نظم مهرجان أسوان لأفلام المرأة ندوة في ثاني اللقاءات الجماهيرية بمكتبة مصر العامة في أسوان عن”كوكب الشرق” أم كلثوم، تحدث فيها الناقد الفني طارق الشناوي الذي عبر عن سعادته لوجوده في الدورة التاسعة لمهرجان أسوان، وقال إن أهم ميزة للمهرجانات السينمائية أنها تقام لأهل المدينة، وأن مهرجان أسوان جمهوره هم أهل أسوان، وقال إنه سعيد بالمناقشات الثرية لأهل أسوان حول أفلام المهرجان.
وأكد إن فكرة تسمية الدورة التاسعة “الست” اختيار ذكي من إدارة المهرجان، لأننا في اليوبيل الذهبي لرحيلها، وإطلاق كلمة “الست” على أم كلثوم يؤكد أن هناك إجماعًا عربيًا على مكانة أم كلثوم، فأينماذهبت حين نقول “الست” فهذا يعني الإشارة لأم كلثوم مباشرة.
وأضاف أن أم كلثوم كانت حافظة للقرآن لأن والدها كان شيخ جامع، وكان الأب يريد ابنا ليغني التواشيحوحين سمع ابنته تغني التواشيح قرر أن يصحبها معه لغناء التواشيح في الأفراح، وهذا يعني أن الأسرة في تلك الفترة كان لها دورًا في منح هامش الإبداع للأبناء.
وأضاف خلال الندوة التي أدارتها الدكتورة عزة كامل، مدير منتدى نوت لقضايا المرأة، والإعلامية نرمين عامر المذيعة بقناة النيل الثقافية في التلفزيون المصري أن أم كلثوم بدأت مطربة رصينة تغني غناء تقليديًا، لكنها كانت تعرف كيف تجاري تبدل الزمن، وقررت أن تطور من نفسها وغنائها سواء في الكلمات أو الموسيقى.
وأوضح أنه في سنة 60 قررت الست أن تغير جلدها وتذهب لبليغ وعبد الوهاب اللذين أعطياها جلداً مختلفاأكثر عصرية وشبابية، وحين نتحدث عن حقوق الأداء العلني لأغاني أم كلثوم سنجد أعلى الأغنيات منها 6 لبليغ و3 لعبد الوهاب وواحدة للسنباطي، فهي قادرة على فهم منطق الزمن.
وأضاف: حين بدأت مع رامي كان يكتب لها صورا مليئة بالحنان، ثم تحولت إلى طريقة أخرى أكثر حدةفي اختيار الكلمات كما رأينا في “حب أيه اللي انت جاي تقول عليه”، وهي أغنية تحمل من القوة والحدة ما يضع أم كلثوم في مرحلة غنائية جديدة.
وتساءلت عزة كامل: “كانت أم كلثوم نقيبة للموسيقيين وهي التي أنشأت النقابة وكان هناك تنافسًا بينها وبين عبد الوهاب، وكان في النقابة فريد الأطرش وزكريا أحمد والكثيرين ولكنها تمكنت من قيادة النقابة رغم أنها كانت في وسط السيادة فيه للرجل فمن أين استمدت قوتها؟”
وقال الشناوي إن المجتمع المصري في الأربعينات كان فيه مساحة للحرية، كان يرشح أم كلثوم للمنصب ولا علاقة له للانحياز للرجل أو المرأة، فقط هم يفكرون في من يستحق، فحين سألوا زكريا أحمد لماذا أعطيت صوتك لأم كلثوم وليس لعبد الوهاب قال لأنها أرجل من عبد الوهاب.
وأكد الشناوي أن عبد الوهاب كان يفكر في نفسه وفنه ويريد أن يستمتع بفنه، حتى أن من انتخبوه بعدذلك أسقطوه تالياً.
وتحدثت عزة كامل عن زيارتها لباريس وغنائها في مسرح “أولمبيا” ضمن جولاتها لدعم المجهود الحربي، وتعثرها وسقوطها على المسرح وهي تغني الأطلال حين حاول أحدهم تقبيل قدمها.
وتحدث الشناوي عن الثبات الانفعالي عن أم كلثوم حين حاول أحدهم تقبيل قدمها في فرنسا، وتمثل هذا الانفعال في أنها قامت وأشارت إلى الرجل الذي حاول تقبيل قدمها وكررت المقطع “هل رأى الحب سكارى”، لتكسر الحاجز النفسي للموقف وتتفاداه بذكاء نادر، وفي الوقت نفسه تؤكد على ثباتها الانفعالي.
وقال طارق الشناوي إن الغضب من المطربين الجدد كان موجودين من زمان حتى كان هناك شعار”أخي جاوز الظالمون المدى جاءت صباح بعد نور الهدى”، وهو ما رفضته أم كلثوم وقررت منح الفرصة للجميع وتشجيعهم، فأم كلثوم كانت تربيتها تحتم عليها أن تحترم الجميع.
وأشار الشناوى إلى أن عبد الوهاب قال جملة مهمة وهي “الجمال غير الكمال” وأن الضعف أحيانا ينطوي على قوة، والجمال دائما جزء منه ناقص، لكن أم كلثوم كانت مثالاً للجمال والكمال، فمثلا عبد الحليم كان جميلا ولكنه لم يكن كاملا، بينما نجد الكمال عند مطرب مثل محمد قنديل.
وتحدث الشناوي عن اعتزاز أم كلثوم بأصولها الفلاحية، وقال إنها حين ذهبت الى المغرب قالوا لها تأكلي بإيدك قالت نعم فأنا فلاحة، وكانت تتصرف دائما كفلاحة، وتفتخر بذلك دائمًا.
وحول أغنية أنت عمري قالت عزة كامل إن هذه الأغنية كانت مهددة بعدم الخروج للنور إلا أن عبدالناصر هو الذي تدخل في هذا الأمر.
وأشار الشناوي إلى أن عبد الناصر هو الذي طلب أن يستمع إلى هذا الديو أم كلثوم وعبد الوهاب، وكانت أم كلثوم متخوفة من أن يحتفظ عبد الوهاب بالألحان الجيدة لنفسه لذلك تأخر التعاون بينهما.
وقال الشناوى إن أكثر من مصدر اتفق على تدخل عبد الناصر لتغني أم كلثوم من ألحان عبد الوهاب، وكانت هذه الرغبة موجودة منذ عهد الملك، وهناك أغنية قديمة من عهد الملك غنتها أم كلثوم من ألحان عبدالوهاب ولكن لا يتذكرها الكثيرون.
وعن أغنية “الهوى غلاب” ووفاة مؤلف الأغنية بيرم التونسي وكذلك وفاة ملحنها الشيخ زكريا أحمد قبل أن تغينها أم كلثوم وحجم الفجيعة التي تعرضت لها ، اوضح طارق الشناوي إن هذه الأغاني كانت جزءا من معاهدة فض الاشتباك والخلاف بين أم كلثوم والشيخ زكريا أحمد الذي استمر في المحاكم لنحو 15 سنة، وكان من المفترض أن يلحن لها أيضا أغنية “أنساك”لكنها جاءت من نصيب بليغ حمدي.
وأكد الشناوى أن محمد فوزي هو الذي قدم لها بليغ حمدي، وأشار إلى أن محمد فوزي صاحب شركة مصر فون التي تبيع أغاني أم كلثوم، وهو حريص على أن يقدم الجديد لها، وبالفعل فوزي بدأ التلحين في أغنية “أنساك”، حتى أن مدخل أغنية أنساك لحنه محمد فوزي والباقي لبليغ، لكن بليغ لم يقل ذلك في حياة فوزي الذي توفي عام 1966. لكن من قال لي هذه المعلومة هو مأمون الشناوي.
وعن مسيرة أم كلثوم كممثلة التي بدأتها بفيلم “وداد” عام 1936 وانتهت بفيلم فاطمة عام 1947 قال الشناوي إن أم كلثوم ليست موهوبة كممثلة، فيمكن أن يتم استخدام المطربين وتوظيفهم في السينما،لكن البعض كان لديه قبول وآخرون لا، ثم أنها أصيبت بالغدة الدرقية وجحوظ العينين، فكانت ترفض تصويرها عن قرب، لكن من حسن الحظ أن السينما ظهرت في عهد أم كلثوم وأنها قدمت لنا مجموعةأفلام جميلة.
وعن تناول الدراما لأم كلثوم قال الشناوي جميع الأعمال تقدم أم كلثوم الأسطورة وليس الإنسانة، لكن هناك عملاً درامياً نجح لإنعام محمد علي عن أم كلثوم لكن هناك فيلم قدمه محمد فاضل ولم يحظ بنجاح، الفيلم تم إنتاجه كنوع من الانتقام، حين عرف فاضل أن إنعام تقدم مسلسلا لأم كلثوم، نتيجة خلافات بين إنعام محمد علي ومحمد فاضل لأنهما كانا متزوجين، فأسرع فاضل بتصوير الفيلم وحاول عرضه قبل المسلسل، ولكنه لم يحظ بنجاح يذكر.
ووصل درجة النجاح للمسلسل إلى أنه كما أتصور إذامشت صابرين مع أم كلثوم في الشارع سيشير الناس لصابرين على أنها أم كلثوم، رغم أنها لا تشبهه الكنها نجحت في تقمص الشخصية وهو ما حدث أيضا مع أحمد راتب في دور القصبجي حيث تقمص الشخصية، وبالنسبة لفيلم منى زكي عن الست قال الشناوي إن المسألة ليس لها علاقة بالملامح ولكن بالأداء وأتصور أن أم كلثوم الإنسانة سنراها في هذا الفيلم ممكن تغضب وتغير على زوجها وتحتد على أشخاص بعينهم ليظهر الجانب الحقيقي من أم كلثوم بخلاف الصورة الأسطورة الأيقونية.
وأشار الشناوي إلى الكثير من النكت التي نسبت لأم كلثوم، لأنها كانت خفيفة الظل وتحب المزاح وسريعة البديهة، فمثلا كانت أم كلثوم ذاهبة لمقابلة تحية كاريكوكا وسألت مأمون الشناوي _ بحسب ما حكى لي_ أين تحية؟ فقال لها إنها قادمة رأسا قالت لا هي قادمة رقصًا، ويقال إن جار لها قال لها أنا جارثومة فقالت له أنت جرثومة وهذا غير معقول أن تقول هذا لشخص تتعرف عليه للمرة الأولى، فكثيرون يقولون على أم كلثوم ويدعون دعابات على لسانها.
وهناك موقف مع نجيب الريحاني حقيقي فهي حين قابلته للمرة الأولى ظلت تضحك بشكل هستيري حين رأته وكلما نظر لها تضحك أكثر، وهو لم يستوعب الأمر فتركها ومشي غاضبًا.
وعن الألقاب التي حصلت عليها أم كلثوم قال الشناوي إنها حصلت على “صاحبة العصمة” وهو لقب ملكي، ولقب “كوكب الشرق” أطلق عليها بعد استبيان بينها وبين مطربات جيلها مثل منيرة المهدية وغيرها، فمجلة كوكب الشرق جعلتها المطربة الأولى، ومنها أخذت لقب كوكب الشرق، وأنا أميل أكثر لهذا التفسير.