مقاطعة المتواطئين مع إسرائيل.. عقاب استراتيجي مجرب ومؤلم

زعزعة الدعم الغربى لتل أبيب.. مؤشرات على تحقيق الهدف

مقاطعة المتواطئين مع إسرائيل.. عقاب استراتيجي مجرب ومؤلم
أيمن عزام

أيمن عزام

8:52 ص, الثلاثاء, 7 نوفمبر 23

بعد 4 أيام من انطلاق الحملة الوحشية للجيش الإسرائيلى على غزة ، ردا على هجوم 7 أكتوبر الذى نفذته حماس، أصدرت شركة البرمجيات الأمريكية «سيلز فورس» بيانا أعلنت فيه التبرع بـ3 ملايين دولار لجهات إسرائيلية عديدة، متجاهلة أى ذكر للعدد الهائل من النساء والأطفال المدنيين الذين سقطوا بنيران عشوائية فى غزة.

وشركة «سيلزفورس» Salesforce التى تمتلك بالفعل خططا للتوسع فى الشرق الأوسط انطلاقا من الإمارات، لم تلق بالا لشعوب هذه المنطقة عندما أعلنت لاحقا عن «منح غير مشروطة» لموظفيها فى إسرائيل بقيمة 2483 دولارًا، بل ومضاعفة المبلغ لموظفيها من الاحتياطيين الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلى، وفقا لموقع «بيزنس إنسايدر».

لكن نبرة المقاطعة التى انتشرت بقوة فى المنطقة العربية كسلاح ردع شعبى، سرعان ما أعادت «المدنيين الأبرياء الفلسطينيين» إلى بيانات «سيلزفورس» التى أعلنت فى 2 نوفمبر (أى بعد مرور قرابة شهر على الحرب) التبرع بمبلغ مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمى لتوفير وجبات للمدنيين فى غزة.

كان من الصعب على العرب أن يبتلعوا سلوكا قاسيا مماثلا من شركات تكنولوجيا ربما لم يعرفوا غيرها، مثل «إنتل» و»سيسكو» و»إنفيديا» و»أوراكل»، الذين تعاملوا بنفس الصلف مع آلام الفلسطينيين وعواطف داعميهم.

وجدت الشعوب العربية صعوبة بالغة فى استبدال مثل هذه الشركات التكنولوجية العملاقة، لكنها أيضا عرفت مواطن قوتها فى فرض المقاطعة الفورية والمباشرة على العلامات التجارية الأمريكية والغربية التى تقدم سلعا استهلاكية بسيطة يمكن الاستغناء عنها بشيء من المعاناة المقبولة تماما.

المقاطعة الانتقائية وفقا للقدرة على الاستغناء، تكتيك معروف ومجرب ومؤلم، اختبره العالم منذ عشرات السنين، وهو يسدد الضربات لشركات بعينها بينما تبقى الشركات الأخرى على قوائم الانتظار وهى تعرف أن دورها قادم ما لم تتراجع عن انتهاكاتها الأخلاقية والإنسانية.

على قوائم المستهدفين الأوائل، يقول المخضرمون إن الهدف الرئيسى للمقاطعة ليس فقط خفض إيرداتهم، بل ضرب سمعتهم نفسها وربطهم فى الأذهان بصورة قاتمة ومنفرة، وهذه خسارة استراتيجية بعيدة المدى، لا يمكن لأى شركة أن تتحملها بسهولة ولا بصدر رحب، مهما كانت الضغوط من أى «لوبي» آخر.

بمن نبدأ؟ قائمة الشركات التى تنصح «اللجنة الفلسطينية» بمقطاعتها

وجهت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل والمعروفة بكونها أكبر ائتلاف فى المجتمع الفلسطينى يقود حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل (BDS)، التحية إلى النشطاء والمنظمات والمؤسسات الدولية التى أعادت الزخم إلى حملات المقاطعة كسلاح فعال ضد الشركات متعددة الجنسيات المتواطئة مع إسرائيل.

وتؤكد اللجنة أن سلاح المقاطعة فعال بدون شك إذ تم استخدامه بشكل استراتيجى.

وتقول الحركة إن المقاطعة تعد أسلوبًا ناجحًا تاريخيًا مستوحى من حركة مناهضة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، وحركة الحقوق المدنية الأمريكية، والنضال الهندى ضد الاستعمار، من بين حركات أخرى فى جميع أنحاء العالم.

لكنها لفتت إلى ضرورة التركيز بشكل استراتيجى على عدد أقل نسبياً من الشركات والمنتجات المختارة بعناية لتحقيق أقصى قدر من التأثير.

وأوضحت: “علينا أن نركز على الشركات التى تلعب دورًا واضحًا ومباشرًا فى جرائم إسرائيل، حيث توجد إمكانية حقيقية للفوز”.

ولفتت إلى أن العديد من القوائم الطويلة المحظورة التى تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعى تفعل العكس تمامًا لهذا النهج الاستراتيجى والمؤثر، كونها تشمل مئات الشركات، والعديد منها لا توجد أدلة موثوقة على ارتباطها بنظام القمع الإسرائيلى ضد الفلسطينيين.

ومع ذلك، تقول الحركة إن جميع الجهود الشعبية السلمية، بما فى ذلك المقاطعة والدعوة إلى سحب الاستثمارات، لمحاسبة جميع الشركات (والمؤسسات) المتواطئة حقًا فى دعم الانتهاكات الإسرائيلية هى “مبررة ومرحب بها”.

وتابعت: “على سبيل المثال، من المشروع تمامًا، مقاطعة الشركات التى دعم فرعها أو امتيازها الإسرائيلى الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة، مثل ماكدونالدز، وبرجر كينج، وبابا جونز، وبيتزا هت، وWIX، وما إلى ذلك.

ولفتت إلى أن هذه الشركات أصبحت مستهدفة من قبل حملات المقاطعة الشعبية، لانها دعمت إسرائيل بشكل علنى أو قدمت تبرعات عينية سخية للجيش الإسرائيلى وسط الهجوم الإسرائيلى الحالى ضد 2.3 مليون فلسطينى فى قطاع غزة المحتل والمحاصر والذى وصفه كبار الباحثين الدوليين فى القانون الدولى بأنه “إبادة جماعية”.

وتقول الحركة إن “لدينا جميعًا قدرة بشرية محدودة، لذا من الأفضل أن نستخدمها بالطريقة الأكثر فعالية لتحقيق نتائج هادفة ومستدامة يمكن أن تساهم حقًا فى تحرير فلسطين”.

ودعت إلى تعزيز حملات مقاطعة الشركات المتواطئة المذكورة على موقعها الإلكترونى لتحقيق أقصى قدر من التأثير الجماعى، وهى:

سيمنز

شركة سيمنز هى المقاول الرئيسى لمشروع الربط بين أوروبا وآسيا، وهو كابل كهربائى بحرى بين إسرائيل والاتحاد الأوروبى من المقرر أن يربط المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بأوروبا.

بوما

ترعى شركة بوما الاتحاد الإسرائيلى لكرة القدم، الذى يدير أنشطة للفرق فى المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضى الفلسطينية المحتلة.

كارفور

دعمت شركة كارفور-إسرائيل الجنود الإسرائيليين المشاركين فى الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى غزة بهدايا من طرود شخصية.

وفى عام 2022، دخلت فى شراكة مع شركة إلكترا للمنتجات الاستهلاكية الإسرائيلية وفرعها ينوت بيتان، وكلاهما متورط فى انتهاكات جسيمة ضد الشعب الفلسطينى.

أكسا

عندما غزت روسيا أوكرانيا، اتخذت شركة أكسا إجراءات مستهدفة ضد موسكو. ومع ذلك، بينما تشن إسرائيل، حرب إبادة جماعية على غزة، تواصل أكسا الاستثمار فى البنوك الإسرائيلية لتمويل جرائم الحرب وسرقة الأراضى الفلسطينية والموارد الطبيعية.

جوجل وأمازون

بينما قصف الجيش الإسرائيلى المنازل والعيادات والمدارس فى غزة وهدد بطرد العائلات الفلسطينية من منازلهم فى القدس المحتلة فى مايو 2021، وقع المسؤولون التنفيذيون فى أمازون ويب سيرفيس وجوجل كلاود عقدًا بقيمة 1.22 مليار دولار لتوفير التكنولوجيا السحابية للحكومة والجيش الإسرائيليين.

ومن خلال دعم الفصل العنصرى الإسرائيلى بالتقنيات الحيوية، فإن أمازون وجوجل متورطتان بشكل مباشر فى نظام القمع بأكمله، بما فى ذلك الإبادة الجماعية التى تتكشف فى غزة.

شركة هيوليت باكارد (شركة HP)

تقدم الشركة الخدمات لمكاتب قادة الإبادة الجماعية ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير المالية سموتريش.

أهافا

تمتلك شركة أهافا Ahava لمستحضرات التجميل موقع إنتاج ومركزًا للزوار ومتجرًا رئيسيًا فى مستوطنة إسرائيلية غير قانونية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

‏HD هيونداي/فولفو/CAT/JCB

استخدمت إسرائيل آلات من إنتاج شركةHD هيونداى وفولفو وCAT وJCB فى التطهير العرقى والتهجير القسرى للشعب الفلسطينى من خلال تدمير المنازل والمزارع والشركات الفلسطينية، فضلاً عن بناء المستوطنات غير القانونية.

إير بى إن بى / بوكينج / إكسبيديا

تقدم شركات Airbnb وBooking.com وExpedia أماكن للإيجار فى المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المبنية على الأراضى الفلسطينية المسروقة.

وفى حين أن الحملات التى تستهدف هذه الشركات لم تدع إلى المقاطعة، فقد تم اعتماد أشكال أخرى من الضغط لإجبارها على إنهاء تواطؤها.

باركليز

يمتلك بنك باركليز (المملكة المتحدة) أكثر من مليار جنيه إسترلينى من الأسهم ويقدم أكثر من 3 مليارات جنيه إسترلينى فى شكل قروض واكتتاب لتسع شركات تم استخدام أسلحتها ومكوناتها وتقنياتها العسكرية فى العنف المسلح الإسرائيلى ضد الفلسطينيين.

هيك فيجن

وثقت منظمة العفو الدولية كاميرات المراقبة عالية الدقة التى صنعتها شركة هيك فيجن الصينية، والتى تم تركيبها فى المناطق السكنية وتم تركيبها على البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية لمراقبة الفلسطينيين.

الدولة العبرية تشن حملة مضادة فى أمريكا

على مدى السنوات الطويلة الماضية، حاولت الحكومة الإسرائيلية قمع جهود المقاطعة منذ بدايتها، وفى عام 2017، أصدرت قانونًا يمنع الأشخاص الذين يدعمون مقاطعة البلاد من دخول إسرائيل.

وفى عام 2019، رفع الصندوق القومى اليهودى المؤيد لإسرائيل دعوى قضائية ضد اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل مستغلة قانون مكافحة الإرهاب، وهو قانون اتحادى يمكن بموجبه للضحايا الحصول على تعويضات من الجماعات التى ثبت أنها ساعدت أو تحرض على الإرهاب.

وقد صورت إسرائيل المشاركين فى حملة المقاطعة على أنهم داعمون فاعلون للإرهاب الذى تقوده فى المقام الأول حماس والجهاد الإسلامى الفلسطينى، ولكن تم رفض الدعوى فى عام 2021، لكن مثل هذه الاتهامات بالإرهاب هى “السؤال الأول الذى يُطرح على الفلسطينيين بشكل روتيني”، وفقا لموقع “فوكس”.

وفى الولايات المتحدة، أصدرت 38 ولاية نوعًا من قانون مكافحة المقاطعة، وفقًا لمجموعة الحقوق المدنية “فلسطين القانونية”، وفى العديد من الولايات القضائية، يعنى ذلك أنه يجب على المتعاقدين الحكوميين التوقيع على بيان يؤكد أنهم لا يشاركون فى إجراءات المقاطعة أو سحب الاستثمارات ضد إسرائيل.

مثل هذه القوانين لا تؤثر عمومًا على الأفراد، رغم أن بعضها يمكن استخدامه ضد المتعاقدين المستقلين الذين يدعمون حركة المقاطعة بصفتهم الشخصية.

وتدرج ولايات أخرى الشركات التى تدعم حركة المقاطعة فى القائمة السوداء وتمنعها من الحصول على العقود الحكومية، أو تمنع برامج التقاعد العامة من الاستثمار فى الشركات المتحالفة مع حركة المقاطعة.

وأصدرت بعض الدول قرارات تدين حركة المقاطعة (BDS) لترويجها لمعاداة السامية، بدعوى أنها تمنع السلام فى الشرق الأوسط أو أنها تهدد العلاقة بين الولايات المتحدة وحليف رئيسى.

وفى مقالة افتتاحية صاخبة نشرتها صحيفة واشنطن بوست عام 2016، شرح حاكم نيويورك السابق أندرو كومو توقيعه على أمر تنفيذى مناهض لمقاطعة إسرائيل، فكتب: “نيويورك تقف إلى جانب إسرائيل لأننا إسرائيل وإسرائيل نحن”.

وعلى سبيل المثال، تخلت العديد من الولايات عن التعامل مع شركة Ben & Jerry’s وشركتها الأم “يونيليفر” بسبب مشاركتها فى حركة المقاطعة.

يقول عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين فى هيومن رايتس ووتش، لـ«فوكس» إن العديد من قوانين الدولة هذه تم أو يتم الطعن فيها فى المحكمة، ويقول: “لقد تم ضربهم فى كثير من الحالات”، “وفى حالات أخرى، أدى التقاضى إلى تعريف القوانين بشكل أضيق”.

فى عام 2017، اقترح 43 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى مشروع قانون تدعمه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهى جماعة ضغط، يجرم دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بالسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا.

وفى عام 2019، قدم السيناتور ماركو روبيو (جمهورى من فلوريدا) مشروع قانون من شأنه السماح للولايات بفرض قوانينها الخاصة لمكافحة المقاطعة، ولم يمر أى منهما عبر الكونجرس، لكن روبيو أعاد تقديم مشروع القانون الفاشل فى وقت سابق من هذا العام.

وكان لهذه الجهود بعض التأثير المخيف على الأقل، على سبيل المثال، تراجعت شركة Airbnb عن قرارها بإزالة قوائم العقارات فى المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية بعد أن طالبت دعوى قضائية جماعية إسرائيلية بتعويض المضيفين الذين تمت إزالة قوائمهم.

زعزعة الدعم الغربى لتل أبيب.. مؤشرات على تحقيق الهدف

تم إشهار سلاح المقاطعة فى وجه الشركات الغربية التى تورطت فى تأييد إسرائيل، إذ ساعدت تطورات صراعها مع حماس على تنصيب فخ محكم لهذه الشركات.

بدأت الحرب بهجوم حمساوى على إسرائيل ثم تلاه هجوم إسرائيلى على غزة، مما حرم شركة ماكدونالدز، مثلا، من فرصة التعبير بشكل مقنع عن تضامنها مع غزة بعد أن بدت سخية للغاية فى التعبير عن دعمها لإسرائيل عندما تبرعت بتقديم وجبات لجنودها، فى خطوة استفزازية أججت دعوات المقاطعة ليس ضدها وحدها بل جميع الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل. 

استخدم الفلسطينيون سلاح مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، خصوصا الصادر من المستوطنات، وتم استخدامه ردا على اعتداءات غربية على المقدسات الإسلامية، ويتم استخدامه أيضا فى الصراع الحالى المندلع بين حماس وإسرائيل، مما يثير تساؤلات حول عما إذا كانت يلحق أضرارا فعلية بالشركات العالمية المستهدفة بالمقاطعة.

أكبر دليل على أن المقاطعة يمكن أن تلحق أضرارا بالشركات العالمية هو أن الصراع شكل مصدر ضغط هائل عليها لإصدار بيانات، بحسب ما أورده موقع تايمز أوف إنديا.

فى وقت لاحق، انهالت التبرعات من قبل شركات ماكدونالدز المحلية لتأكيد تضامنها مع مواطنى غزة ومحاول تحسين الصورة السلبية الناجمة عن قرار شركة ماكدونالدز إسرائيل بتقديم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين.

أصدرت ماكدونالدز السعودية بيانًا على موقع X يؤكد أن هذا كان قرارًا مستقلاً، مشددًا على أن تصرفات شركاء الامتياز الفرديين لا تعكس سياسة الشركة.

وأعلنت ماكدونالدز السعودية تقديم تبرع بقيمة 2 مليون ريال سعودى (533،000 دولار) لدعم جهود الإغاثة لمواطنى غزة.

كما تبرعت شركات الامتياز فى قطر والكويت وعمان وتركيا والبحرين وباكستان والإمارات العربية المتحدة والأردن ولبنان ومصر بأموال لغزة.

وخرجت آدينا فرايدمان، الرئيس التنفيذى لبورصة “ناسداك”، لإعلان إدانة العنف وخسارة الأرواح البريئة ضمن تقريرها المحدث بخصوص الأرباح. 

واحتاج المدراء التنفيذيون فى تلك الشركات لطلب المساعدة من الخبراء لإصدار رسائل منضبطة. 

وبرغم هذا، انهالت الانتقادات الموجهة من بعض العاملين للمدراء التنفيذيين لعدم المسارعة بالتحدث وإعلان موقف واضح من الصراع أملا فى الإسهام فى التقليل من أية خسائر محتملة.

وانخرط آخرون فى التعبير عن الإحباط من المحتوى الذى اشتملت عليه تلك البيانات. 

عبرت آدينا عن إدانتها لأعمال العنف فى إسرائيل، لكنها أدانت أيضا الخسائر اللاحقة فى الأرواح فى إسرائيل وغزة وفى الأقليم بشكل عام.  

وسار على نفس النهج المدراء التنفيذيون فى شركات عالمية أخرى مثل جولدمان ساكس جروب وبلاك روك ويونتيد إيرلاينز هولدنجز، استجابة منهم للضغوط المتزايدة التى تدفعهم دفعا لاتخاذ موقف واضح من الصراع. 

ويقول الخبراء فى إدارة الأزمات إن هواتفهم لم تتوقف عن الرنين بعد أن هرع المدراء التنفيذيون إليهم لمساعدتهم على ضبط الرسائل الموجهة سواء إلى داخل شركاتهم أو خارجها. 

وبجانب الاهتمام بمحتوى الرسائل، أبدى المدراء التنفيذيون تخوفهم أيضا من عدم إصدار أى رسائل، تعبيرا عن وضع قائم لا يتسامح مع الصمت لكونه يعبر عن اتخاذ موقف ما من الصراع، بحسب دافيا تيمن، مؤسسة شركة استشارية فى إدارة الأزمة فى نيويورك.

وحتى 17 أكتوبر الفائت، اختارت الشركات العالمية الكبرى عدم اتخاذ أية موقف بخصوص الحرب، فلم تقدم سوى نسبة الخمس من 100 شركة كبرى مقيدة فى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على إصدار بيانات رسمية، على الرغم من أن الغالبية العظمى من هذه الشركات قد أصدرت بيانات بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية. 

ولذلك، نال المدراء التنفيذيون فى تلك الشركات نصيبهم من انتقادات الموظفين لعدم إصدار بيانات بالسرعة الكافية.

ويبدو الآن أن حوالى ثلثى الناخبين الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار ووقف التصعيد فى غزة، وفقًا لاستطلاع حديث لحوالى 1300 ناخب محتمل من مركز الأبحاث اليسارى “بيانات من أجل التقدم”.

ويعتقد أن المزيد من الأمريكيين بدأوا يشككون فى دور حكومتهم فى القمع الفلسطينى، وفى حين أن الأغلبية، وفقاً لاستطلاعات الرأى الأخيرة، لا تزال تدعم إسرائيل أكثر من فلسطين، فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة سى بى إس نيوز مؤخراً أن أقل من نصف المشاركين فى الاستطلاع يريدون إرسال أسلحة وإمدادات إلى إسرائيل.

نظام الامتياز.. هل يشكل عائقا؟

واجهت حركة المقاطعة (BDS) طوفانًا من الانتقادات فى الولايات المتحدة مع اتهامات بأنها تضر الفلسطينيين أكثر مما تساعدهم من خلال تقليل فرص العمل وغيرها من الفرص الاقتصادية؛ وهى ذات الحجج التى تم إطلاقها ضد المقاطعة والعقوبات المفروضة على نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا.

والأمر ذاته يتكرر فى المنطقة العربية، إذ تثير طريقة عمل نظام الامتياز مخاوف عدم تأثر الشركات العالمية الأم من المقاطعة مقابل التأثر التام بها من قبل مشغلى الامتياز المحليين.

فعلى سبيل المثال، تتم إدارة الغالبية العظمى من مطاعم ماكدونالدز مثلا من قبل مشغلى الامتياز المحليين، يعمل هؤلاء المشغلون بعدة طرق كشركات مستقلة، حيث يحددون الأجور والأسعار، وعندما يرون ذلك مناسبًا، يقومون بالإدلاء ببيانات أو تبرعات وفقًا لتقديرهم.

عندما تتوسع المطاعم الأمريكية على المستوى الدولى، فإنها تعتمد عادة على مشغلى الامتياز المحليين لأن أصحاب الأعمال الإقليميين مجهزون بشكل أفضل للتعامل مع الديناميكيات المحلية ومخاطبة الأذواق المحلية، ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يتنازلون أيضًا عن بعض السيطرة على الأعمال.

ولذلك تظل فعالية المقاطعة فى إحداث تغيير سياسى هادف موضوعًا للنقاش، يجادل النقاد بأن التأثير على الامتيازات الأمريكية قد يكون محدودًا، لكن المؤيدين يعتقدون أنه بمثابة تعبير قوى عن التضامن والمقاومة.

ويتم المجادلة أيضا بأن السير قدما فى مسار مقاطعة المنتجات التى تنتجها الشركات الغربية يؤدى إلى تقليص الاستثمارات الأجنبية، مما يقود فى نهاية المطاف إلى تعطيل فرص التصنيع المحلى لمنتجات بديلة. 

لكن التأثير الإيجابى المحتمل الناجم عن المقاطعة هو زيادة الاستثمارات فى الصناعات المحلية، لأن نزوع البلدان الإسلامية لتخفيض وارداتها من البلدان الغربية، سيعزز حاجتها إلى إيجاد بدائل محلية. 

ومن الملاحظ أن دعوات المقاطعة تتركز على المنتجات ذات الأهمية الأقل لسهولة إيجاد بديل محلى لها.

وعلى سبيل المثال، دعت تركيا عام 2017 إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد أن نشرت مجلة فرنسية رسوم كاركاتيرية مسيئة للمسلمين، واشتملت قائمة المنتجات التى شملتها دعوات المقاطعة على منتجات متدنية القيمة، مثل الزبادى والجبن. 

أسوأ النتائج أفضل من الإعدام دون محاكمة

ومع تزايد الحديث عن احتمالية تحقيق أهداف “خاطئة” من المقاطعة، يقول بعض المتخصصين فى النضال اللاعنفى أن المعاناة من نتائج المقاطعة الاقتصادية أفضل من الإعدام دون محاكمة مثلاً.

وفى الصراعات الحادة، من غير المرجح أن تتخلى المجموعات المتنافسة عن معتقداتها وأهدافها أو حتى تعرضها للخطر.

ومع ذلك، هناك فى بعض الأحيان احتمال أن تتحول مثل هذه المجموعة إلى وسائل أخرى لإدارة الصراع، ويقال إن السؤال الحقيقى ليس ما إذا كان المرء يفضل لهم أن يغيروا معتقداتهم وأهدافهم (بما أن ذلك لن يحدث بالتأكيد)، ولكن ما إذا كان المرء يفضل أن يناضلون من أجل نفس الأهداف عن طريق العنف.

الفاعلية.. 3 شروط للفوز بالتنازلات

ما هى العوامل التى تحدد ما إذا كانت المقاطعة ستنجح فى تغيير سلوك الشركة المستهدفة؟ وكيف يمكن للناشطين مهاجمة نقاط الضعف لدى خصومهم بفعالية أكبر؟

دراسة أجراها برايدن كينغ من قسم الإدارة والمنظمات فى شركة “كيلوغ” أشارت إلى أن الناشطين الذين يسعون إلى الفوز بالتازلات عليهم تحقيق 3 شروط هى جذب وسائل الإعلام وضرب المبيعات والتكريز على السمعة.

وتكشف نتائج كينغ أن الشركات التى شهدت انخفاضًا فى سمعتها العامة أصبحت أكثر عرضة للمقاطعة، وأنه كلما زاد الاهتمام الإعلامى بالمقاطعة، زادت فعاليتها.

وقد بدأ النشطاء فى استخدام المقاطعة حتى قبل عام 1880، عندما رفض الموظفون الأيرلنديون أى تعاون مع وكيل الأراضى الإنجليزى القاسى الكابتن تشارلز كننغهام بويكوت Charles Cunningham Boycott (الذى اشتق مصطلح المقاطعة من اسمه Boycott).

ولفت كينغ إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت المقاطعة تؤثر على سلوك المستهلك بشكل كبير، لكن تلك المقاطعات التى تحظى بمستوى معين من اهتمام وسائل الإعلام تكون ناجحة نسبيًا من حيث الحصول على نوع من التنازلات.

وبدأ كينغ بخمس فرضيات حول المقاطعة، وقدم ثلاثة تأكيدات أكثر عمومية بأن الشركات من المرجح أن تتنازل عندما يتم توليد مستويات عالية من اهتمام وسائل الإعلام، أو إذا عانت الشركات من انخفاض فى إيرادات المبيعات، أو شهدت الشركات انخفاضًا فى سمعتها.

ولاختبار الفرضيات، قام كينج بفحص عمليات المقاطعة ضد الشركات النخبوية المتداولة علنًا والتى تم نشرها فى خمس صحف أمريكية وطنية موزعة جغرافيًا بين عامى 1990 و2005، ثم شرع فى اكتشاف سبب استسلام 53 شركة من أصل 144 شركة فى العينة لمطالب المقاطعين.

تؤكد النتائج التى توصل إليها فرضيته فيما يتعلق بأهمية وسائل الإعلام، إذ من المرجح أن تمارس المقاطعة تأثيرًا أكبر عندما تحظى بقدر كبير من اهتمام وسائل الإعلام.

ومن المثير للاهتمام أن نتائجه تشير إلى أنه حتى مع التغطية الإعلامية، فإن الانخفاضات السابقة فى المبيعات لم يكن لها تأثير إحصائى كبير على ما إذا كانت المقاطعة ستؤتى ثمارها فى النهاية بالنسبة للناشطين.

وبدلا من ذلك، تكمن القوة الحقيقية للمقاطعة فى قدرتها على إلحاق الضرر بسمعة الشركة.

ويلاحظ كينج أن الشركات التى تكافح من أجل الحفاظ على صورتها العامة من المرجح أن تأخذ مطالب المقاطعة على محمل الجد، فى حين أن الشركات ذات السمعة القوية تشعر بأنها أكثر مناعة أمام مثل هذه المطالب ومن المرجح أن “تتمسك بأسلحتها” بغض النظر عن مستويات المبيعات.

وبالتالى، فهو يرى أنه “من المعقول الافتراض أن صناع القرار فى الشركات ينظرون إلى المقاطعة باعتبارها تهديدا أكثر خطورة لسمعتهم من عائدات مبيعاتهم”.

ويضيف أن هذه النتيجة “تساعد فى فهم الدراسات السابقة التى تساءلت عن سبب فعالية المقاطعة، بالنظر إلى أن معظم عمليات المقاطعة لا تتضمن أعدادًا كبيرة من المشاركين ولا يكون لها عادةً تأثير كبير على مبيعات الشركات المستهدفة.

وأوضح: “قد لا تحتاج عمليات المقاطعة إلى التأثير على المبيعات على الإطلاق حتى تكون فعالة.. بدلاً من ذلك، ينبع تأثير المقاطعين من قدرتهم على تقديم ادعاءات سلبية حول الشركة مما يولد تصورات عامة سلبية عنها، ومن ثم، فإن الشركات التى تكافح بالفعل للحفاظ على سمعتها الإيجابية سابقًا ستكون أكثر عرضة للاستسلام للمقاطعة وإخماد أى ضرر آخر قد تلحقه المقاطعة بسمعتها.

ويشير كينج إلى أن الدراسة توصلت إلى استنتاج مثير للسخرية: “الشركات ذات السمعة السيئة فى البداية تكون أقل عرضة للمقاطعة، لأن لديها أقل ما يمكن أن تخسره”.

تجربة جنوب أفريقيا.. نجاح مُدوٍ فى إسقاط نظام الفصل العنصرى

تسعى حركات المقاطعة إلى السير على ذات النهج الذى ساعد جنوب أفريقيا على إنهاء نظام الفصل العنصرى.

تحمل المواطنون الأوروبيون العاديون زمام المبادرة، إذ تولوا إجبار المتاجر على وقف بيع المنتجات الجنوب أفريقية، وتم إطلاق شرارة الحملة التى استمرت لما يقرب على ثلاثين عاما. 

وأجبر الطلاب البريطانيون بنك باركليز على الانسحاب من جنوب أفريقيا، وفرضت الحكومة الإيرلندية حظرا شاملا على الواردات القادمة من هناك. 

وبحلول منتصف ثمانينات القرن الماضى، قال واحد من بين كل أربعة بريطانيين إنهم يقاطعون المنتجات القادمة من هناك، وحظرت رابطة الموسيقيين فى بريطانيا عمل الفنانيين الجنوب أفريقيين فى الـ بى بى سى، ورفض معظم الموسيقيين العزف هناك.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تتوفر لديها ذات الروابط الرياضية والثقافية، كما أنها تستورد بضائع أقل من هناك، فإن الحملة المناهضة للفصل العنصرى ضمت فاعلين فى الجامعات والكنائس، كما تشكلت تحالفات محلية فى ثمانينيات القرن الماضى أدت إلى إجبار السياسيين الأمريكيين والشركات الكبرى على الامتثال إلى العقوبات المالية والتخارجات. 

وبفضل هذه الضغوط، تم إجبار الرئيس إف دبليو دى كليرك على إطلاق سراح نيلسون مانديلا والتفاوض لإنهاء نظام الفصل العنصرى. وبعد مرور ما يقرب من عشرين عاما على نهاية نظام الفصل العنصرى، يرى البعض أن حملة شعبية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والغربية المتعاطفة معها قد تحقق ذات الغرض. 

ويشير تقرير الجارديان إلى بناء قاعدة شعبية لدعم المقاطعة يستغرق سنوات عديدة. 

وأعلن صندوق معاشات هولندى كبير، بى جى جى إم، عام 2014 عن التخارج من خمس بنوك إسرائيلية بسبب معاملاتها مع المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس الشرقية.