Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

معركة عض الأصابع بين أمريكا والصين

أهلًا بكم فى العالم الجديد... عالمٌ لا يعرف غير لغة القوة.

معركة عض الأصابع بين أمريكا والصين
المال - خاص

المال - خاص

8:58 ص, الأربعاء, 30 أبريل 25

حربٌ من نوع آخر، لم تكن الحرب بين أمريكا والصين – الدائرة حاليًّا – حربًا، كما نعرف، بالأسلحة، لكنها حرب من نوع آخر، حرب اقتصادية امتدت آثارها؛ ليس فحسب على مستوى الدولتين، بل على المستوى العالمى بما يهدد حركة التجارة العالمية برمتها واقتصاد العالم كله، ويُنذر بركود فى الاقتصاد العالمى لم يشهده العالم منذ الأزمة الـمالية العالمية 2008.

عالمٌ بلا عقل. لم تكن الصين مجرد دولة فى حساب دول العالم فحسب، بل إنها أصبحت مصنع العالم كله، وثانى أكبر اقتصاد على هذا الكوكب. قائم على الصناعة، الابتكار، التصنيع، وتُعد الصين أهم جزء فى معادلة سلاسل الإمداد عبر العالم، بل إنها أكبر احتياطى نقدى فى العالم، وأيضًا أكبر حائز لديون أمريكا بالدولار (تريليون دولار).

بدأت المعركة حين فرضت أمريكا رسومًا بنسبة %34 على منتجات الصين، على ظنٍّ منها أن الصين لن تردّ على مثل هذه الرسوم وستمتثل لها، لكنْ، على النقيض، قامت الصين بالرد على أمريكا وفرضت الرسوم نفسها على منتجات أمريكا، لم تكتفِ أمريكا بذلك، وجُنّ جنونها وفرضت رسومًا انتقامية بنسبة %104 على منتجات الصين، فى حين قامت الأخيرة بالرد وفرضت رسومًا جمركية بنسبة %84 على واردات أمريكا، ثم تطورت الأمور إلى أن زادت أمريكا الرسوم على الصين إلى أن وصلت إلى نسبة %145، فردّت الصين برفع الرسوم على واردات أمريكا بنسبة %125، وزادت الصين على ذلك أنها أمرت البنوك الحكومية بتقليل شراء الدولار، وبدأت بيع سندات أمريكية فعلًا، وهذا مفاده أن عوائد الديون الأمريكية ستزيد، وأن الموازنة الأمريكية ستتحمل خسائر ثقيلة جدًّا بسبب ارتفاع تكلفة الدين. ثم قامت أمريكا بتصريحات بشطب الشركات الصينية من البورصات الأمريكية ومنع التمويل عنها، ولو حدث ذلك فإن الصين ستقوم بخفض اليوان أكثر لكى تعوِّض الرسوم، والأخطر من ذلك ستبيع كميات أكبر من السندات الأمريكية، وستضرب ثقة الكثير من المستثمرين فى الدولار الأمريكى نفسه. وفى حال قررت أمريكا التصعيد أكثر، ستلعب بالورقة التى تكرهها الصين؛ وهى دعم تايوان عسكريًّا واقتصاديًّا، وساعتها ستردُّ الصين لكنْ، هذه المرة، سيكون الرد عسكريًّا. ولو صارت الأمور على نحو متزايد من التصعيد، سيكون السيناريو العسكرى واردًا وليس احتمالًا.

أهلًا بكم فى العالم الجديد… عالمٌ لا يعرف غير لغة القوة.

فى العقد الأخير، تحولت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من مجرد نزاع اقتصادى إلى معركة جيوسياسية كبرى تهدد بزعزعة الاستقرار المالى العالمي. بدأ الصراع بفرض رسوم جمركية متبادلة، ثم تصاعد إلى حرب تكنولوجية وحظر شركات، ووصل، اليوم، إلى سباق محموم على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية. فما تداعيات هذا الصراع على الاقتصاد العالمي؟ وهل نحن أمام نظام اقتصادى جديد تتشكل معالمه من أنقاض العولمة؟

جذور الصراع: من التعاون إلى المواجهة

لعقودٍ، اعتمدت الولايات المتحدة على الصين كـمصنع العالم، بينما استفادت الصين من التكنولوجيا والأسواق الأمريكية. لكن مع صعود الصين كقوة اقتصادية منافِسة، بدأ التوتر يظهر فى عام 2018، حيث أشعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فتيل الحرب التجارية بفرض رسوم جمركية بقيمة 200 مليار دولار على البضائع الصينية، فردّت الصين بردود مماثلة، لكن الحرب لم تتوقف عند الرسوم، بل امتدت إلى الحرب التكنولوجية؛ حيث تم حظر شركات مثل هواوى وتيك توك وZTE من السوق الأمريكية.

العالم بين المطرقة والسندان

أدت الرسوم الجمركية إلى زيادة تكاليف الاستيراد، مما رفع أسعار السلع فى أمريكا والعالم. وتضررت سلاسل التوريد العالمية، خاصةً فى صناعات السيارات والإلكترونيات، وحدث انقسام للسوق العالمية إلى معسكرين، حيث بدأت الدول تختار بين التعامل مع أمريكا أو الصين، فمعسكر أمريكا وحلفائها (أوروبا، اليابان، أستراليا) يشددون القيود على الصين، فى حين تُعزز الصين تحالفاتها مع روسيا ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

مع استمرار التصعيد، تتشابه المواجهة الأمريكية الصينية مع الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لكنْ، هذه المرة، بالاقتصاد كسلاح رئيسي. التحديات المستقبلية تشمل تسريع سباق التسلح التكنولوجى والذكاء الاصطناعى والفضاء والتأثيرات على أمن الطاقة، مع التنافس على موارد أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك كله قد يؤدى إلى إمكانية انهيار النظام المالى العالمى بأكمله.

العالم على حافة الهاوية

فى النهاية لم تكن الحرب التجارية بين أمريكا والصين مجرد نزاع على المكاسب الاقتصادية، بل هى معركة على شكل النظام العالمى الجديد. وإذا استمر هذا التصعيد بين الدولتين، فقد ندخل عصرًا من الانقسام الاقتصادى والركود العالمي، والحل الوحيد هو التفاوض وإعادة صياغة قواعد التجارة الدولية، لكن مع تنحية الخلافات جانبًا. لكنْ يبدو أن العالم مقبل على تحولات جذرية ستغير خريطة القوى العالمية للأبد، وستشكل اقتصادات جديدة، وستختفى أخرى قائمة بالفعل، هل نحن مستعدون لعالم بلا عولـمة؟ أم أن الحرب التجارية ستشعل حروبًا أكبر؟ سنرى فى الـمستقبل القريب!

محمود الحلفاوي

* شركة/ زيلا كابيتال للاستثمارات المالية