فى ظل ارتفاع معدلات الفقر التى بلغت نحو %25 من إجمالى السكان فى مصر بنهاية العام المالى 2011-2010، تبعاً لآخر تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تبرز أهمية دور جمعيات التمويل متناهية الصغر فى توفير الإقراض لتلك الفئة من السكان، إلا أنها لا تجد البيئة التشريعية ولا القانونية التى تساعدها على التوسع فى منح التمويل لشريحة كبيرة من الأفراد، وذلك وفقاً لما أكده عدد من خبراء التمويل.
واقترحوا ضرورة أن تتم إضافة عدد من المنتجات الأخرى كالسماح بقبول الأوعية الادخارية وتقديم منتجات التأمين والتحويلات النقدية ضمن عمل تلك الجمعيات، مما يساهم فى زيادة ارتباط العميل بالجمعية، مشيرين إلى أن تلك الفئة تواجه صعوبة فى التعامل مع البنوك والبريد فيما يتعلق بالناحية الادخارية تبعاً لارتفاع الحد الأدنى لفتح الحساب أو دفتر التوفير.
ولفتوا إلى ضرورة أن تخضع تلك الجمعيات إلى هيئات تتفهم طبيعة العمل الذى من المفترض أن تقوم به، ضاربين المثال بالبنك المركزى أو وجود قسم خاص لهم داخل وزارة التضامن الاجتماعى.
وقالوا إن ارتفاع العائد قد لا يشكل عقبة أمام توسع تلك الجمعيات لتمويل شريحة كبيرة من الفقراء، تبعاً لأن أى إقراض لن يقل سعر فائدته عن سعر الكوريدور، كما أن انخفاض عدد المقترضين فى الوقت الراهن يزيد من تكلفة الإقراض، عكس المؤسسات التمويلية الأخرى كالبنوك التى تعتمد على ارتفاع عدد العمليات وبالتالى قد يساعد ذلك على عدم ارتفاع سعر العائد بشكل كبير.
وكشفت بيانات المنتدى الاقتصادى العالمى أن مصر احتلت المرتبة الـ19 بين نحو 62 دولة فيما يتعلق بعدد مؤسسات الإقراض النشطة، وتصدرت دولة بيرو القائمة ثم تلتها فيتنام والمكسيك، كما جاءت كولومبيا وبنجلاديش فى المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالى.
من جانبه أكد معتز الطباع، رئيس مجلس إدارة جمعية رجال أعمال الاسكندرية، ضرورة أن يتم توفير البيئة التشريعية التى تتيح لتلك الجمعيات التحرك بسهولة فى طرح منتجات جديدة تلائم طبيعة احتياجاتها.
وأضاف أن القانون الحالى لا يتيح لتلك المؤسسات قبول الأوعية الادخارية من المواطنين، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير منتجات التأمين واجراء التحويلات النقدية، الأمر الذى يزيد من الجهود التى يبذلها الأفراد للتعامل مع أكثر من جهة تمويلية وإجرائية، مشيراً إلى أن الجهة التى تشرف على تلك الجمعيات تتمثل فى وزارة التضامن الاجتماعى تبعاً لقانون 1984.
وضرب الطباع مثالاً بدولة اليمن التى سمحت لجمعيات التمويل متناهى الصغر بأن تقبل الودائع وتقدم بعض المنتجات التى يحتاجها الأفراد، مشيراً إلى أن القيود الحكومية التى تفرض على الجمعيات تخفض من قدرتها للوصول إلى شريحة كبيرة من المواطنين.
وطالب بأن يقوم البنك المركزى بالرقابة على تلك المؤسسات حتى يتم السماح لها بممارسة جميع الأنشطة التمويلية الأخرى، مشيراً إلى أنه تم عرض الأمر على «المركزى»، إلا أنه يرفض باستمرار خضوعها له حتى لا يزيد من الأعباء الإشرافية المفروضة عليه والتى تتمثل فى رقابته على نحو 40 بنكاً.
وتابع: إن أوغندا تعتبر إحدى الدول التى عملت على اختيار بعض الجمعيات لتقبل الودائع وتوفر الائتمان، بالإضافة إلى قيام «المركزى»» بالإشراف على عملها، الأمر الذى ساهم فى رفع معدلات التمويلات متناهية الصغر لديها.
ولفت إلى أن قبول الجمعية للودائع لا يعتبر وسيلة مهمة فى توفير مصادر أموال جيدة فقط وإنما سيدعم تلبية عدد كبير من المنتجات التى يحتاجها العميل، مما يزيد من ارتباطه بالجمعية وبالتالى زيادة حجم أعمالها.
وقال إن العائق الثانى الذى يواجه الجمعيات هو رؤية البنوك لطبيعة عملها، موضحاً أنها ما زالت تتعامل معها كجمعيات أهلية وليست جمعيات تمويلية، رغم أن هناك عدداً من الجمعيات الكبيرة يتم تصنيفها من مؤسسات عالمية، بما يعكس ارتفاع قدرتها التمويلية والإدارية.
وعن اتجاه البنوك بالمساهمة كمستثمر رئيسى فى إحدى الجمعيات متناهية الصغر لتكون الجمعية إحدى أذرعها الاستثمارية فى هذا المجال، قال الطباع إن البنوك لن تقبل تلك الفكرة لعدم رغبتها فى تحمل المخاطر، بالإضافة إلى انخفاض خبرتها بطبيعة هذا التمويل الذى يعتمد على الوصول إلى العميل فى مقر عمله ومسكنه.
وطالب الحكومة والبنك المركزى بدعم تلك الجمعيات، مشيراً إلى أن هناك عدداً من التجارب الدولية أبرزها تجربة السودان فى التمويل المتناهى التى يلزم البنك المركزى من خلالها البنوك بتوفير نحو %7 من المحفظة الائتمانية للتمويل متناهى الصغر سواء بشكل مباشر أو من خلال الجمعيات.
وأشار الطباع إلى أن ارتفاع العائد لا يمثل عائقاً أمام ارتفاع معدلات نمو التمويل المتناهى الصغر، نظراً لأنه يعتمد على تكلفة الوصول إلى العميل بشكل أكبر من تكلفة سعر الفائدة على القروض.
ريهام فاروق المدير التنفيذى لمؤسسة تضامن، اتفقت مع الرأى السابق فى ضرورة العمل بإطار تشريعى وقانونى خاص يختلف عن الموجود حالياً، مشيرة إلى أنه ليس بالضرورة أن تتبع تلك الجمعيات البنك المركزي، لكن من الممكن أن يتم ذلك من خلال توفير قسم خاص بوزارة التضامن الاجتماعى للتعامل مع القائمين على هذه الجمعيات.
وقالت إنه لا يوجد شكل قانونى أمثل فيما يتعلق بتبعية تلك الجمعيات، وإنما يختلف من دولة لأخرى حسب طبيعة الدولة واحتياجها للنواحى التمويلية متناهية الصغر، مؤكدةً أهمية أن تهتم الدولة بوضع قانون خاص لجمعيات التمويل متناهية الصغر حتى تحقق الاستدامة المالية لها.
واقترحت أن يتم إدراج النشاط الادخارى والتمويلى ضمن أنشطة عمل الجمعيات لإتاحة العديد من المنتجات أمام العملاء وتسهيل إجراءات التعامل معهم.
ولفتت إلى أن تلك الشريحة من العملاء تواجه صعوبة فى فتح حسابات ادخارية لدى البنوك ووحدات البريد، بسبب ارتفاع الحد الأدنى لفتح الحساب، الذى قد يصل لفتح الحساب فى البنك لنحو 1000 جنيه فى حين يستطيع العميل توفير ما يقرب من 30 أو 150 جنيهاً شهرياً.
وأشارت إلى أن ارتفاع سعر الفائدة لا يمنع الجمعيات من التوسع فى الإقراض، تبعاً لأن أى تمويل يتعلق بمعدلات التضخم، كما أنه لن يقل عن فائدة الكوريدور، بالإضافة إلى احتساب تكلفة المرافق وتكلفة الخسارة، لأن بعض العملاء يتخلفون عن سداد مستحقات الجمعية، الأمر الذى يجب أن يتم اتخاذه فى الاعتبار عند تحديد العائد على التمويل.
يذكر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجلت أعلى عائد على الأصول خلال عام 2011، وفقاً لآخر تقارير صادرة عن مؤسسة سنابل وميكس ليصل إلى %4.7، فى حين بلغ هذا المعدل نحو %2.8 فى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي.
وعن مقترح دخول البنوك كشريك رئيسى فى رأسمال تلك الجمعيات مما يقلل سعر فائدة القرض، قالت المدير التنفيذى لمؤسسة تضامن إن البنوك قد لا تمانع فى الدخول كشريك فى رأسمال الجمعيات أو أن تمتلك الجمعية وتكون الذراع الاستثمارية لها، إلا أن ذلك قد لا يخفض من سعر العائد، كما أن البنوك لا تتعامل إلا مع الجمعيات التى لديها خبرة كافية فى مجال التمويل وميزانيات تعبر عن موقفها المالى بشكل واضح.
ولفتت إلى أنه رغم وجود أكثر من 300 جمعية تقوم بالتمويل المتناهى فى مصر، لكنها لا تعتبر مؤهلة بشكل كبير للتعامل مع البنوك، كما أنها لا تعتبر متخصصة فى التمويل متناهى الصغر فقط.
فيما اقترح أحمد سليمان، مدير العمليات الصغيرة بجمعية رجال أعمال أسيوط، تعديل بعض النصوص القانونية التى تتيح للجمعيات تحصيل مستحقاتها من المقترضين بسهولة، موضحاً أنه بعد إلغاء الشيكات الخطية التى كان يعتمد عليها عدد من الجمعيات فى تحصيل مستحقاتها من المقترضين أصبحت هناك صعوبة فى تحصيل تلك الأموال، حيث بدأت الجمعيات تعتمد على إيصالات الأمانة لضمان حقها فى التحصيل، إلا بعض الدوائر القضائية التى لا تعترف بتلك الإيصالات، الأمر الذى يرفع من حجم الأموال المتعثرة لديها ويعوق استمرار عملها.
ولفت إلى أن سماح القانون بتلقى الجمعيات لأموال العملاء قد لا يساعد على زيادة نمو حجم التمويل متناهى الصغر، تبعاً لأن كثيراً من الجمعيات لا تعتمد على عمليات الإقراض، وإنما على تقديم خدمات غير مالية للأفراد، مشيراً إلى أن جهة الإشراف على تلك الجمعيات قد لا تختلف، سواء كان البنك المركزى أو وزارة التموين والتجارة الداخلية.
وأشار إلى أن أبرز ما يعوق عمل تلك الجمعيات فى الوقت الراهن يتمثل فى عدم استقرار الأوضاع الأمنية، مما ترتب عليه انخفاض معدلات المنح وتوفير الخدمات التى يحتاجها الأفراد، الأمر الذى يؤثر على حجم أعمال تلك الجمعيات.