فى حديثه الوافى للتليفزيون المصرى 3/20.. تأكدت من خلاله الصورة الإعلامية (image) الإيجابية للسيد الرئيس.. ربما أقرب ما تكون لما سبق أن أوضحته هذه الزاوية من خصاله السياسية والإنسانية فى 12 أكتوبر الماضى، إلا أنه استوقفنى- وغيرى- تقييمه السريع للعهود الثلاثة السابقة عليه.. خاصة حين أرجع جذور الأزمة الاقتصادية (دون ربطها بالبعد الاجتماعي) إلى عصر الحروب إبان عقد الخمسينيات، والستينيات، إذ كانت حتماً مقضياً- ولا تزال- على يد نفس الخصوم التاريخيين بشكل أو آخر، ذلك قبل أن يتطرق الرئيس محايداً إلى السبعينيات والعقود التالية (الانفتاح غير الإنتاجى- خيار السلام)، ولا بأس، لكن مع عدم التطرق لأسباب الأزمة المصرية المزمنة خلال المرحلة الملكية السابقة على 1952.. التى تحمل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية اللا متوازنة جزءاً مهماً من مسئولية ما عليه أحوال البلاد- لا تزال- بأقله حين قبلت منذ العام 1914 – بالتزامن مع فرض الحماية البريطانية على مصر- التفريط فى غطائها الذهبى لحساب بنك «باركليز» (دائرة الاسترليني) مقابل سند بنكى بالتعهد بالدفع لحامل الجنيه الورقى بما قيمته جنيه ذهبى وثلاثة قروش، الأمر الذى بات بلا مضمون بعد حرب 1956، خاصة مع الانتقال بعدئذ إلى «السلة الدولارية» مع بداية الستينيات، ما يعنى ووفقاً إلى أضابير البنك المركزى المصرى ومستنداته أن حرب اليمن.. لم تكن سبباً فى سحب الغطاء الذهبى لأنه ببساطة لم يكن بالتقريب موجوداً، سواء من جراء سطوة الاحتلال البريطانى أو بسبب دفع مصر إلى تركيا جزية سنوية طوال حكم الأسرة العلوية حتى 1952 – مقدارها 400 جنيه ذهبى، فإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن اعتبارات وضروريات الأمن القومى لا تقاس بالنسبة لحملة اليمن بتكلفتها المالية (500 مليون جنيه بحسب مذكرات وزير شئون الرئاسة فى الستينيات) ولا حتى بالأرواح التى أزهقت (نحو 20 ألف جمجمة تحت ثرى اليمن إلى الآن)- لم تضيع تضحياتهم- ولا ممن قبلهم- سدى، سواء فى ستينيات القرن الماضى لاعتبارات استراتيجية متصلة بهذه المنطقة التى تظل محل اهمام عهود مصر المختلفة.. منذ العصر الفرعونى إلى الرومان، والدولة الأبوية إلى عهد محمد على، إلى اليوم الذى تجوب فيها قواتنا الجوية سماواتها…. فيما يمخر أسطولنا الجنوبى عباب أمواجها.
نعم، قد تكون الإدارة المصرية استدرجت من حين لآخر- لا تزال- إلى مناطق استنزاف (1962) وإلى مناطق قتل (1967)، ولربما كان من المنطقى فى غير الظروف الإقليمية والدولية التى جرت أثناءها.. ألا تنزلق- رغم ضروراتها الجيوسياسية- فى فخاخها.. التى استطاعت مصر النفاذ منها (عصر الحروب) بفضل قاعدة التصنيع.. ومعدل التنمية الذى بلغ رغم ظروف التصدى للحروب الصهيونية والإمبريالية- لا تزال تسعى- إلى %7 سنوياً، فيما الديون الخارجية حتى 1970 لم تتعد 2 مليار دولار، ولا يعنى ما سبق التبرئة تماماً لأخطاء حقبة الستينيات (….)، إلا أن توالى الأخطاء لم تقتصر فحسب على هذه الحقبة، بل تتصل أيضاً بما سبقها وتلاها من حقب، سواء بسبب الفوارق السياسية (مضبطة مناقشات لجنة الثلاثين لوضع دستور 1923) أو الاقتصادية أو الاجتماعية قبل 1952وقت أن أعيد بعدئذ التوازن النفسى والاجتماعى لطبقات مسحوقة كان للارتقاء بها تكلفة مادية ولوجيستية لا يستهان بها، أو سواء بسبب سياسة اقتصاد «الباب المفتوح» منذ 1975 و الذى تسربت من خلاله أسراب الذباب- أوليجاركية – وكومبرادورية.. إلى فساد «رأسمالية المحاسيب» الأمر الذى ابتلع دون عوائد ملموسة أموال المعونات العربية التى توقفت بعد 1979.. ليس بسبب سياسة «السلام» التى من الصعب تخطئتها، إنما فى أسلوب ومنهج الاقتراب منه الذى يسمح لخصوم تاريخيين بالاستقواء على مصر والمنطقة على النحو المشهود فى السنوات الأخيرة.
أخيراً وليس بآخر، فإن خطورة مثل هذا الطرح الإعلامى لأزمات وطنية مزمنة لما يزيد على قرنين من الزمان.. كانت المسئولية خلالهما «تضامنية» سلباً أو إيجاباً، لربما يعيد للأذهان السجال التاريخى المحتدم بين قوى سياسية واجتماعية واقتصادية على اختلافها.. شهدتها مصر قبل الخمسينيات وبعدها.. ومنذ منتصف السبعينيات إلى الآن، أمضتها هذه القوى فى محاولات كل منها اجتذاب القرار السياسى إلى جانبها، حيث لم ينصف فى معظم الأحوال سوى القوى الأوسع حيلة دون إنصاف الحقوق المشروعة لغيرهم من المسحوقين اجتماعياً واقتصادياً، وليؤدى ذلك الخلل المقيم إلى غضبات جماهيرية وسياسية منذ مطلع الخمسينيات، وما تلاها.. حتى 2011، ما يحمل «الحكام الجدد» مسئولية الحرص على عدم الانزلاق إلى سلبيات سبق أن تغاضى السابقون عن مواجهتها رغم أهميتها.