
محمدي الجارحي – محمود جمال
أكد المشاركون في ندوة »الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات« التي عقدت مؤخرًا بساقية الصاوي، ضرورة أن يشارك قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بقوة خلال الفترة المقبلة في مجال تصنيع الالكترونيات، لما يحققه من قيمة مضافة للاقتصاد، وأشاروا إلي أن القطاع كان يستنزف من موازنة الدولة 6 مليارات دولار في صورة ورادات أجهزة ومعدات وأجهزة كمبيوتر ومحمول دون أن تكون هناك أي مشاركة في مجال التصنيع.
وألقي المشاركون في الندوة بالمسئولية علي الحكومة السابقة ووزارة الاتصالات في أنها لم تحاول المساهمة في دعم الاقتصاد المصري، وكان دورها يقتصر علي بيع الأصول التي تمثلت في بيع رخص للشركات، وهو ما يتنافي مع الدور الذي كان ينبغي أن تقوم به الوزارة من جذب الاستثمارات الأجنبية بصورة أكبر، خاصة التي تركز علي الجانب التصنيعي وتأهيل الكوادر البشرية.
وطالبوا بضرورة أن يكون هناك دور حقيقي للشركات العاملة في القطاع بما يساهم في تحقيق قيمة مضافة للناتج القومي، وإعطاء صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أهمية كبيرة خلال المرحلة المقبلة، مع الاهتمام بالجانب الخدمي في الوقت نفسه.
واعتبر أحمد صوفي أبوطالب، المستشار بمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن قطاع الاتصالات مستنزف لميزانية الدولة، حيث تشكل واردات القطاع 6 مليارات دولار سنويا، بينما تشكل واردات قطاع الزراعة 3.7 مليار دولار، موضحًا أن قطاع الاتصالات يحتوي علي %2 فقط من قوة العمل، فيما تصل هذه النسبة في بقية دول العالم إلي %10 من قوة العمل، بينما يحتوي قطاع الزراعة علي %17 من قوة العمل، مشيرًا إلي أنه لا يقابل الزيادة الكبيرة في معدلات ورادات قطاع الاتصالات إلي تطور في الصناعات الالكترونية.
وقال »أبوطالب« إننا في مصر نتبع سياسة »تربيط المسامير وليس عمل المسامير«، وأرجع هذا الخطأ الكبيير إلي حكومة رئيس الوزراء الأسبق، د.أحمد نظيف، ووزير الاتصالات السابق، د.طارق كامل، وهو ما أدي إلي عدم وجود اهتمام بالصناعات الالكترونية، وعدم وضعها في صدارة الأولويات، مشيرًا إلي أن قطاع الاتصالات في الصين الذي يمثل قاطرة التنمية، استطاع أن يساهم بنسبة كبيرة جدًا في الاقتصاد الصيني وذلك بسبب إعطاء الدعم الكامل لهذه الصناعات، حتي وصلوا إلي مرحلة متقدمة انتهت بتصنيع الأجهزة.
وأرجع »أبوطالب« عدم انتشار الصناعة في قطاع الاتصالات إلي اتجاهات الوزراء السابقين، والتي كانت تؤكد أن الصناعة ليست من أولويات وزارة الاتصالات، موضحًا أن تنفيذ أي مشروعات في القطاع سيعتمد بالدرجة الأولي علي صناعة الكمبيوتر والموبايل، لتلبية احتياجات السوق المحلية والباقي للتصدير.
وطالب »أبوطالب« بضرورة السير علي نهج الصين في عمل وزارة للصناعات الالكترونية أو عمل وحدة خاصة بالوزارة تكون مسئولة عن مثل هذا القطاع ولها صلاحيات واسعة للعمل علي جذب الاستثمارات وإعطاء الدعم السياسي، مشددًا علي ضرورة إعطاء القطاع الخاص الأولوية في هذا المجال وتشجيعه علي غرار الدول الأخري، من خلال منح امتيازات للصناعات التي يقوم بها القطاع الخاص والتي تحتاجها الدولة.
كما أرجع »أبوطالب« السبب في انحدار قطاع الاتصالات، إلي أن النظام السابق كان يخدم علي مصالح زوجة الرئيس السابق وابنه جمال مبارك.
وأوضح »أبوطالب« أنه يتم حاليا عرض عدة دراسات علي مجلس الوزراء، خاصة بفرص العمالة بقطاع الاتصالات علي نهج الصين، حيث تشير الدراسة إلي أنه يمكن خلق من 4 إلي 5 ملايين فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر، بالتركيز علي صناعة الموبايل والكمبيوتر من خلال الشراكة مع الصين في هذا المجال، وذلك للتركيز علي الشراكة، لعدم القدرة علي المنافسة في تلك الفترة.
وتحدث حاتم زهران، رئيس شركة »إيكو إيجيبت للبرمجيات«، عن نتائج الاستراتيجية السابقة لقطاع الاتصالات، مؤكدًا أنها تسببت في عدم إنتاج أي جهاز صناعي في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما أنه لا يوجد لدينا أي ميزة تنافسية علي أي مستوي فيما يخص البرمجيات، فضلاً عن أن التداعيات الأخيرة الخاصة بثورة 25 يناير أدت إلي اختبار قدرة الشركات التي انهار العديد منها، بالإضافة إلي شركات الخدمات التي سقط الكول سنتر الخاص بها، كما أدت الاستراتيجية السابقة الخاصة بقطاع الاتصالات إلي انتقاء الخبرات التدريبية والعمالة الجيدة المطلوبة في القطاع.
وأكد أن محصلة صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نتيجة الوضع السابق تتساوي مع الصفر، وما كسبه القطاع هو زيادة الوعي لدي المستخدم النهائي لاستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال الانترنت والمحمول.
كما طالب »زهران« بوضع مجموعة من الأهداف المستقبلية التي ينبغي الوصول إليها، فهناك هدف اقتصادي عبر تطبيق آليات العمل بالتجارة الالكترونية في كل المجالات سواء الإنتاجية الزراعية أو الصناعية أو التجارية أو الخدمية، وأشار إلي أن الهدف المالي هو تطبيق التعاملات النقدية الرقمية كبديل للتعاملات النقدية الورقية أو البلاستيكية أو التحويلات البنكية التقليدية.
وأضاف أن الهدف التعليمي يتحقق من خلال تطبيق التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد عبر أدوات الاتصال كالانترنت والمحمول، سواء أكان التعليم الأولي أو العالي أو المعرفي أو البحثي، في حين أن الهدف الاجتماعي يعمل علي تحميل جميع أنواع وأشكال وأوساط البيانات والمعلومات والمعارف التقليدية إلي محتوي رقمي، سواء المعارف السمعية والمرئية والحركية والنصية عبر أدوات الاتصالات الإذاعية والفضائية والورقية إلي الصورة الرقمية عبر الانترنت والمحمول، وذلك لسهولة ويسر ورخص إتاحتها للجميع.
ومن جانبه أكد أحمد الشربيني، مساعد وزير الاتصالات لشئون التعاون الدولي، أن المرحلة التي يمر بها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حاليا أو تمر بها الدولة ككل تستلزم صياغة رؤية جديدة تستفيد من تجارب الماضي لبناء قطاع قادر علي تلافي الأخطاء السابقة، مشددًا علي أهمية أن تنطلق المرحلة الحالية التي يمر بها القطاع تحت شعار »معًا نصيغ رؤية« دون أن يتم إقصاء أي طرف لديه رؤية واضحة ومحددة من شأنها أن تساهم في بناء القطاع خلال المرحلتين الحالية والمقبلة.
وأشار »الشربيني« إلي وجود رؤية في المرحلة المقبلة تتسم – علي حد تعبيره – بشبه اتفاق حيث لا يوجد إجماع علي أمر ما ، موضحًا أن هذه الرؤية من شأنها تحديد مستقبل القطاع وكيف سيعمل علي تحسين صورة مصر، لافتًا إلي أن كل منظمات المجتمع المدني والهيئات العاملة بالقطاع أصبحت تهتم بهذه القضية في الآونة الأخيرة.
وأضاف مساعد وزير الاتصالات لشئون التعاون الدولي، أنه علي الرغم من إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام 1999 لكن هذا القطاع يعد قطاعًا مؤثرًا وفعالاً يساهم في تنمية المجتمع حتي قبل إنشاء الوزارة، مشيرًا إلي أن تدشين الوزارة جاء – علي حد تعبيره – نتيجة كفاح استمر علي فترة تراوحت بين 25 عامًا و30 عامًا من أجل أن يكون هناك اهتمام حكومي بهذا القطاع.
ولفت »الشربيني« إلي أن الوزارة أتت بالأساس لكي ترعي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتعطيه مزيدًا من الاهتمام، مشيرًا إلي أن العديد من الدول لا سيما المتقدمة لا توجد بها وزارة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، نظرًا لأن فكرة إنشاء وزارة تقوم علي إدارة شئون القطاع توجد بالأساس في الدول النامية والدول الآخذة في النمو، حيث يكون من شأنها إعطاء دفعة للقطاع.
وأشار »الشربيني« إلي وجود قطاع يختص بتنظيم مرفق الاتصالات في الدول المتقدمة، علاوة علي هيئة تقوم علي إدارة البث الإذاعي واللاسلكي، بالإضافة إلي وجود هيئة تمثل الدولة تعمل علي دعم صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالدولة.
ونوه مساعد وزير الاتصالات لشئون التعاون الدولي، بأن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وضعت سياسة منظمة للقطاع تم تغييرها 3 مرات في عام 2000 و2003 و2007 استجابة للمتغيرات المحيطة بالقطاع، وانطلاقًا من كونه قطاعًا ديناميكيا يتأثر بما يحيط به من متغيرات، حيث تمثلت أبرز محاورها في إقامة بنية تحتية أساسية قوية، حيث كانت مصر تحتاج إلي توسعات في تقديم الخدمة فتم إنشاء العديد من السنترالات وغير ذلك من أجل إتاحة خدمة الاتصالات لأكبر عدد من الأفراد، وإقامة بنية تشريعية منظمة للقطاع، فدون وجود بنية تشريعية تنظم القطاع لا يمكن زرع أدوات تكنولوجية جديدة داخله، ولعل تلك هي العقبة التي تواجه مصر حاليا في تطبيق فكرة التصويت الالكتروني في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وقال إنه عقب وضع تلك السياسة وتغييرها تم إصدار قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 وتأسيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والذي تحول دوره من مجرد صورة شكلية شبيهة بصورة »Mickey mouse « في عام 1998 إلي دور فعلي وحقيقي في عام 2002 وصدر بعد ذلك قانون التوقيع الالكتروني عام 2004 وأنشئت هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا »ايتيدا«، مشيرًا إلي أنه تم التركيز بعد ذلك علي جانبين أساسيين هما: الاهتمام بالاستثمار في الموارد البشرية العاملة بالقطاع، علاوة علي التركيز علي الجانب التصديري للخدمات لجلب مزيد من العملات الصعبة للاقتصاد القومي، وهي المحور الثالث.
وأرجع »الشربيني« عدم التركيز علي الجانب التصنيعي في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلي عدم احتلاله الأولوية علي أجندة الوزارة خلال السنوات العشر الماضية، مؤكدًا أن الأولوية في المرحلة السابقة كانت تتمثل بالأساس في تحقيق مردود بارز يحقق فائدة للاقتصاد القومي بصورة عامة دون النظر إلي المستقبل البعيد.
وأوضح »الشربيني« أن يكون قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا يمكن في المرحلة المقبلة أن يكون قطاعًا حكوميا صرفًا، لكن لابد من وجود دور حقيقي للشركات، خاصة أنه تم النظر إليه نظرة ضيقة في المرحلة السابقة، علاوة علي أنه لم يساهم بقيمة حقيقية مضافة في الناتج القومي للدولة غير ما يمكن وصفه – علي حد تعبيره – ببيع الأصول التي تمثلت في بيع رخص للشركات، علي الرغم من أن الطيف الترددي يعد موردًا نادرًا.
ولفت »الشربيني« إلي أنه كان يوجد اهتمام بالمحتوي في إطار وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابقة، خاصة أن مصر غنية بالمحتوي في جميع المجالات، حيث تم التعاون مع أكاديمية البحث العلمي لنشر المحتوي العلمي المناسب علي شبكة الانترنت، بالإضافة إلي التعاون مع اتحاد الناشرين لنشر إصداراته أيضًا والتعاون مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون لنشر المحتوي الفني والثقافي والإذاعي الخاص بالاتحاد علي شبكة الانترنت، لافتًا إلي أن هذا الاهتمام لم يتحول إلي واقع فعلي ملموس، حيث أخذ في معظمه شكلاً احتفاليا فقط.
ورأي »الشربيني« أن وجود قطاع رائد للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قادر علي المنافسة ومهتم بالعنصر البشري وخلق كوادر مؤهلة ويكون مدرًا للدخل للخزانة العامة للدولة، يتطلب ضرورة إعادة النظر في جميع المبادرات التي قدمت في المرحلة السابقة، وأن تدرس بعناية فائقة فكرة التصنيع حتي تكون لدينا في أقرب وقت ممكن صناعة متطورة قائمة علي الإبداع والتطوير الحقيقي.
وأكد مساعد وزير الاتصالات لشئون التعاون الدولي، أن الخطأ الحقيقي الذي كان موجودًا في السنوات العشر الماضية، تمثل في وجود شركات عملاقة بالسوق لا تستطيع تقديم جميع الخدمات المتقدمة التي يحتاجها أفراد المجتمع، فنشأت بالتالي كيانات حديثة تقوم علي تقديم تلك الخدمات المتطورة كخدمة »البرودباند«، واصفًا تلك الرؤية بالخاطئة لأنها لم تكن قائمة علي تقديم الخدمة المتكاملة، مما أدي إلي ارتفاع أسعار تقديم الخدمة، مما صعب من العمل علي تطويرها، مشيرًا إلي حاجة السوق في الفترة المقبلة إلي إدخال لاعبين حقيقيين قادرين علي تطوير السوق وتقديم خدمة متكاملة للعميل.