«تستطيع أن تحلم وأن تبتكر.. وتستطيع أن تخطط وتبني.. ولكنك بالتأكيد لن تتمكن من تحويل الحلم إلي حقيقة بدون الآخرين». تلك كانت أشهر نصائح رجل الأعمال «والت ديزني» التي تؤكد من خلالها لأي مدير طموح، أنه بحاجة إلي الآخرين ممن يعملون لديه، حتي يترجموا الحلم إلي واقع، ولذلك فهو يري ايضا انه يجب علي رجل الأعمال ان يسخر ملكاته ومهاراته ليقود الموظفين نحو النجاح والتميز في عالم تسوده المنافسة الشديدة، واضعاً أمامه حلاً لكل مشاكل العاملين بصورة فورية ومرضية لجميع الاطراف بتلك النظرة الهامة للآخرين، يصبح من الضروري ان يتمتع المدير بقدرة عالية في حل مشاكل العمل، وايجاد بدائل متاحة دائما لتلك الحلول.
حول هذا الأمر يقول حسن حمدان الشريك المسئول عن استشارات التنظيم والموارد البشرية بمؤسسة حازم حسن للاستشارات الإدارية أن قدرة المدير علي التعامل بنجاح مع مشكلات العاملين ترتبط بمستوي الفكر الإداري داخل الشركة، وطبيعة الأزمة التي يتعرض لها العمل، موضحاً ان المؤسسات التي تطبق نظم حديثة في الإدارة، تستطيع بنجاح وفاعلية حل مشكلات موظفيها سواء في الإدارة أو فيما بينهم.
ويضيف ان غالبية المشكلات التي تنشأ بين الموظف والمدير ترجع في غالبيتها إلي عوامل موضوعية ترتبط بعدم التزام طرف من الأطراف بقواعد العمل وآلياته، باستثناء حالات محدودة تكون المواقف الشخصية أساس التنازع بين الموظف والإدارة، مؤكداً ان قدرة المدير علي التعامل بسلاسة مع مشكلات العاملين ـ حتي وان كانت بسيطة ـ تقاس بمدي إزالة أسباب حدوث المشكلة من جذورها، وهي عادة ما تكون حسبما يوضح حمدان محصورة في أربعة عناصر:
1- عدم فهم الموظف لمسئوليات وظيفته لعوامل مرتبطة بعدم التوصيف الدقيق للمهام والمسئوليات.
2- إهمال العامل في التعرف علي الواجبات التي من المفترض قيامه بها.
3- غموض الواجبات وعدم وضوح الأهداف التي تضعها الإدارة.
4- تكليف المدير للموظف بمهام تفوق قدراته ولم يسبق له التدريب عليها، بما يخلق مشكلات متبادلة بين الطرفين.
مشيراً في الوقت نفسه إلي ثقل المهام الاشرافية التي يتولاها المدير داخل الشركات المصرية عادة، فتكون النتيجة هي تضخم الأعباء الإدارية وحدوث الكثير من المشكلات في العمل سواء مع المدير أو بين الموظفين.
وحول الكيفية التي يستطيع المدير التعامل بها مع مشكلات العاملين يؤكد حسن حمدان علي ضرورة التواصل بين المدير والموظفين، وفتح قنوات اتصال مباشرة وسريعة بين الطرفين بما ينعكس علي تخفيف حدة التوتر في العمل، مع ضرورة البحث عن أسباب وجذور المشاكل لمحاولة تجنبها في الحالات التي يؤدي تفاقم المشاكل بها إلي تعطيل العمل وتحقيق خسائر، مشدداً علي ان التدخل المباشر والمتوازن من جانب المدير يساهم في تخفيف حدة مشكلات العاملين بل ويساعد علي حلها بصورة سريعة لصالح الطرفين.
وفي حالات محدودة يؤكد حمدان علي أن العوامل الشخصية للمدير تلعب دورا قويا في تعامله مع مشكلات العمل، مشيراً إلي ان العلاقات الإنسانية وارتباط الموظف بالشركة يسهم بوضوح في حل المشكلة في مهدها، وذلك في المنطقة العربية علي الأقل، بينما تضع الشركات الغربية قواعد علمية صارمة لحل مشكلات العمل حتي وان كانت في نظرة الكثير من رؤساء الشركات المصرية متشددة ولكنها سريعة في اجراءاتها للانتهاء من أي نتائج قد تترتب علي الخلاف.
أما أحمد عطا مدير العمليات بشركة القاهرة لتداول الأوراق المالية فيؤكد علي ضرورة التفرقة بين مشكلات العمل، والخلافات التي قد تقع بين الموظفين والمدير، فالاولي يمكن تجاوزها بتعاون المدير والموظف، اما خلافات الموظفين فتتطلب نوعا من الشدة في التعامل معها لإنهائها بصوة جذرية، خاصة ان طبيعة مشكلات العاملين في مجال الأوراق المالية تستلزم التعامل معها بجدية لتأثيرها الشديد علي سمعة الشركة وعملائها.
وعن أبرز المشكلات التي يواجهها بالشركة وكيفية تعامله معها، يري أحمد عطا أن المدير الناجح هو الذي يدرك عدم قدرته علي إيجاد الحلول المناسبة لجميع الأفراد، وأن أقصي ما هو مطلوب منه التعامل مع المشكلات التي تدخل في دائرة مسئولياته وفتح حوار مع العاملين وإبداء اهتمام بصاحب الشكوي.
ويحذر مدير العمليات بشركة القاهرة لتداول الأوراق المالية من التعامل مع مشكلات الموظفين بسياسة «دعه يعمل دعه يمر» مؤكداً ان هذه السياسة تنعكس في كثير من الصور السلبية علي أداء المؤسسة وعمل الموظفين بها، مشيراً إلي وجود مشكلات ذات طبيعة خاصة تتطلب حنكة من المدير عند التعامل معها كحالة موظف كفء في عمله، ولكنه يتأخر عن موعد العمل لظروف ما، هو ما يتطلب من المدير التعرف علي هذه الأسباب، وإزالتها حتي يستطيع الموظف والمدير تجنب حدوث المشكلة من أساسها، وفي حالة تكرارها يشدد عطا علي ضرورة التعامل معها بحسم وصرامة حتي لا يكون هناك فرصة لانتشار التسيب والإهمال داخل المؤسسة.
وحول طبيعة المشاكل التي تواجه شركات الأوراق المالية يقول أحمد عطا، ان غالبيتها ترجع إلي صراع الأجيال داخل شركات البورصة باعتبارها حديثة النشأة ولم يمر عليها سوي 8 سنوات في السوق، وهو ما يؤدي إلي بروز الكثير من المشكلات والصراعات بين الموظفين، التي عادة ما تكون بسبب عدم تحديد المهام والمسئوليات الخاصة بكل موظف.
كما ينصح أحمد عطا كل مدير يواجه مشكلات العمل ان يحتفظ بهدوء الاعصاب، حتي في أصعب الظروف ليتمكن من التفكير السليم، دون ان يكون مجرداً من العواطف الإنسانية، لكنه يشدد علي وجود مشكلات تتطلب من المدير احالتها فوراً للجهات المسئولة في الشركة وتتمثل في خرق الموظف لاداب المهنة أو التعامل مع العملاء بصورة غير اخلاقية، كما حدث عند قيام موظف بإحدي شركات السمسرة بإيهام عميل بقدرته علي التصرف في الاسهم رغم عدم حقيقة ذلك وتسببه في خسارة الشركة 120 ألف جنيه فتمت احالته للجهات القانونية للتصرف معه.
وتقول سهير عامر مدير موارد بشرية بإحدي الشركات الأمريكية بالقاهرة إن غالبية المشكلات التي تحدث داخل المؤسسات المصرية ترجع في حقيقتها إلي قصور نظرة أو تصور إدارة الشركات لدور العاملين في المؤسسة، حيث ينظر للموظفين كعوامل مسببة للمشاكل وهذا أمر خطأ.
كما لاحظت ان العلاقات الشخصية بين المدير والعاملين تلعب الدور الرئيسي في حل المشكلة وعدم تصعيد الخلاف، حيث يعقد المدير عادة جلسة بين طرفي النزاع يبحث خلالها أسباب المشكلة ويخير الطرفين بحلها أو تصعيدها للشئون القانونية لاتخاذ الإجراءات القانونية دون حصوله علي ضمان بعدم تكرار المشكلة مرة أخري بين الموظفين، رغبة منه في الانتهاء سريعاً منها، وهو أسلوب يختلف مع ما تصفه سهير عامر بالأساليب العالمية في تعامل مديري الشركات الأجنبية بالخارج مع Dealing With Difficult Employees والتي تعتمد علي برامج تدريبية لتزويد المدير بالطرق الفعالة للقضاء علي مشاكل العمل بشكل فعال وحاسم، وهو ما دفع العديد من الشركات المصرية إلي إلحاق مديريها بهذه الدورات، وبالفعل بدأت نتائج هذا التوجه تظهر بقوة في كثير من المجموعات الاقتصادية حديثة الإدارة عند مقارنتها مع غيرها من الشركات الصغيرة أو حتي الكبيرة التي تنخفض فيها مستويات الإدارة.
علي الجانب الآخر يؤكد عمرو الكيلاني موظف بإحدي شركات الاتصالات صعوبة تحميل الموظف وحده مسئولية حدوث مشكلات مع الإدارة، ويشير إلي أن الكثير منها يحدث بسبب المدير من خلال مجموعة من التصرفات الإدارية غير المنطقية أو التي تأتي في توقيت غير مناسب لظروف العمل وتعكس في حقيقتها تسلط الإدارة في التعامل مع العاملين.
ويؤكد الكيلاني علي ان حل الخلاف بين الموظف يرتبط في حقيقته بمدي قدرة الطرفين علي تلافي أسباب المشكلة منذ البداية، ويشير إلي ان عدم اهتمام الموظف بنقل وجهة نظره بوضوح إلي الإدارة وخاصة فيما يتعلق بالقرارات التي ترتبط بعمله يساهم في زيادة حدة المشكلات، مضيفا أن كثيراً من مشاكل الموظفين مع الإدارة ترجع إلي سوء تعامل الشركات مع العاملين في وقت الأزمات المالية التي قد تمر بها، حتي وان اقتصرت الأزمة علي مجموعة محدودة من الموظفين.
كما يلفت الكيلاني النظر إلي حقيقة غائبة عن كثير من مديري الشركات المصرية، وهي ان المدير يعتقد ان القرارات الإدارية كفيلة وحدها بمعالجة مشكلات الموظفين، بينما الاهم هو إقناع الموظف بالخطأ قبل تصحيحه بأمر إداري ، وفي حالة اضطرار المدير إلي اتخاذ قرار مؤلم بفصل موظف مثير للمشاكل بعد استنفاد جميع وسائل إصلاحه، فليكن هذا القرار حاسماً وفي سرية، حتي لا يعلم به زملاؤه خاصة ان التجربة أكدت له ان الموظف يعكس لزملائه كافة خلافاته مع الإدارة وفشلها في حل الخلاف.