنعم رمضان، أن الوزير الفنان فاروق حسني، قد تعاطي مع الثقافة بطريقة مختلفة لم يتبعها غيره من قبل، مشيراً إلي أنه الوزير الوحيد الذي سعي إلي افساد موظفيه فحملهم وزر الثقافة والمثقفين وألقي بهم في السجون حتي ينجو بنفسه، إضافة إلي ذلك فقد نفذ مخططه الذي سبق أن أعلن عنه فحقق أعلي معدل سيطرة علي المثقفين في مصر، فأنقذهم من المعتقلات والسجون، التي عانوا منها في عصر »عبدالناصر« و»السادات«، عقاباً لهم علي حرية فكرهم وإبداعهم ومعارضتهم للحكم، وقضي علي الفكر والإبداع وأدخل المثقفين إلي معتقل آخر، وهو معتقل السطحية والتفاهة والسبوبة، وتحول المثقفون إلي سجناء بلا بطولة، بعد أن كانوا سجناء رأيهم.
وأشار »رمضان« إلي أنه علي هامش ما فعله فاروق حسني بالثقافة في مصر، فإنه رجل استعراض، يقدم نفسه للناس من خلال فضائحه، وليس من خلال أعماله، تلك الفضائح التي لم تقتصرعلي الداخل فقط، ولكنها امتدت لليونسكو، موضحاً أن مصيبة »زهرة الخشخاش«، الأخيرة واحدة من سلسلة الفضائح التي لن تنتهي إلا بموت وزير الثقافة الحالي ـ ولا يمكن أن نتصور تغييره ـ علي حد تعبير »رمضان«، مفسراً ذلك بأن فاروق حسني أصبح هماً مصرياً لا يزول إلا برحيله.
وأضاف »رمضان« أن الأنظمة الراهنة تعلمت الدرس جيداً، فلا يكفي أن يكون النظام فقط هو من يتمتع بالفساد، ولكنهم يمتدون لإفساد الشعب بأكمله ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، فتموت أي محاولات من هذه الشعب للتغيير، وبالتالي تضمن الدولة استقرارها.
ويختتم »رمضان« حديثه، مؤكداً أن وزارة الثقافة لن تذهب لغير فاروق حسني، لأنه أثبت أن الفضائح التي ترتكب في وزارته تقوم بتثبيته أكثر في موضعه.
وأكد الكاتب الدكتور أحمد الخميسي، أن إدارة فاروق حسني لوزارة الثقافة في مصر، هي جزء لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة، ويمكن اختصار تقييم وزارة الثقافة في الجملة الشهيرة التي أدلي بها فاروق حسني، عندما قال »إنه أدخل المثقفين حظيرة الوزارة«، هذه الجملة وما ترتب عليها يمكنها أن تكون دليلنا في فهم السياسة الأساسية التي بنيت عليها وزارة الثقافة واستمر بها فاروق حسني ما يزيد علي 20 عاماً، وعدد »الخميسي« الممارسات السلبية التي تعاني منها الثقافة في مصر، نتيجة ممارسات وزير الثقاقة، قائلاً: إن فاروق حسني جعل من الثقافة علماً يباع ويشتري بلا مواقف تتخذ ضده، ولا مساءلات قانونية تمنعه من التعامل مع الثقافة والمثقفين علي أنهم بلا قيمة فعلية بدونه، وأصبحت الثقافة في مصر مقصورة علي عدد من المهرجانات والطبول والـ»صاجات«، ليس أكثر، وأشار »الخميسي« إلي أن مصر بها حوالي 80 مليون فرد ولا توجد بها مجلة متخصصة واحدة تخدم المثقفين المصريين، الذين يتزايد عددهم كل فترة، باستثناء ما يقدمه نادي القصة، أما فيما عدا ذلك فإن كل المجلات المتخصصة التي كانت بصدد تغيير رؤية الثقافة في مصر علي غرار »إبداع« تم منعها من النشر.
وعلي مستوي المسرح، لم يعد الاهتمام بالمسرح الجيد كما كان في السابق، وما يقدم فعلياً علي المسارح حالياً لا يرقي إلي الذوق الجيد، فلم نشهد علي مدي ربع قرن مسرحاً متخصصاً في عرض كلاسيكيات المسرح ليوسف إدريس، ومحمد سالم، ولم يعد يعبر عن المسرح سوي »المسرح التجريبي«، الذي لا يقدم إلا العري والتفاهة، والأوبرا التي اخترعها سيد درويش، وزكريا أحمد، ولا يتم الاهتمام بتاريخهما، هذه السلبيات وغيرها من العشرات من المعوقات هي انجازات وزارة الثقافة، ووزير الثقافة علي مدي ربع قرن، والسرقات المتكررة، والحرائق التي يذهب ضحيتها الأبرياء، ويدفع ثمنها موظفو »حسني«، والتي تنتهي علي الدوام ببيان يعيد »حسني« حبيب الملايين، هي ما تؤكد أن المثقف المصري باع ضميره وأهمل قضيته الرئيسية، وهي الاهتمام بالقضايا العامة والمجتمعية والتي من شأنها الارتقاء بالوطن.
وعن تغيير وزير الثقافة الحالي، أكد »الخميسي« أنه لابد من التخلص أولاً من المنظومة التي تحكم الثقافة في مصر، والتي تسير الوزارة وفقاً لها، حيث إنه لا يمكن أن يكون الوزير هو المتحكم الأول والأخيرفي الوزارة، وهو الذي يمسك بجميع الخيوط التي من شأنها تسيير الأمور في الوزارة، ومن ثم يمكن اختيار رجل آخر يستحق ذلك المكان ويستحقه كثيرون، ومن الأسماء التي اقترحها »الخميسي« لتقلد منصب وزير الثقافة، الروائي بهاء طاهر، وهو أحد المثقفين الذي يستحق هذا المكان بجدارة لما يقدمه للأدب العربي، وما يتمتع به من مبادئ ونزاهة يشهد بها الجميع علي حسب قول »الخميسي«.
فيما يري الكاتب صلاح عيسي، رئيس تحرير جريدة القاهرة، أنه من الخطأ الفادح أن يتم تحميل وزير الثقافة كل الأخطاء والحوادث التي تشهدها الوزارة أو الحياة الثقافية عامة، فهناك مشاكل مشاهبة تعاني منها الوزارات الأخري، والتي ترجع بصورة أساسية إلي إهمال الموظفين المختصين، الذي يرجع بدوره إلي عدم كفاءة الكادر الإداري بالكامل في المؤسسات الحكومية وبعض المؤسسات الخاصة، خاصة الكادر المكلف بتأمين المواقع الإنتاجية، وعدم وجود معالجة قانونية للفسادين المالي والإداري.
وطالب »عيسي« بأن يتم تطوير اللوائح والقوانين التي تنظم عمل الموظفين في الهيئات العامة، بالإضافة إلي ضرورة تأهيل الموظفين حتي تتناسب قدراتهم مع المهام المطلوبة منهم.