يترقب مستثمرو السندات في الولايات المتحدة وبريطانيا قيام البنوك المركزية بالاستعداد لانهاء سياساتهم التحفيزية الخاصة بشراء السندات والمعروفة بسياسة التوسع الكمي، تدور مخاوف المستثمرين حول سؤال واحد رئيسي وهو إلي أي مدي سترتفع عوائد السندات خلال العام الحالي في الوقت الذي انسحب فيه كبار مشتري الديون من الساحة في العام الماضي؟ وهل ستتوفر لدي مستثمري القطاع الخاص القدرة علي الجلوس محل البنوك المركزية.
وبينما يستطيع الاقتصاد الذي يشهد تحسناً أن يواكب ارتفاع عوائد السندات، فإن هناك نقطة يمكن أن يتعرض فيها التعافي الناشئ في النشاط الاقتصادي خاصة في سوق الإسكان إلي التهديد مع الارتفاع الجاد في أسعار الفائدة علي عوائد السندات وعلي هذا النحو فرغم أن العمل ببرامج التوسع الكمي مقررله أن ينتهي أوائل العام الحالي، فإن التمكن من العودة مرة أخري لتطبيقه قد بؤدي إلي منع العوائد المرتفعة للسندات من إلحاق اضرار بالتعافي الاقتصادي الوليد.
وتقول جريدة »فاينانشيال تايمز« إنه من المزمع أن ينهي البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برنامجه للتوسع الكمي في شهر مارس المقبل، ولكن الوثائق التي تم نشرها الأسبوع الماضي الخاصة باجتماعه الذي عقده في شهر ديسمبر لمناقشة سياساته، كشفت أن المسئولين بالبنك يشعرون بالقلق من أن انهاء العمل ببرامج التوسع الكمي في ذلك الوقت، قد يؤدي إلي التقليل من التحسن الأخير الذي طرأ علي قطاع الإسكان.
وأوضحت هذه الوثائق أن »الاحتياطي الفيدرالي« أكثر حذراً بشأن التوقعات الخاصة بالاقتصاد في عام 2010، من حرصه ربما علي سوقي السندات والسلع اللتين تبدوان أنهما تمران بدورة اقتصادية علي شكل حرف »V « بمعني تعرضها لانتعاش فركود ثم انتعاش.
وهذه العوامل من المحتمل أن تؤثر علي سوق السندات خلال العام الحالي وتعرضه لانقلاب كبير لأكثر من مرة فالمخاوف بشأن انتهاء برنامج التوسع الكمي وارتفاع أسعار الفائدة، قد تدفع عوائد السندات إلي الارتفاع بشدة إذا فقد الاقتصاد التعافي الذي حققه مما يزيد من احتمال هبوطه إلي ركود أعمق.
وقد ذكر دومينيك كونستام رئيس استراتيجية أسعار الفائدة لدي بنك »كريدت سويس« أن »الاحتياطي الفيدرالي« يمكن تحفيزه علي محاولة الابقاء علي أسعار الفائدة تحت السيطرة، وأضاف أن نقطة البداية بالنسبة لعام 2010 هي البنوك المركزية وكيف ستتحرك ببطء في اتجاه استراتيجية للخروج من برنامج التوسع الكمي؟.
وفي بريطانيا، يأتي الاختبار الكبير بالنسبة لبرنامج التوسع الكمي الشهر المقبل حيث من المتوقع أن يوقف بنك انجلترا برنامجه لاعادة شراء السندات، وبحلول ذلك الوقت فإنه من المقرر أن يمتلك البنك سندات تصل قيمتها إلي 200 مليار جنيه استرليني أو ما يوازي 318 مليار دولار معظمها سندات حكومية تقدر بـ %23 من المخزون الهائل من سندات الخزانة البريطانية.
ومن المقرر أن ينهي الاحتياطي الفيدرالي شراء رهون عقارية بقيمة 1250 مليار دولار وإصدارات سندات بما قيمته 175 مليار دولار مع نهاية شهر مارس وكان البنك قد قام بشراء سندات خزانة بقيمة 300 مليار دولار في العام الماضي.
ولكن المستثمرين يشعرون بالقلق، ففي الشهر الماضي ارتفعت عوائد السندات الأمريكية والبريطانية بشدة، وقد اعربت عدة مؤسسات استثمارية وبالأخص »بيمكو« أحد أكبر المستثمرين في السندات في العالم -عن آراء سلبية بشأن توقعاتهم الخاصة بالسندات الحكومية علي جانبي المحيط الأطلنطي، حيث ذكر »بيل جروسي« مؤسس »بيمكو« أنه من غير المرجح أن يتمكن مستثمرو القطاع الخاص من الحلول محل الاحتياطي الفيدرالي بمجرد انتهاء العمل ببرنامج التوسع الكمي بالنظر إلي حجم الاصدارات الأمريكية التي هناك حاجة لاصدارها لتمويل عجز موازنة الحكومة.
وأضافت صحيفة »فاينانشيال تايمز« أن عوائد السندات قصيرة الأجل مرتبطة بأسعار فائدة منخفضة والتي حددها كل من الاحتياطي الفيدرالي وبنك انجلترا، ولذلك فالتركيز في عمليات البيع الأخيرة كان علي السندات طويلة الأجل التي تبلغ مدتها 10 سنوات.
ومنذ بدء شهر ديسمبر ارتفعت أسعار الفائدة علي عوائد سندات الخزانة التي تبلغ مدتها 10 سنوات من %3.20.
وقفزت أسعار الفائدة علي عوائد سندات الخزانة البريطانية لمدة 10 سنوات من %3.52 إلي ذروتها حيث بلغت %4.08 خلال الأسبوع الماضي.
وبالمقابل ارتفعت أسعار الفائدة الثابتة علي الرهون العقارية لمدة 30 عاماً إلي %5.18، وهو ما يعد أعلي مستوي لها منذ شهر أغسطس، وقد صعدت من مستواها المنخفض الذي بلغ %4.61 في مارس الماضي.
ومن جانبه قال جيرالد لوكاس كبير مستشاري الاستثمار لدي »دويتش بنك« إن عمليات الشراء التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي يجب ألا يتم التقليل من قدرها واهميتها أو تجاهل متي سيتم تحديد موعد انتهائها.
وأوضحت صحيفة »فانيانشيال تايمز« أن عمليات شراء الاحتياطي الفيدرالي من السندات بلغت ماقيمته 1600 مليار دولار في العام الماضي، مما ترك ما قيمته 200 مليار دولار فقط من السندات للقطاع الخاص وذلك وفقا لمؤسسة »مورجان ستانلي« ولكن في العام الحالي يتوقع البنك الفيدرالي أن يصل حجم شرائه من السندات إلي 2000 مليار دولار.
وهذه الزيادة الكبيرة في عمليات الشراء للبنك تقف وراء دعوة البنك لكي تصل أسعار الفائدة علي عوائد سندات خزانة 10 سنوات إلي %4.50، في أواخر الربع الأول من العام الحالي أو أوائل الربع الثاني.
الوضع مشابه لما يحدث في بريطانيا حيث يخطط مكتب إدارة السندات لبيع قياسي من السندات تصل قيمته إلي 225.1 جنيه استرليني في السنة المالية التي تنتهي في شهر أبريل المقبل بزيادة نسبتها %75 علي حجم ما تم بيعه من السندات في العام الماضي.
ومع قيام حكومات أخري أيضا بزيادة إصدارات السندات فإن ذلك سوف يزيد من الخطر الحاد للزحام الذي ستشهده سوق اصدارات السندات، مما يمنح المستثمرين مزيداً من القدرة علي الانتقاء والاختيار بالنسبة للسندات التي سيقومون بشرائها.
في الوقت نفسه فإن الحجم الكبير لبرنامج التوسع الكمي أدي إلي شعور بعض المستثمرين بالمخاوف من زيادة التضخم، مما سيزيد الضغوط علي السندات طويلة الأجل ذات أسعار الفائدة الثابتة التي تلتهمها الأسعار الاستهلاكية المتزايدة، وهناك تساؤلات مطروحة أيضا بشأن التقييم الائتماني للقروض السيادية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة في الوقت الذي تقوم فيه الحكومتان ببيع مستويات قياسية من الديون.
وهذا الأمر يتضح من خلال منحنيات العوائد السريعة في سوق السندات بالولايات المتحدة وبريطانيا وبقاء أسعار الذهب مرتفعة علي ألف دولار للأوقية كما يتضح في الزيادة الحادة الأخيرة في التوقعات الخاصة بمعدل التضخم بسبب سندات الخزانة التي تؤدي إلي ارتفاع معدلات التضخم.
ورغم ذلك فإن البعض يتوقع أن ارتفاع عوائد المرهونات الأمريكية، سوف يجتذب المشترين الذين قاموا بتخفيض الكمية التي يمتلكونها من هذه المرهونات في العام الماضي من خلال بيعها إلي البنك الفيدرالي، وهذا الأمر سيساعد علي الحد من حجم مبيعات المستثمرين لهذه المرهونات.
ويتوقع »باركليز« أن تزيد عوائد المرهونات الأمريكية بمقدار 30 نقطة أساسية علي المستويات الحالية عندما تتوقف عمليات الشراء للاحتياطي الفيدرالي، ولكن سوف يقابل ذلك في وقت لاحق بطلب قوي علي هذه المرهونات.
ويؤكد آخرون أن قيام الاحتياطي الفيدرالي بابقاء الباب مفتوحاً أمام احتمال استئناف برنامج التوسع الكمي، من شأنه أن يساعد علي الحماية ومنع الارتفاع الضخم في أسعار الفائدة علي عوائد السندات.
وقد صرح ديفيد ادير المحلل الاستراتيجي لدي »سي . آر . تي كابيتال« بأن مثل هذا التمديد ليس أمراً مسلماً به، ولكنه احتمال ينبغي أن يوفر درجة ما من التراجع والحد من أسعار الفائدة وعوائد المرهونات المتزايدة بحدة.