عرفان وتقدير ( 1 )

شريف عطية

11:35 ص, الأثنين, 22 سبتمبر 14

شريف عطية

شريف عطية

11:35 ص, الأثنين, 22 سبتمبر 14

رجائى عطية:

من أكثر من نصف قرن، وأنا ضيف دائم على كثير من كتب التراث العربى، أنهل منها ما أشاء، وأجمع من المواد العلمية ما يلزمنى، وأراجع فى صفحاتها آثار هذه الحضارة الرائعة التى صنعها الأجداد. وعلى كل كتاب من كتب هذا التراث العريض، تطالعنى أسماء المحققين الذين بذلوا الجهد والعناء فى البحث والتفتيش، وقراءة المخطوطات، وتحقيق النصوص، وشرح الكلمات والعبارات، وتهيئة هذه الأسفار الضخمة القيمة لتكون ميسورة محققة ومشروحة فى متناول القارئ.

تطالعنى من البدايات أسماء الشقيقين مع فارق السن الواضح بينهما أحمد ومحمود محمد شاكر، أجد أسميهما وتحقيقهما وشروحهما على تفسير ابن جرير الطبرى للقرآن المجيد، وعلى كثير غيرهما.. والأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، والأستاذ عبد السلام محمد هارون، وغيرهم من العلماء الكرام الذين اختاروا الطريق الصعب، القليل العائد، مضحين بنور عيونهم، وبوقتهم، ليسهروا الليالى وينقبوا ويفتشوا ويحققوا ليتيحوا لغيرهم أن يطل فى يسر مضمون العائد على ما يختارونه من أمهات كتب التراث، المخطوطة أو التى سبق نشرها بلا تحقيق أو بلا تحقيق مجزئ، فيتيحون لهذه الأسفار التى طواها النسيان وإهمال السنين، أن ترى النور وتصافحها عيون طلاب المعرفة، محققةً مشروحةً وفى ثوب قشيب.

لولا هؤلاء وأترابهم وتلاميذهم، ما أتيح إحياء هذا التراث العريض بما يستحقه من ضبط وإبراز، ولا أتيح لنا أن نطالع هذه الأعمال الخالدة التى بث هؤلاء الزهَّاد العاكفون الروح فيها.

لازلت أذكر وأنا أحضر لكتابة السيرة النبوية فى رحاب التنزيل، كيف جبت معظم المدن المصرية ومكتبات دار المعارف فيها، لأفتش عن مجلدات تفسير الطبرى للقرآن المجيد، المحققة والمشروحة بمعرفة الأخوين العلامة أحمد محمد شكر والعلامة محمود محمد شاكر، والتى توقفت للأسف عند المجلد السادس عشر، ولم يحاول أحد- أو لعله خشى المقارنة- أن يستكمل من بعد هذا العمل الجليل الذى توقف إخراجه برحيل أول الشقيقين فى سنة 1958 ثم رحيل الثانى المشهور بأبى فهر سنة 1997م. وقد دفعنى إلى هذا التفتيش الصبور عن النسخ حتى جمعتها، الفارق هائل للقراءة فيها عن القراءة فى النسخة القديمة المطبوعة من قرن، والتى يُحمد لمكتبة البابية الحلبية قيامها بإخراج أولى طبعاتها سنة 1321 هـ – 1900م، وتلتها مطبعة بولاق الأميرية بإصدار طبعة ثانية سنة 1323 هـ -1902 م، وظل الكتاب بعيدًا بعد نفاد نسخة عن متناول طلاب البحث والمعرفة، حتى طبعته مكتبة البابية الحلبية طبعة ثالثة سنة 1388 هـ – 1968 م، والتى لحقت ربما بآخر نسخها سنة 1980 فى زيارتى لمكتبات الأزهر الشريف.

نسخة تفسير الطبرى المحققة بمعرفة الأخوين شاكر، والتى توقفت للأسف عند المجلد السادس عشر، نجد الدقة واضحة فى العناية بتحديد دور كلًّ منهما فى إخراج هذا العمل الجليل- محمود محمد شاكر – الأخ الأصغر- «حققه وعلق حواشيه»، وأحمد محمد شاكر – الأخ الأكبر- «راجعه وخرج أحاديثه»، فتضافر علم الشقيقين فى إخراج هذه الطبعة المحققة المدققة العامرة بالحواشى الشارحة والمفسرة والموضحة، حتى لتكاد تكون عملاً موازيًا لا يستغنى عنه الباحث فى هذا العمل الجليل.

ملأ الشقيقان أحمد ومحمود- محمد شاكر، الدنيا إنتاجًا غزيزًا متميزًا، ولقيا من وقت لآخر بعض ما يستحقانه من تكريم، ولكن للأسف لا يعرف كثيرون- سيما غير المعنيين بدراسة كتب التراث- قدر علمهما ومكانتهما، أو مقدار ما بذلاه مجتمعين أو منفردين فى خدمة التراث والإسلام والفكر والأدب العربى.

يتفق الشقيقان شاكر، فى مولدهما لأبيهما الشيخ محمد شاكر العالم الأزهرى الذى عمل بالتدريس بالمعاهد الأزهرية، ثم تولى منصب قاضى القضاة فى السودان، قبل أن يعود لمصر ليلى مشيخة المعهد الدينى بالإسكندرية، ثم وكالة مشيخة الأزهر الشريف.

اجتمع الشقيقان اللذين يفصل بينهما فى الميلاد سبعة عشر عامًا، فى تلقى العلم من مناهله فى البيئة العلمية التى وفرها للبيت أبوهما العالم الأزهرى، وإن كان الشيخ أحمد شاكر قد استمر فى الدراسة الأزهرية حتى حصل على شهادة العالمية سنة 1917، وتبحَّر فى علم الحديث، ولقب بشمس الأئمة «أبو الأشبال»، بينما اتجه محمود شاكر الملقب بأبى فهر اتجه إلى الدراسة المدنية حتى التحق بكلية آداب القاهرة سنة 1926، ثم قطع دراسته فى الكلية فى قصة خلاف طويلة مع أستاذه الدكتور طه حسين، وليسلك طريقه بعيدًا عن الجامعة، وإن حَصَّل فيه فيوضًا من العلوم والمعارف، واهتم بالدراسة الأدبية إلى جوار تحقيق التراث، واجتمع الشقيقان فى أعمال أخرجاها معًا كتفسير الطبرى، بينما انفرد كلٍّ منهما بأعمال أخرى، أو بالاشتراك مع آخرين، مثلما اشترك أحمد شاكر فى «المفضليات» ثم «الأصمعيات» مع الأستاذ عبد السلام هارون، وبعد ذلك يطول الحديث فى سيرة كلًّ منهما.

(يتبع)

شريف عطية

شريف عطية

11:35 ص, الأثنين, 22 سبتمبر 14