ايمان عبدالحميد:
حين واجهت علي المستوي الشخصي مشكلة البحث عن شقة صغيرة لصديق مغترب، يعيش فيها بمفرده وتكون بمقابل مادي صغير يتناسب مع كونها محل إقامه مؤقتاً لحين تحسن الاحوال أو الاستقرار بالزواج في شقة أكبر.. ايهما اقرب، كانت النتيجة انني اكتشفت سيادة مفهوم «البراح» علي عقلية القائمين بالاستثمار العقاري في مصر، والمتشبعين بفكرة ان الشقق الواسعة التي لا تقل مساحتها وحدها عن 90 متراً، هي وحدها التي تلقي الرواج، دون النظر إلي الاحتياجات الفعلية للسوق، ورغبات العملاء ممن يفضلون الاقامة في وحدات سكنية صغيرة مثل تلك المنتشرة في الدول الأوروبية وبعض الدول العربية والمسماة «استوديو سكني» وهي عادة فئة المغتربين والمقبلين علي الزواج، وراغبي الاقامة بمفردهم ومن لا تستوعب امكانياتهم المبدئية شراء شقة كبيرة.
وهو ما اثار سؤالاً.. لماذا لا يهتم القطاع العقاري بانتشار مثل هذه الوحدات أو بشكل أكثر دقة.. لماذا يغفلون رغبة الشريحة من الساكنين.
المهندس حسين صبور رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي للاستثمار العقاري ارجع عزوف المستثمرين العقاريين عن بناء وحدات «الاستوديو» الي سيطرة العادات الاجتماعية الخاصة بضرورة الزواج في شقق فسيحة وذلك بالرغم من ضيق ذات اليد لقطاع كبير من الشباب، وهو ما يفسر به ايضا الاتجاه إلي اقامة شقق واسعة.
ورغم تأييد مهندس حسين صبور الشديد لفكرة انشاء شقق «الاستوديو» إلا أنه تساءل.. هل يملك الشباب القدرة علي شراء «الاستديوهات» ام انها ستكون مكلفة عليهم ايضاً ؟. لذلك يطالب بضرورة اجراء دراسة حول تناسب مستويات الرغبة في انشاء الشقق الاستديوهات ومدي القدرة علي شرائها، ويضيف «أرجو أن تظهر الدراسة نتيجة تؤيد انشاء عدد مناسب منها أو تبني مشروع يدعم انشاء الاستديوهات.
ويرجع مهندس صلاح حجاب، نائب رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال، أحد اسباب حالة الكساد التي يعاني منها المجال العقاري حاليا إلي توجيه الاستثمارات إلي اقامة الشقق الكبيرة حتي تفي باحتياجات المشترين في الحصول علي شقة العمر والتي قد يستدين بسببها بقية عمره، أما طبيعة الأمور والتي سيدعمها قانون التمويل العقاري فسوف يكون هناك احتياج لوحدات صغيرة في ظل ان تطور الوضع الاجتماعي للشباب وتجاوزه لمصاريف الزواج المبدئية، فإنه سيلجأ إلي الانتقال لشقة أكبر من خلال قانون التمويل ايضا بذلك ستحدث حالة من الحركة والتطور في السوق وهو ما يتطلب توفير جميع مساحات الوحدات، دون الاهتمام بالشقق الكبيرة فقط.
عن تكلفة انشاء الشقة الاستديو يقول حجاب هناك ثوابت في انشاء أي شقة سواء كانت كبيرة أو صغيرة فالجزء الخدمي ثابت في الوحدات مثل الحمام بكل توصيلاته والمطبخ أما المتغير فهو المساحة الأخري مثل وجود حجرة أو حجرتين ولكن بالطبع تكلفة الشقق الاستديو أقل بكثير من تكلفة الشقق الكبيرة.
أما مهندس سمير علام رئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية، فيري ان الأمر يتطلب التجربة في البداية، نظراً لتصديه لمفهوم اجتماعي وتقاليد مترسخة في العقلية الاجتماعية، دون ان يكون له أي تحليل علمي مفهوم حول سبب عدم وجود مثل هذه الشقق.
فالمتعارف عليه ان المقبل علي الزواج يحتاج إلي حجرتين علي الأقل، وبالتالي ستمنع التقاليد الاقبال علي شراء الشقق الاستديو.
ويشترط علام لتنفيذ المشروع تبني النقابات للسكن الفردي وايضا تعاون الجهات الحكومية المختلفة مثل توفير الارض بالثمن المناسب حتي يمكن اقامة اسكان استديو بثمن معقول للمستخدم النهائي.
أما مهندس حاتم فؤاد رئيس مجلس إدارة شركة مصرية للاستثمار العقاري فيشترط اجراء مسح لبيان حجم الاقبال المتوقع علي السكن في الشقق الصغيرة في المدن الجديدة لمعرفة مدي الاقبال علي شرائها والاهم من ذلك السكن فيها، وهل يتقبل المجتمع فكرة اقامتهم بمفردهم بصورة مستقلة عن الأهل داخل هذه الاستديوهات.
أما مهندس عصام عباس رئيس مجلس إدارة شركة المقاولين العرب للاستثمار (سابقا) فيري أن الأمر يحتاج إلي مجهود في البداية لاقناع المجتمع وتغيير نظرته، مؤكداً ان قانون التمويل العقاري سيحل جزءا من المشكلة من خلال امكان تصرف الشباب في شقق الاستديو بأسرع وقع في حالة رغبته في الانتقال لشقة أكبر حيث تخوف المستهلكين من عجزهم عن بيع هذه الوحدات متي ارادوا، يعتبر أحد اسباب عدم الاقبال علي شراء هذه النوعية من الشقق وهو ما سيحتاج بالتأكيد إلي وقت للتفاعل مع هذا التطور الجديد، ضارباً المثل بتخوف الكثيرين من قانون الايجار الجديد لمدة عامين علي الاقل، قبل ان يبدأوا في التعامل معه بعد اقتناعهم به ولاضطرارهم ايضا لمجاراة الظروف التي نعيش فيها.
أما أغرب سبب لعدم اقامة هذه الشقق فكان سببا اخلاقيا صرح به مهندس أنور الحماقي نائب رئيس اتحاد المقاولين والبناء بقوله: أنا محرج ان اقول إن انشاء هذه الشقق سيؤدي لاستعمالها بشكل خاطيء في ممارسات منافية للآداب وهو ما يحتاج إلي تغيير فلسفة الناس في التعامل مع هذه الشقق فرغم انتشار الشقق الأستوديو في الدول الغربية والدول العربية إلا اننا في مصر مازلنا متخوفين من اقامتها.
حتي الشركات التي أقدمت علي خوض مغامرة انشاء شقق استديو (من وجهة نظرها) كان لها ظروفها الخاصة مثل شركة الإسكندرية للتشييد والبناء والتي أقامت مشروعات تحتاج فيها الشقق الاستديو مساحات مختلفة نسبة لا بأس بها وتبدأ من 27 مترا مربعا.
ويقول وليد عبدالحميد مدير مبيعات الشركة أن معظم من يقبلون علي شراء هذه الشقق من المقيمين في القاهرة أو طنطا وذلك لقضاء فترة الصيف فيها نظرا لاستيفائها كل احتياجاته فلماذا يضع أمواله في شقة كبيرة ويغلقها فترة زمنية طويلة في العام. ولم أصادف انه حجز لدينا شاب شقة استديو ليتزوج فيها وعلي امتداد عملنا منذ سنوات كانت احتياجات الشباب علي الاقل شقة غرفتين وصالة وهناك فئة جديدة بدأت تطلب هذه الشقق وهم المسنون للاقامة فيها عندما يهجرهم الأبناء.
أما هالة رأفت مساعد مدير مبيعات شركة دريم لاند فتقول: نحن أول من أنشأ الاستديو في مصر وقد قمنا «بتمصيره» وهو عبارة عن غرفة نوم مقفولة ورسيبشن وقد لاقت اقبالا منقطع النظير في عام 1999 ومن جميع الاعمار وكان الهدف الأول لهم حجز أماكن في المنتجع يستطيعون تمضية أوقات جميلة فيها نظراً للمساحات الخضراء الواسعة التي تحيط بها.
وتضيف هالة رأفت أن سعر بيع الوحدة بلغ 90 ألف جنيه في عام 99 وبالتقسيط علي 7 سنوات وبتشطيب كامل بينما ثمنها الآن 70 ألفا نصف تشطيب ويكمن السر وراء ارتفاع تكلفتها إلي أسلوب البناء الذي اتبعناه بحيث لا يشعر المشتري بالازدحام فهناك 3 أسانسير و3 مناور ومساحة الشقة 67 مترا عبارة عن غرفة مقفولة والباقي مساحة مفتوحة.. وقد درسنا الفكرة جيداً قبل انشائها والنتيجة أن الشقق التي طرحناها للبيع (حوالي 180 شقة ( نفدت.