دعاء حسنى وهبة محمد وشريف عمر:
نادى عدد من الحكومات المتعاقبة بأهمية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الـ”SME’s”، كما تم إطلاق العديد من المبادرات للاستفادة من هذه الشريحة العريضة من الشركات فى دعم الاقتصاد، أبرزها تدشين بورصة النيل وتأسيس صندوق بداية التابع لوزارة الاستثمار لتمويل وتأهيل تلك المشروعات، إلا أن شريحة المستفيدين لا تزال محدودة ولم تصل إلى المستهدفات المعلن عنها.
ثم أطلق البنك المركزى بداية العام الحالى مبادرة جديدة لتحفيز البنوك على تمويل الـ”SME’s” بفائدة %5 متناقصة، كما ألزمها بتخصيص %20 من محافظها الائتمانية خلال 4 أعوام لتمويل مشروعات هذا القطاع، وبهدف تخفيض تكلفة التمويل على هذه الشريحة من الشركات وتحفيز الشباب على تأسيس مشروعاتهم بهدف تقليل معدلات البطالة.
إلا أن مبادرة المركزى، شهدت العديد من المشاكل مع بدء تطبيقها عمليا، أسفرت أيضا عن قلة حجم الشريحة المستفادة منها، الأمر الذى يهدد بفشلها فى تحقيق الأهداف المرجوة.
وتعد اشتراطات التمويل التى تضعها البنوك للتحوط من مخاطر التعثر، من أبرز العوائق التى تقف سدا أمام فاعلية المبادرة، فى ظل اشتراط بعضها أن يكون المشروع قائما بالفعل، بما يعنى أن المشروعات التى ما زالت تحت التأسيس قد يتعذر عليها الحصول على التمويل المطلوب، علاوة على شرط تحقيق المشروع الذى مر عليه أكثر من عام لمبيعات تتجاوز مليون جنيه، والذى يعد شرطا تعجيزيا خاصة فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى.
ورصدت”المال” من قرابة 6 بنوك الشروط والمستندات اللازمة للحصول على تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن المبادرة، والتى تلخص أهمها فى تقديم مستندات لأوراق السجل التجارى والبطاقة الضريبة، فضلا عن ضامن للعميل فى حالات المشروعات الجديدة، أما القائمة فيضاف إليها بخلاف الأوراق السابقة قوائم مالية لبعض الأعوام السابقة، بالإضافة إلى دراسات جدوى توضح التدفقات النقدية للمشروع، فيما أحجمت بعض البنوك عن المشاركة فيها من الأساس.
قال خبراء ومصرفيون وبرلمانيون، إن البيروقراطية والعوائق الحكومية الأخرى تقلل رغبة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة للانضمام إلى الاقتصاد الرسمى ومن ثم ضعف شهية البنوك لمنحها التمويل، كما أن كثيرا من هذه المشروعات التى تعمل تحت مظلة المنظومة الحكومية لا تمتلك قوائم مالية معتمدة أو منظمة تمكنها من تلقى التمويل.
وطالب الخبراء الحكومة بمزيد من الدعم لهذه الشريحة من الشركات، عبر تأسيس جهة تؤهل أصحاب تلك المشروعات للتعامل مع البنوك، وتأهيلها للمنافسة والتوسع فى الأسواق الخارجية، إلى جانب إنشاء صندوق للتأمين ضد مخاطر عدم سداد القروض، والتسويق الجيد لاشتراطات مبادرات تمويل هذه المشروعات.
قالت بسنت فهمى، عضو مجلس النواب، إن اللجنة الاقتصادية بالمجلس طالبت طارق عامر محافظ البنك المركزى، بموافاة المجلس بما تم فى المبادرة التى أطلقها مطلع العام الحالى بتمويلات تصل لـ200 مليار جنيه، وآلية توزيعها والقطاعات المستفادة منها.
وأوضحت أن “النواب” طالب أحد نواب محافظ المركزى منذ فترة بتقديم تقرير لتقييم المبادرة، إلا أنه لم يتلق ردا حتى الآن.
وأضافت أن المجلس تلقى العديد من الشكاوى من شباب تفيد بصعوبة حصولهم على تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى إطار مبادرة البنك المركزى، قائلة:” قد يكون الشاب مخطئا أو أن المبادرة غير مفهومة لهم بالقدر الكافى”.
ولفتت فهمى، إلى أن أهم عوامل نجاح مبادرة المركزى هو التسويق الجيد لها مع توفير شرح تفصيلى للأوراق المطلوبة وشروط الحصول على التمويل وقيمته وفترة السداد، مؤكدة أن كل تلك الاشتراطات يجهلها الشاب خاصة أن أغلب المتقدمين للحصول على تلك المبادرة أعمارهم صغيرة ولم يسبق لهم التعامل مع البنوك.
وقالت مروة منير، مدير علاقات المستثمرين بشركة الدولية للصناعات الطبية “إيكمى”، إن شركتها تحاول منذ فترة الاستفادة من مبادرة “المركزى” لدعم الشركات الصغيرة بقروض ميسرة وفائدة منخفضة، إلا أن تلك المحاولات لم يحالفها التوفيق حتى الآن.
وتعمل إيكمى فى إنتاج وتعبئة الخيوط الجراحية، وسنون الإبر، وكل المستلزمات الطبية عبر مصنع الشركة، ويبلغ رأسمالها 12 مليون جنيه.
ودعت منير، لتفعيل مجموعة المبادرات التى أطلقت لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة للقضاء على حالة عدم التنسيق الحكومى لهذه المبادرات، وهو ما قاد لتقليص استغلال واستفادة الشركات الصغيرة منها.
وعلى صعيد آخر أكدت داليا عمر المدير المالى، مدير علاقات المستثمرين بشركة المجموعة المتكاملة للأعمال الهندسية، نجاح شركتها فى الاستفادة من مبادرة المركزى فى الحصول على قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة.
ووقعت المجموعة عقد تسهيلات ائتمانية مع البنك الأهلى المصرى بقيمة 8 ملايين جنيه، موزعة ما بين 5 ملايين تسهيلات مباشرة، و3 ملايين غير مباشرة، لمشروعات الشركة القائمة، بفائدة %5 متناقصة، وتلاه عقد آخر لقرض بـ 2.5 مليون جنيه، بعائد متناقص %5، فى إطار مبادرة الحكومة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويتمثل نشاط المجموعة المتكاملة للأعمال الهندسية، فى تركيب المنشآت المعدنية، الخاصة بالأنشطة الصناعية والتجارية، وتركيب جميع المعدات الميكانيكية، وخطوط وشبكات المواسير للمنشآت الصناعية، وتركيب مستودعات، وصهاريج التخزين، وتصميم وتصنيع، جميع الأعمال الحديدية.
فيما أشاد أحمد مجدى، استشارى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالمبادرة على المستوى النظرى، لأنها توفر تمويلاً بأسعار فائدة منخفضة تصل إلى %5 متناقصة فى مقابل ما يزيد على %12 لنظيرتها خارج المبادرة، لكنه أوضح أنه عملياً فإنها قد لا تصل إلى الفئة المستهدفة منها.
وأضاف أن كثيرا من عملاء المشروعات الصغيرة والصغيرة جدا لا يمتلكون قوائم مالية ملائمة تمكنهم من تلقى التمويل، الأمر الذى يجعلهم غير مؤهلين ائتمانياً كما لا توجد لديه ضمانات عينية تسهل على البنوك الرجوع إليها فى حال التأخر عن السداد بما يزيد معدلات التعثر ومن ثم يقلل رغبة البنوك فى منحهم القروض.
وأشار إلى عائق آخر يمنع وصول التمويل لبعض العاملين فى القطاع ويتمثل فى عدم امتلاكها مستندات حكومية تعتمد عليها البنوك فى نجاح المشروع وسداد قيمة التمويل، فى حين أن كثيرا من الشركات تحجم عن الانضمام للاقتصاد الرسمى، لاسيما فى ظل ارتفاع تكلفته والمتمثلة فى الضرائب والرسوم الحكومية الأخرى على المشروع ويرون أنها أعلى بصورة أكبر من مزايا سعر الفائدة التى تفرضها المبادرة.
وأشار إلى الكثير من البنوك لا تفضل تمويل المشروعات الجديدة، خاصة أن مخاطرها عالية وقد لا تمتلك دراسات جدوى تمكنها من الاستمرار فى المشروعات، مؤكدًا ضرورة أن تمنح الحكومة مزايا ضريبية لانضمام تلك الشريحة لمنظومة الاقتصاد الرسمى.
وقال إن المبادرة ستنجح على المدى الطويل إلا أنها لن تصل إلى الشرائح المطلوبة وتحقق فاعلية فى ضم المشروعات للاقتصاد الحكومى، خاصةً أن كثيرا من البنوك غير راغبة فى تحمل معدلات مخاطر مرتفعة عكس بعض المصارف الحكومية كالأهلى ومصر اللذين قد يلعبان دوراً قومياً.
وقال إنه رغم إلزام البنوك بتحقيق نسبة الـ %20 من المحافظ الائتمانية على مدار السنوات الأربع المقبلة، لكنها قد ترى تحسن الأوضاع الاقتصادية ورفع قدرة الشركات بصورة تدريجية، موضحاً أنها فى حال عدم مقابلة تلك النسبة فإنها لن تعتبر الأسوأ مقارنةً بمعدلات التعثر التى قد تتحملها فى حال الخوض باجراءات التمويل.
وقال إسماعيل محمود، نائب رئيس قطاع الـ”SME’s” بأحد البنوك، إنه لا يمكن تقييم المبادرة فى الوقت الراهن، خاصةً أنها ما زالت وليدة ولم تمر فترة زمنية طويلة على إطلاقها، كما أن المشكلات الحالية التى تعيشها السوق والمتمثلة فى تدبير العملة الأجنبية أربكت حسابات البنوك الخاصة بالجانب التمويلى.
وأضاف أنه كان يجب التنسيق بين البنك المركزى والوزارات المعنية والجهات الإعلامية بجانب البنوك قبل إطلاق المبادرة، لاسيما أن كثيرا من البنوك مازالت تعكف على تأسيس إدارة خاصة بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأشاد بجهود المركزى فى هذا الصدد إذ وضع تعريفاً واضحاً لهذه المشروعات ثم تدشين المبادرة بما يحقق استفادتها بصورة كاملة من التمويل منخفض التكلفة، كما يتابع دوريا أداء البنوك فى هذا الشأن لمقابلة نسبة الـ %20 من المحفظة خلال السنوات الأربع المقبلة.
وأكد أنه يجب على الدولة منح أصحاب تلك المشروعات حوافز ضريبية وخفض رسوم التسجيل لتحفيزهم على الانضمام للمنظومة الرسمية ومن ثم تحقيق هدف المبادرة، مشيراً إلى ضرورة توافر كل المستندات الدالة على نجاح المشروع لتمويله، إذ إنه لا يمكن للبنوك منح التمويل دون توافرها.
وأشار إلى أهمية التأكد من قدرة المشروع مالياً من خلال الاطلاع على كل أوراق تسجيله حكومياً حتى لا ترتفع معدلات التعثر التى ستؤثر سلباً على أداء البنك، مشيراً إلى أن معظم البنوك تلعب دوراً استشارياً لدعم العملاء.
قال هيثم وجيه عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، إن منظومة رعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر فى حاجة لمزيد من التكامل بين الجهات الحكومية والخاصة، بديلاً عن العمل بنظام الجزر المنعزلة المطبق حالياً.
وأوضح، أنه بخلاف مبادرة المركزى لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن أغلبية الوزارات لديها إدارات مستقلة لهذا القطاع، وهناك بورصة النيل لرعايتها، علاوة على رغبة رجال الأعمال فى توفير التمويلات.
وتابع: رغم وجود هذا الكم الإيجابى الهائل لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكن النتائج المحققة حتى الآن، لا تدلل بوضوح على فاعليتها فى تطوير القطاع، لعدة أسباب منها ما هو مرتبط بالشركات نفسها، أو بتخوفات تلازم مقدم المبادرة فى السوق المحلية.
وأشاد وجيه بمبادرة المركزى لتوفير قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة للشركات الصغيرة، الا ان البنوك ما زالت تتخوف من منح التمويلات بسبب مخاطر التعثر، او لعدم امتلاك الشركات المستندات اللازمة لمنح القروض، وصعوبات اعداد قوائم مالية تعبر بدقة عن الأوضاع المالية والتشغيلية للشركات نفسها، فضلاً عن صعوبات توفير الشركات للمواد الخام اللازمة للانتاج، وبعض العراقيل الادارية والتشريعية التى تواجه مجال عملها.
وتطرق لاعلان الحكومة منذ فترة – وصفها بالبعيدة – عن تأسيس وزارة جديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لخدمة القطاع، ولم يتم الاعلان عن أيه جديد حول تلك الخطوة، وكأن اعلاناً لم يتم، ولا يعرف أحد مصيرها حتى الآن، هل ما زالت ضمن اولويات الحكومة، او تم الغاؤها.
ورأى رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالجمعية المصرية للاستثمار المباشر أن اغلبية رجال الاعمال ممن اهتموا بالاستثمار فى الشركات الصغيرة من خلال توفير تمويلات صغيرة نسبياً مقابل تحقيق أرباحأً بعد فترة من الاستثمار، وتفضيل الاحتفاظ بالطبيعة العائلية لشركاتهم. قد انخفضت حماستهم للاستمرار فى تلك الفكرة، بسبب كماً من التعقيدات المالية والنقدية التى تعصف بالسوق المحلية، علاوة على تخوفات من اصحاب الشركات أنفسهم فى دخول مساهمين جدد كشركاء مع المؤسسين.
ولفت الى أن بورصة النيل ما زالت فى مرحلة النمو، ودعى ادارة البورصة لاضافة مزيد من التنيسيرات التشريعية والنقدية والاجرائية، واعفاءات ضريبية، للشركات التى تنوى القيد فى بورصة النيل، بهدف زيادة اهتمام الشركات بتلك السوق المهمة فى تنمية وتوفير تمويلات للشركات الصغيرة.
ونصح البنك المركزى بالاعلان صراحة على ضمانة المركزى لتحويلات أو خروج أيه أموال تستمر فى مصر فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة خلال المرحلة المقبلة، وهو الاعلان الذى راهن عليه فى جذب الاستثمارات الاجنبية لاختراق قطاع الشركات الصغيرة العاملة فى مصر.