لماذا عجزت الصحافة الاقتصادية في مصر عن التطور؟!

لماذا عجزت الصحافة الاقتصادية في مصر عن التطور؟!
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الخميس, 11 سبتمبر 03

داليا ميرزابان:
 
الصحفيون المصريون الذين تميزوا بالطموح خلال عقد الخمسينيات وحتي السبعينيات أقاموا مستقبلهم المهني اعتمادا علي تغطية القصص الإخبارية السياسية الواحدة تلو الأخري غير أن الصحافة الاقتصادية عجزت عن مواكبة ذلك الازدهار، حيث أعاق تطورها سيطرة الدولة علي الاقتصاد، و التي قمعت التحليل المالي المستقل.
 
 و يعلق حازم شريف الرئيس التنفيذي ورئيس تحرير جريدة «المال» الأسبوعية المالية الناطقة بالعربية والتي طرحت في السوق في منتصف مارس الماضي؛ قائلا: “علي مدي سنوات كان الصحفي الطموح يركز علي السياسة، ولم يرغب أي موهوب في مجال الإعلام في أن يصبح صحفيا اقتصاديا.»
 
وحاليا، بينما تحقق مصر تقدما في اتجاه تفكيك سيطرة الدولة علي التنمية الاقتصادية والتحول إلي رأسمالية السوق، يحاول الإعلام الاقتصادي المحلي جاهدا أن يملأ الفجوة في الصحافة الاقتصادية. وفي منتدي اليورومني الاقتصادي الذي عقد في القاهرة في سبتمبر الماضي، خصصت إحدي جلسات النقاش لتحديد دور المؤسسات الصحفية الدقيق في الصحافة الاقتصادية في ضوء أهمية الاستثمار الأجنبي بالنسبة للبلاد، وبالتالي أهمية صورتها، وهي الجلسة التي شارك فيها متخصصون إعلاميون علي المستوي الإقليمي.
 
وفي حديثه خلال المنتدي أرجع هاني شكر الله ؛ مدير تحرير جريدة الأهرام ويكلي الناطقة بالإنجليزية والتي تسيطر عليها الدولة ؛ «المشكلة البالغة الخطورة» في التغطية المحلية للأخبار الاقتصادية إلي انعدام الكفاءة الفنية والتخصص بين الصحفيين حتي فيما يخص أسس النظرية الاقتصادية. وقال إن الصحفيين غير المتخصصين لا يستطيعون معالجة قضايا عجز الموازنة أو قانون الضرائب الجديد معالجة جيدة.
 
وانتقد أحد المسئولين الاقتصاديين بالحكومة الإعلام الناطق بالعربية «تغطيته الرديئة لسياسات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لتحرير الاقتصاد، بما في ذلك تعويم العملة  في شهر يناير الماضي. ولاحظ المسئول بامتعاض أن «المقالات التي كتبت في الصحافة المحلية تأييدا لتعويم العملة كانت قليلة للغاية» وأضاف أن الإعلام عموما يركز أكثر من اللازم علي الارتفاع الهائل في مستوي التضخم علي حساب التطورات الإيجابية علي مستوي الاقتصاد الكلي مثل تراجع العجز التجاري منذ التعويم.
 
التغطية الإعلامية السلبية لتخفيض قيمة العملة، وفقا لحازم شريف، لا تدعو إلي الدهشة، فقد سحب إعلان يناير السجادة من تحت أقدام المصريين الذين هيئوا منذ فترة طويلة للاعتقاد بأن كرامة البلاد وشرفها يرتبطان ارتباطا وثيقا بقيمة عملتها السيادية. ويقول شريف، «علي مدي الخمسين عاما الماضية، كان الناس يسمعون من الحكومة أن ثبات سعر العملة أمر جيد، والآن يقولون لهم إن تخفيض قيمة العملة إيجابي».  
 
وأضاف أن التضخم هو أكثر النتائج الملموسة لتخفيض قيمة العملة بالنسبة للمواطن المصري العادي ، وبالتالي فهو ما تهتم به التغطية الصحفية.
 
وفي نفس السياق، غالبا ما لا يثق المصريون في القطاع الخاص والبنوك والمؤسسات الرئيسية الأخري للرأسمالية، التي يرونها في حالات معينة نقيضا للقيم المصرية. ووفقا لرالف بيرينجر، أستاذ الصحافة والإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن مفاهيم مثل الحرية والتحرر ودور الفرد مقابل دور الدولة في المجتمع ليست متطورة بصورة جيدة علي المستوي القومي، والصحافة الاقتصادية الناشئة في مصر تعكس ذلك. وقال بيرينجر، “إن هناك فهما غاية في السطحية لما يعنيه اقتصاد السوق ، ولا يوجد فهم عميق لكيفية عمل السوق الحرة وكيفية التدفق الحر للمعلومات».
 
ويعتمد أيضا توفير المناخ الملائم لصحافة اقتصادية جيدة اعتمادا كبيرا علي توافر المعلومات الدقيقة والإحصاءات والرأي. وعلي سبيل المثال فإن وجود مجموعة من شركات السمسرة، التي تقدم تحليلا مستقلا لسوق الأسهم، ساعد الصحفيين في تغطية حركة السوق بكفاءة أعلي منذ بدأ التداول في بورصة القاهرة والإسكندرية الجديدة في أوائل التسعينيات.  ومع ذلك، مازال يوجد عجز خطير في المؤشرات الاقتصادية المعقدة. والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصدر الحكومي الرسمي للإحصاءات الاقتصادية يشتهر بين الصحفيين الأجانب والمستثمرين والمحللين بتقديمه أرقاما غير دقيقة، وخاصة بالنسبة للبيانات التي قد تسبب للحكومة أزمة أو مشكلة اجتماعية. ويقفز إلي الذهن هنا أرقام البطالة والتضخم.
 
ووفقا لوليد الكردي، رئيس تحريرCNBC    العربية، يواجه الصحفيون الاقتصاديون في المنطقة أيضا صعوبات بسبب غياب الاستجابة والرد علي تغطيتهم وعجزهم عن الحصول علي المعلومات الدقيقة من مجتمع الشركات. وقد بدأت محطة تليفزيون CNBC   العربية الفضائية المتخصصة في التغطية الاقتصادية والمالية إقليميا، بثها الذي يستمر طوال اليوم في يوليو الماضي بهدف واضح -كما يقول الكردي –  يتمثل في تغطية العجز في الأخبار الاقتصادية التليفزيونية.
 
في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، يفوض مسئولو العلاقات العامة بأي شركة بتوضيح وضع الشركة رسميا، كما ينتظر منهم أيضا تقديم بيانات عن الشركة بطريقة سريعة وفي الوقت المناسب.
 
وعلي النقيض من ذلك فإن مسئولي العلاقات العامة في مصر حتي في الشركات المحلية الكبيرة ليس لهم سلطة توفير حتي المعلومات الأساسية للصحفيين دون إذن مسبق من أعلي والذي نادرا ما يحصلون عليه قبل الوقت المحدد.
 
ونتيجة لذلك، غالبا ما لا يكون مسئولو الشركات “متواجدين للتعقيب عند وقت النشر”، مما يصعب معه علي الصحفيين كتابة مقال متوازن فعلا. وأكد الكردي في منتدي اليورومني «إنك لا تستطيع أن تكون إعلاما حرا إذا لم يكن أمامك إلا غرفة واحدة تتجول فيها، ولا يمكن أن تكون حرا إن لم تستطع مخاطبة الناس».
 
ولكن الصحافة الاقتصادية المتميزة تتطلب أكثر من المعارف الفنية بالسوق واستقرار تدفق المعلومات الموثوق بها، فكثير من العاملين في مجال الإعلام يؤكدون أيضا علي ضرورة حدوث تغيير كبير في الأخلاقيات الأساسية للصحافة المحلية. ووفقا لبيرينجر، ينبغي علي الصحفيين في كل مجتمع أن «يمعنوا النظر» في تحديد دورهم الاجتماعي، وتحديد القواعد والأخلاقيات التي يلتزمون بها وأن يكونوا علي وعي بانحيازهم. وقال بيرينجر، «يجب علينا أن نعترف بانحيازاتنا حتي نستطيع اختيار الكلمات ووضع أطر المقالات التي نكتبها بعناية في محاولة ألا نكون محايدين بقدر الإمكان».
 
ولكن بعض النقاد يرون أن كثيرا من الصحفيين المحليين لا يلتزمون حتي «بالحد الأدني» من قواعد مهنة الصحافة، مثل الكتابة الموضوعية، والتأكد من صحة الوقائع بمراجعة الجانبين، وتجنب تعارض المصالح، وتعريف محددات الخبر المتوازن، مثل الحصول علي رأي مصدرين مختصين وتجنب تحريف الصياغة.
 
وبينما يعمل الصحفيون بالصحف المملوكة للحكومة دون تردد أو حساب لإرضاء رعاتهم في الحكومة، يري بعض المراقبين أن الصحفيين الذين يعملون في بعض المطبوعات الاقتصادية الخاصة يحاولون أن يلعبوا نفس الدور بالنسبة للقطاع الخاص، ولذلك تصبح الصحافة الاقتصادية، في هذا المناخ، كما يقول حازم شريف،  تعادلا بين “الحكومة الجيدة مقابل الشركة الجيدة. ولا تتم تغطية الجوانب السلبية في أي من القطاعين.

 
وتزعم جريدة «المال» التي مازالت جديدة علي مسرح الإعلام المحلي، أنها تلعب في هذه المنطقة عبر تقديم التغطية «الدقيقة»والتي تتميز «بالشفافية»، والتي أصبحت ممكنة عبر الفصل الصارم بين ملكية الجريدة وإدارة التحرير. ويقول شريف أنه من بين 120 مستثمرا طاف بهم لعرض تمويل جريدته فإن 20 فقط قبلوا بالتمويل دون أدني خوف من سياسة عدم التدخل.

 
كثير من المراقبين في مجال الإعلام يعبرون عن عدم ارتياحهم لذلك الخط الذي غالبا ما يكون غامضا والذي لا يميز بين الإعلانات التجارية والصحافة الاقتصادية. فالصحفيون الذين يتلقون أجورا زهيدة بشكل عام، غالبا ما تغريهم الهدايا، والعروض المالية الصريحة، وبعض الحوافز الأخري التي تقدمها الشركات مقابل التغطية التي ترضيها. ووفقا لكثير من الصحفيين المحليين، غالبا ما يتغاضي رؤساء التحرير عن هذا السلوك. ويري شريف «إن تقييم الصحفي الاقتصادي من قبل رئيس التحرير يعتمد في بعض الأحيان علي كم الأموال التي استطاع جلبها للجريدة.»
 
ويشير المتخصصون في مجال الإعلام إلي أن الإعلام أهم كثيرا في تدهور المعايير إذا ما قورن بالتنمية الاقتصادية ، مؤكدين أن تعلم أسس علم الاقتصاد وأخلاقيات مهنة الصحافة ضروري لتحسين وضع الصحافة الاقتصادية في البلاد.
 
وقد تلقي العاملون العشرة بجريدة «المال» من خريجي الصحافة الجدد هذا التدريب لمدة ثلاثة أشهر علي أيدي خبراء السوق وأساتذة الجامعات قبل خروج الجريدة للنشر. ويقول شريف «مع استمرار التوجه نحو التحرير، سوف نحتاج لأن نشهد نشر المزيد من المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب. وينبغي تدريب الصحفيين علي عدم الخلط بين صناعة الإعلام والإنفاق علي العلاقات العامة». 

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الخميس, 11 سبتمبر 03