تدهور -وربما -انهيار سوق العقارات الأمريكية أصبح في مرمي البصر.. هذا ما يؤكده الخبراء بعد انخفاض الأسعار المستمر والمتواصل منذ بداية العام الجاري، وكانت تحذيرات الخبراء -علي اختلاف اتجاهاتهم- منذ أكثر من عام قد ازدادت سخونة، بالتوازي مع هبوط الأسعار، من أن الانهيار قادم بسبب التوسع الكبير في تقديم قروض سهلة ورخيصة، ليس لشراء المنازل فقط بل لتمويل كل احتياجات الأمريكان من الإبرة للصاروخ.
وتوالت التقارير الصادرة عن مؤسسات معنية بالشئون العقارية تشير إلي استمرار تدهور الأسعار وقالت شركة «ريلو دوت كوم» علي موقعها الإلكتروني إن أسعار المنازل متوسطة الحجم انخفضت بنسب متفاوتة في أنحاء أمريكا، وعلي مستوي 35 مقاطعة، من «انتيلوب» حتي «وودلاند» وبلغت نسبة %8,1 في مقاطعة ساكر ساكر مينتو، وفي ألدورادو %6,4 وفي بلاسر %3,5.
وتم تسجيل أكبر الانخفاضات في وودلاند بنسبة %14,1 في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، ووصل سعر وحدة الإسكان المتوسط إلي 64,9 ألف دولار تلتها وينترس بنسبة انخفاض %13,8.
وحتي وقت قريب مضي، كانت أسعار العقارات ترتفع بطريقة تدفع السوق إلي فقاعة مصطنعة وشيكة الانفجار، فمثلا قفزت أسعار الوحدات من الإسكان المتوسط في مقاطعة بروم في مارس الماضي بنسبة %27 وبلغ سعر الوحدة 107,4 ألف دولار، مقابل 84,5 ألف دولار في نفس الشهر من العام الماضي، و79,9 ألف دولار في العام السابق إلا أنه في نفس المقاطعة انخفضت أسعار عديد من المنازل في مارس بنسبة %17 وقالت مؤسسة نيويورك للإحصاءات العقارية إن 116 منزلا في المقاطعة تم بيعها بأسعار تقل عن مستويات 140 عاما مضت.
ويرجع الخبراء الانهيار الوشيك في سوق العقارات إلي التوسع في الائتمان غير المسئول ويري كثير من الخبراء أن الانهيار بدأ بالفعل، حيث ارتفعت معدلات التخلف عن سداد الأقساط مما دفع عدداً -من جمعيات حماية المستهلك إلي المطالبة بخفض نسبة الفائدة لمستوي يلائم قدرة المقترضين.
ورصد تقرير لمؤسسات الرهن العقاري أن هناك زيادة حادة في مخاطر سداد القروض بدأت مع مطلع العام الحالي وكما ذكر أحد المسئولين في شركة «ريسما نور جاج» فإن هناك علي أقل تقدير نحو 20 شركة تعمل في مجال الرهن العقاري بيعت أو أغلقت بسبب ارتفاع معدلات عدم سداد القروض.
وقال مارتن ماكس، من مركز المسئولين عن الإقراض والمساعدة الذاتية، إنه يبدو أن هناك هدوءا في نشاط سوق الرهن العقاري، إلا أنه يبدو أيضا أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وقال محللون إن هناك مؤشرات علي احتمال فقد 2,2 مليون أسرة أمريكية منازلها الفترة المقبلة بسبب عدم القدرة علي السداد وقد بدا تباطؤ نمو سوق العقارات في بعض أرجاء أمريكا، إلا أن السيناريو القادم المتوقع سيكون اسوأ وسيدخل المواطنون والبنوك إلي اسوأ نفق مظلم في تاريخ الرهن العقاري الأمريكي.
وتشير الإحصائيات إلي أن %20 من إجمالي قروض المنازل، بما يوازي نحو 1,2 تريليون دولار أصبحت رديئة وزاد من صعوبة السداد ارتفاع سعر الفائدة وزيادة عبء الدين في الوقت الذي لا يتوقع أن تنخفض الفائدة إذا ظلت أسعار المنازل مرتفعة وحتي في حالة انخفاض الأسعار، فإن المستهلك سيكون قد وقع في شريك مزيد من الالتزامات، أو بلغة المصرفيين عبء سداد الأقساط السلبية.
وقال أحد الخبراء إنه ربما تؤدي الاستعانة ببعض الأسس العالمية في التعامل مع القروض إلي حماية مستهلكين جدد من السقوط في الشرك بما قد يمنع إضافة 600 مليون دولار أخري إلي الديون الرديئة هذا العام، وأيضا يفك أسر نحو 1,2 مليون منزل استردها الراهنون بسبب عدم الحصول علي مستحقاتهم.
وقال تيري جامولا، نائب رئيس قطاع الاستحواذ في شركة عقارات، إنه رغم الانهيار في سوق العقارات إلا أن المقرضين لا يلتفتون لذلك، ومازالوا يمنحون قروضا ويمولون صفقات ضخمة بطرق شرعية، رغم أنها مرتفعة المخاطر، عبر الأقساط السلبية، وهو ما يجعل تكلفة رد الدين أقل من منحه.
وأضاف: إن من الحقائق الواضحة في سوق العقارات انتشار التمويل بسخاء، وزيادة كرم المؤسسات التمويلية لدرجات خطرة مما يجعل انهيار الأصول الأمريكية بداية من قطاع العقارات أمراً وارداً، إن لم يكن محتماً.
وتتفاخر جمعية مؤسسات تمويل المنازل عبر الرهن العقاري في أمريكا في تقرير صدر مؤخراً بأن لديها أكبر وأوسع حجم من التمويل في تاريخ التمويل العقاري في البلاد الآن، وتطلق البنوك الأمريكية علي سياسة التوسع في تمويل شراء المنازل اسم (ديمقراطية الائتمان) ويعتبرونها عصرا ذهبيا يستطيع كل مواطن -تقريبا- أن يحصل علي قرض بقليل من الالتزامات والمستندات مثل تلك التي تثبت أن راغب الاقتراض يمتلك دخلا بينما أصبح ما يشغل بال البنوك ويقلق فكرها، ليس ما إذا كانت القروض تمنح للمقترضين بشكل صحيح وإنما معدلات سعر الفائدة التي يحصلون عليها في أفضل أحوالها من عدمه.
وقال مايكل ارونستين مدير استراتيجيات الاستثمار في شركة أوسكار جريس إن القروض الجديدة انشطة تتحمل ما بين 2 و%3 من الفائدة وهو ما يزيد مخاطر القروض المحملة من الأصل بنسب مخاطر كامنة أخري، تتعلق بعدم تحري الدقة في مستندات ووثائق الحصول علي قرض، وهو ما يؤدي إلي زيادة احتمالات عدم السداد لنسبة كبيرة من القروض بما ينعكس سلبيا علي سوق العقارات ككل.
وأضاف: إن القضية بالنسبة إلي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مازالت تدور حول ما إذا كانت مشاكل الديون الرديئة ستؤثر علي قدرة المؤسسات التمويلية علي التمويل من عدمه خاصة بعدما أشار مسح لمركز البحوث التابع له إلي أن %15 من تلك المؤسسات بدأت في تقليص القروض الممنوحة لقطاع الإسكان خلال الـ3 أشهر الماضية ووجد البحث أيضا أن هناك انخفاضا بنسبة %37 في الطلب علي شراء منازل.
وينعكس تباطؤ نمو سوق الإسكان علي كل القطاعات المرتبطة وفقا لـ«آشا بانجلور» الباحثة الاقتصادية في نورثر ترست بشيكاغو، باعتبار أن صناعات مثل الأثاث والأجهزة المنزلية انخفضت بشدة العام الماضي، وفقد هذا القطاع بصناعاته المرتبطة نحو 140 ألف وظيفة منذ فبراير الماضي.
في حين قال مايك لارسون، الكاتب والباحث الاقتصادي في قطاع العقارات إنه حذر في يونيو الماضي من أن سوق العقارات بدأت يتهاوي كل جزء منها علي حدة وبدأت الأسعار في الهبوط الكبير بعد الإفراط الطويل في تمويل هذا القطاع وفي يناير الماضي صعد لارسون التحذير وقال إن ارتفاع الفائدة 17 مرة أدي إلي أن القروض الضخمة تخنق الآن ملايين من ملاك المنازل الأمريكية بعد أن قفزت الفائدة والأقساط بنسب 20 ثم 30 ثم %40 علي التوالي.
وأضاف لارسون إنه في أحسن الأحوال، فإن البنوك والمقترضين سيستطيعون -بإعمال الخيال- التوصل إلي حلول فولاذية تمكنهم من الخروج من الورطة بأقل الخسائر وهذا مستبعد، أما السيناريو المتوقع فهو الأسوأ، حيث ستحدث أزمة مماثلة لانفجار فقاعة القروض وسوق العقارات في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي.