نزهي غليوم يكتب: قراءة مختصرة فى مشروع قانون التأمين الجديد

نأمل أن يصل مشروع القانون المقترح إلى حد الكمال الممكن ولن يكون ذلك إلا بمشاركة صادقة من المعنيين كلِ فيما هو خبير فيه بتجردِ وحياد وتنحية المآرب الشخصية الضيقة تمامَا

نزهي غليوم يكتب: قراءة مختصرة فى مشروع قانون التأمين الجديد
ماهر أبو الفضل

ماهر أبو الفضل

7:35 م, الأحد, 10 فبراير 19

من العلامات المضيئة فى سوق التأمين المصرية، ذلك الحراك الدءوب للهيئة العامة للرقابة المالية فى المجالين التشريعى والتنظيمى لقطاع التأمين.

فالرقيب المصرى كان الرائد على المستوى العربى والأفريقى ولا غرابة فى أن يستعيد الريادة مهما يكن الجهد المطلوب، خاصة مع تطور أسواق التأمين حولنا.

لذلك نأمل أن يصل مشروع القانون المقترح إلى حد الكمال الممكن ولن يكون ذلك إلا بمشاركة صادقة من المعنيين كلِ فيما هو خبير فيه بتجردِ وحياد وتنحية المآرب الشخصية الضيقة تمامَا، فهذا تشريع للأجيال المقبلة علٌها تنظر بامتنان إلى صُناع هذا العمل البالغ الأهمية.

• لقد أولى مشروع القانون تأسيس شركات التأمين عناية فائقة، وهو أمر طبيعى، ولكن جاءت بعض الفقرات غامضة مثيرة للتساؤل، مثل البند «1» من المادة «12» وهو أن الهيئة ستبت فى طلب تأسيس شركة جديدة فى ضوء حاجة السوق إليها، والسؤال هنا ما هى المعايير الموضوعية التى ستُستخدم لكشف حاجة أو عدم حاجة السوق إلى شركة جديدة ؟ وما ضرورة هذا البند خاصة مع تناول البنود التالية له أمور مهمة بشأن المنتجات الجديدة وأساليب التسويق غير التقليدية وخبرات المؤسسين وقدراتهم.

كما أكدت المادة «11» على ضرورة مساهمة المؤسسات التأمينية بنسبة لا تقل عن %25 فى الشركة الجديدة، وهو أمر غير مُبرر بالإضافة إلى المبالغة الكبيرة فى الرسوم المطلوبة التى لانظير لها فى تأسيس الشركات فى المجالات الأخرى، إلا إذا كان الاتجاه المرجو – واستبعد ذلك من وجهة نظرى الشخصية – هو الحد من الاستثمار فى قطاع التأمين ووضع صعوبات غير ضرورية أمام المستثمرين الجدد لصالح الشركات القائمة.

• لا شك أن التدريب مهم جدا فى كل قطاعات الاقتصاد وإحدى وسائل التدريب هى الدورات التدريبية، إذا ما أُستخدمت كما يجب من حيث محتواها ومن يتولاها ولمن تُقدم ؟ والتزيد فيها يُخرجها من أهدافها وجدواها وهو ما أراه فى المادة «24» من مشروع القانون.

• من الأمور الإيجابية فى مشروع القانون تطرقه إلى بعض الجوانب الفنية المهمة والتى تمس حقوق العملاء فى التعويض، ومنها ما جاء بالمادة«42»، والتى أراها متميزة جدًا ماعدا اشتراط أن تنطوى مخالفة العميل للقوانين على جنحة أو جناية «عمدية» حتى تكون هذه المخالفة مُسِقطة لحق العميل فى التعويض لأسباب عديدة أولها وجوب حث العملاء على «احترام القانون» وعدم وضع ثغرات ينفذ منها المخالفون وخلق صعوبات لإثبات التعمد من عدمه.

وللتوافق مع المادة 42، يجب لفت انتباه شركات التأمين ولجان الاتحاد المعنية بضرورة تعديل شروط الوثائق، بما يتوافق مع هذه المادة وكذلك مراجعة الوثائق التى قد ترد من معيدى التأمين، خاصة للمشروعات الكبيرة والتى تصدر كما جاءت وبها شروط لها قوة فوق المعتادة لدى القوانين غير المصرية، وهى ما تعرف بالـ«WARRANTY» فبموجب هذه الشروط يسقط حق العميل فى التعويض إذا أخل بها حتى لو لم يكن إخلاله له علاقة بالحادث أو مُسبب له أو لتفاقم خسائره الأمر الذى لاتقره القوانين المصرية وجاءت هذه المادة لتؤكده بكل وضوح.

كذلك وجوب مراجعة شروط اتفاقيات إعادة التأمين للتأكد من عدم تعارضها مع هذه المادة حتى لا تكون هناك فجوة بين شروط الإعادة الملزمة لطرفى الاتفاقية ( شركة التأمين ومعيدى التأمين ) وبين مواد هذا القانون الملزمة لشركة التأمين وحدها، والتى قد تسقط فيها شركة التأمين وتفقد فعالية غطاء الإعادة فتتحمل التعويضات وحدها رغم سدادها لأقساط الإعادة.

• أفرد القانون فصلًا للتأمين الطبى المتخصص وأيضا التأمينات متناهية الصغر، وهو أمر جيد وكان يجب الإشارة إلى إمكانية تأسيس شركات تأمين متخصصة فى مجالات أخرى، كما هو الحال فى بعض أسواق التأمين العالمية كأن تكون هناك شركة متخصصة فى التأمينات البحرية أو فى تأمينات السيارات أو فى تأمينات الائتمان والضمان….إلخ، وكان يجب الإشارة إلى شروط تأسيسها ورأسمالها ومؤسسيها…. إذ لابد أن يكون لمشروع القانون رؤية مستقبلية، وليس مفصلا على الواقع الآن.

• تناول الفصل الثامن من الباب الثالث التأمين الإلزامى، وأشار فى بدايته إلى إمكانية فرض هذه التأمينات، خاصة فى مجال المسئولية المهنية ورواد المسارح، وغيرها بقرار من مجلس الوزراء وهو أمر جيد يلزم متابعته حتى يصبح واقعا لحماية المواطن أينما كان فقد تأخرنا كثيرا فى هذا المجال.

ثم تناول المشرع فى مواد هذا الفصل تأمين المسئولية المدنية، عن حوادث مركبات النقل السريع داخل (ج. م. ع) وهنا لنا الملاحظات الآتية :

بكل أسف جاء مشروع القانون مؤكدًا ومثبتا لكل العوار الفنى التأمينى للقانون 72 لسنة 2007 فقد كان لمشرعى ذلك القانون حينها أسبابهم، والتى تتلخص فى تخفيف أعباء شركات التأمين لحساب المستثمرين الذين كانوا يأملون جلبهم لشراء شركات تأمين مصرية، وعلى حساب العملاء والمواطن أينما كان، وكانت نتيجة تطبيق ذلك القانون هى أرباح خيالية لشركات التأمين حصل الفساد على نصيب الأسد منها حتى صُدمنا بتصريح أحد مسئولى التأمين العارفين ببواطن الأمور بأن هناك وثائق تأمين تصل رسومها إلى مليار جنيه، تضل الطريق إلى شركات التأمين متخذة مسارات أخرى، فضلا عن انحسار المسئولية المجتمعية للتأمين و تراجع دور شركات التأمين ككيانات تقوم بسداد التعويض المناسب للمضرور بقدر ما وقع عليه من ضرر بسبب خطأ المؤمن له ونيابة عنه.

فلايزال مسمى الوثيقة هو المسئولية المدنية وأركانها معروفة وهى الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، الأمر الذى يوجب أن يكون التعويض بقدر الضرر وهنا نتكلم عن الضرر المالى والتعويض المالى، والذى يختلف بالضرورة من حالة إلى أخرى وليس قيمة الإنسان فهى ليست محل تقييم بالمال مهما بلغ، ولذلك فالنص على التعويض بقيمة محددة لكل الحالات يُخرج الوثيقة من مسماها إلى مسمى وثيقة الحوادث الشخصية كتلك المعمول بها فى حوادث الطرق والسكك الحديدية، ولكن لم يستطع واضعوا مشروع القانون تغيير مسمى الوثيقة لوروده فى قوانين أخرى يستلزم تعديلها.

ولرب قائل أليس حصول المضرور على التعويض دون اللجوء إلى القضاء وإجراءاته يعد ميزة للمضرور لسرعة حصوله على التعويض ؟؟، أؤكد عكس ذلك تمامًا واقترح عمل دراسة واقعية منذ تطبيق هذا القانون للمدة الزمنية بين وقوع الضرر وحصول المتضرر على التعويض فعلا من سجلات جميع شركات التأمين، فضلا عن أنه تعويض هزيل لا يتناسب مع الضرر إطلاقا فى كثير من الحالات.

أما الإدعاء بأن للمتضرر الحق فى اللجوء إلى القضاء للحصول على باقى التعويض المناسب لما لحقه من ضرر فهو أمر حقيقى ولكن فى ظل ضعف الوعى التأمينى والقانونى لدى الأغلبية المطلقة فى المجتمع يصبح الادعاء ضرب من ضروب الخيال، وأظن أن من يدعى ذلك يعلم الحقيقة أيضا وليت المعنيين -إن أرادوا- بحث عدد ونتيجة الحالات التى لجأ فيها المتضررون لاستكمال حقهم فى التعويض العادل والمناسب منذ تفعيل هذا القانون، ذلك مع تجاهل أنه فى حالة رجوع المتضرر على المتسبب فى الضرر وهو العميل الذى أبرم الوثيقة قد يجده غير قادر على سداد ما قد يُحكم له قضائيا بباقى التعويض والنتيجة هى دمار أسرتين فى آن واحد هما أسرة المتضرر بعدم حصولها على التعويض العادل وأسرة المتسبب فى الضرر، وهو العميل الذى أبرم وثيقة التأمين لحمايته من الضرر ولم يحصل عليها بل قد ينتهى به الأمر للسجن ليس بسبب الشق الجنائى لخطئه، فهو خارج نطاق المناقشة أصلا وإنما بسبب الشق المدنى، وهو محل الحماية التأمينية رغم أنه دفع قسطا للوثيقة أكبر مما يجب إذ لم يتم حسابه وفق دراسة علمية لكل نوع من أنواع السيارات حسب معدل خسائره – والمعنيين بالأمر يعلمون ذلك جيدا وهذه قضية أخرى-.

جدير بالذكر أن التعويض المقترح سواء للأضرار الجسمانية أو المادية سيصبح قيمة هزيلة عند إقرار القانون أو بعدة بشهور قليلة مع معدل التضخم وتراجع قوة الجنيه والقول بأن هناك آلية لمراجعة القيمة وتحريكها، أقول إن الواقع يؤكد أن عمل هذه الآلية يأتى متأخرًا دائما والأسرع هو آلية زيادة الأسعار فمنذ صدور القانون 72/2007 تمت زيادة أسعار التأمين مرتين دون تحريك مبالغ التأمين.

فضلا عن أن المشروع نص على التعويض عن العجز الجزئى عند استقرار الحالة ولم يشر إلى التعويض عن تكاليف العلاج الطبى من الإصابة، ونعلم جميعا كم هى باهظة ومدتها والتى قد تطول إلى شهور عديدة، ولم يفكر المشرع فى كيفية تدبير هذه التكاليف للمضرور بل، و ما فاته من كسب خلال فترة علاجه وتركه للجوء للقضاء وإجراءاته، والتى كان يتشدق مشرعو القانون 72 بأنهم أراحو المضرور من أعبائها.

الحق أحق أن يتبع فإن كان هناك إصرار على أنها وثيقة مسئولية فليكن لها حد أقصى وليكن مليون جنيه أو أى قيمة مناسبة يراها المشرع، ويُترك للقضاء تحديد الضرر المادى والأدبى والتعويض المناسب، مع وضع معايير موضوعية لذلك وأيضا إجراءات تقاضى سريعة، أو تغيير مسماها إلى حوادث شخصية كتلك المعمول بها فى حوادث الطرق السريعة، وقطارات السكك الحديدية، مع وضع مبلغ تأمين مناسب للأقساط المحصلة على الأقل ولمن يريد مؤشرا أو دليلًا على عدم تناسب مبلغ التأمين الهزيل للأقساط المبالغ فيها لبعض أنواع السيارات، فليرجع إلى حساب الإيرادات والمصروفات لفرع التأمين الإجبارى والفوائض المحققة ومخصصات التقلبات العكسية به وما تعنيه، وذلك بالحسابات الختامية للشركات، وقبل ذلك نسبة أقساط هذا الفرع إلى إجمالى أقساط الشركة بل ليراجع من يهمه الأمر ترتيبات إعادة التأمين لهذا الفرع بالتحديد وأرباح معيدى التأمين !!!.

وأشارت المادة 98 من مشروع القانون إلى وجوب التزام الشركات بقبول وإصدار وثائق المسئولية المدنية للسيارات، وهو أمر ليس بجديد ولكن أين التطبيق على أرض الواقع الذى يعلمه الجميع؟.

• كما أشارت المادة 176 من مشروع القانون إلى وجوب انضمام شركات التأمين لاتحاد الشركات، وهو أمر لامثيل له فى الكثير من الأسواق فالأصل أن يكون الانضمام إلى الاتحاد اختياريا وليس إجباريا، فالشركة التى ترغب فى الانضمام وتلتزم بنظامه تحصل على مزايا انضمامها، والتى لاترغب تخسر تلك المزايا بل يجب كفالة حرية الدخول أو الخروج وذلك يجعل الاتحادات تبذل الجهد لصالح أعضائها.

• نظم المشروع أعمال المهن المرتبطة بالتأمين مثل الخبراء الإكتواريين والاستشاريين والوسطاء ومعاينى ومقدرى الخسائر وهو أمر مطلوب وفيما يختص بالخبراء الاستشاريين أرى ضرورة تصنيفهم وفق مجالات خبراتهم فلا يمكن أن يكون هناك من هو خبير فى كل شىء فهناك الخبراء فى تأمينات الحياة، ومن هم خبراء فى التأمينات البحرية، ومن هم خبراء فى التأمينات غير البحرية ومن هم خبراء فى الأخطار الخاصة مثل البترول والطاقة والأخطار الهندسية وأخطار الائتمان والضمان وإعادة التأمين … إلخ، ويمكن اعتماد تخصص الخبير بناء على طلبه بشرط تقديم ما يفيد خبرته فيما يُطلب حتى لو كان أكثر من تخصص ويمكن تطبيق ذلك على الخبراء الإكتواريين بعد الرجوع إلى الجمعية الخاصة بهم، تسهيلًا على من يحتاج إلى خدماتهم لاختيار الشخص المناسب للعمل المناسب.

وأخيرا لابد أن أسجل تقديرى لكل من ساهموا وسيساهمون فى الوصول بهذا المشروع إلى الكمال الممكن، كما أشرت سلفا وأعتذر عن قسوة أى تعبير فيما تقدم إذا رأه البعض كذلك وعذرى هو غيرتى على مهنة أحترمها كثيرًا و أود أن تنال احترام المجتمع بكل أطيافه ولنبدأ بمن يعملون بالتأمين !!!

• خبير استشارى تأمين وإعادة تأمين