
أماني زاهر – هبة محمد
كشفت نتائج أعمال بعض البنوك عن تراجع الأرباح عن الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتراوحت نسبة التراجع ما بين 31 و%54.8 باستثناء البنك الوطني للتنمية الذي شهد ارتفاعاً حاداً في حجم الخسائر بنسبة %179.3، فيما تمكن البنك الأهلي سوسيتيه جنرال من تحقيق زيادة في الأرباح بنسبة %3.
واعتبر المصرفيون أن هذا التراجع طبيعي في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية علي خلفية الثورة وما تبعها من احتجاجات ومظاهرات فئوية وتورط عدد كبير من رجال الأعمال في قضايا فساد، وتأثر كثير من القطاعات التي تتسم بمرونة الطلب أبرزها العقارات والسيارات والملابس، فضلاً عن تأثر قطاعي السياحة والصادرات.
واختلف عدد من المصرفيين حول استمرار انخفاض أرباح البنوك العام المالي الحالي فمنهم من توقع استمرار الانخفاض حتي نهاية العام في حين ذهب البعض الآخر إلي احتمال تحسنها في الربع الأخير من العام، ورهنوا تحقيق الأرباح باستقرار الأوضاع علي الصعيدين الأمني والسياسي.
واتفقوا علي أن استراتيجية البنوك هذا العام تتسم بالترقب والحذر في ظل ضعف وسائل توظيف الودائع وانخفاض النشاط الائتماني للأفراد والشركات وإعادة مراجعة ضمانات بعض القروض الممنوحة معبرين عن وجود حالة من الانكماش والركود الاقتصادي، ومشددين علي ضرورة استعادة الأوضاع الأمنية وإعادة دوران عجلة الإنتاج.
وفي هذا الصدد توقع حسام ناصر، نائب رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال، استمرار الضغط علي أرباح البنوك حتي نهاية العام الحالي، خاصة في ظل استمرار الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة، موضحاً أن البنوك لديها مشكلة في توظيف أموالها لمحدودية المجالات المتاحة للاستثمار محذراً من زيادة الاستثمار في أذون الخزانة نظراً لأن البنوك كانت تستثمر في أذون الخزانة بنسب معينة في السابق لأغراض السيولة، راهناً تحقيق الأرباح وعودة الحياة الاقتصادية باستقرار الأوضاع الأمنية ونجاح الانتخابات البرلمانية المقرر انعقادها في سبتمبر المقبل.
وفسر تراجع معظم أرباح البنوك التي أعلنت نتائجها عن الربع الأول من العام الحالي، وشهدت انخفاضاً كبيراً مقارنة بالربع الأول من العام الماضي بالانكماش في طلب الائتمان سواء شركات أو تجزئة علي خلفية تداعيات الثورة بالإضافة إلي لجوء معظم البنوك لزيادة مخصصات القروض لارتفاع مخاطر الفترة الحالية واحتمالية تعثر بعض العملاء.
وقال إن استراتيجية البنوك خلال الفترة الحالية قائمة علي الحذر والترقب للأوضاع، موضحاً أن هناك حذراً من الجانبين سواء من البنوك أو المستثمرين، مدللاً علي ذلك بأن معظم المستثمرين أجلوا خططهم الاستثمارية وآخرين لا يعملون بكامل طاقتهم الإنتاجية نظراً لحالة الركود والانكماش مما أثر سلباً علي أرباح الشركات وتدفقاتها النقدية وهو ما أدي إلي انفخاض الطلب علي الائتمان وبالتالي تأثرت أرباح البنوك بالانخفاض، لافتاً إلي تأثر كل القطاعات الاقتصادية بأحداث الثورة إلا أن القطاعت ذات الطلب المرن شهدت تأثراً كبيراً كقطاعات العقارات والسيارات والملابس والصناعات المنزلية فضلاً عن تأثر قطاع السياحة.
وأرجع قيام بعض البنوك برفع سعر الفائدة علي الإيداع في ظل ضعف وسائل توظيف الأموال إلي أن ذلك سيدفعهم لرفع الفائدة أيضاً علي الإقراض بالإضافة إلي تفكير البنك المركزي برفع سعر العائد علي إيداعات الكوريدور مما جعل البعض يلجأ لرفع الفائدة علي عائدي الإيداع والإقراض بنسب طفيفة تصل لنحو %0.5 متوقعاً قيام معظم البنوك برفع الفائدة خلال الفترة المقبلة.
وشدد نائب رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال علي ضرورة استقرار الحالة الأمنية لجذب الاستثمار المحلي قبل الأجنبي، موضحاً أن الانفلات الأمني هو ذو التأثير الأكبر علي الوضع الاقتصادي الحالي، وهو الذي يحد من توسعات المستثمرين، بالإضافة إلي ضرورة إيقاف المظاهرات الفئوية للعمل علي سرعة عودة الاستقرار.
ولفت محمد حامد إبراهيم، مدير عام مخاطر الائتمان ببنك مصر، إلي استمرار انخفاض أرباح البنوك هذا العام نظراً لضعف المحاور الثلاثة التي كانت تعتمد عليها البنوك قبل الثورة وهي القطاع الخاص، والمشروعات الحكومية، والاستثمار الأجنبي، موضحاً أن القطاع الخاص يشهد تورط عدد كبير من رجال الأعمال في قضايا فساد ومعظم هؤلاء كان لهم مشاريع وخطط اقتصادية كبيرة فضلا عن تخوف البعض الآخر من التوسع في مشروعات جديدة، بالإضافة إلي عدم قدرة الدولة علي الدخول في مشروعات جديدة وأخيراً ضعف الاستثمار الأجنبي نظراً للحالة الأمنية غير المستقرة.
وأوضح أن انخفاض أرباح البنوك في الربع الأول شيء طبيعي ومتوقع في ظل الأوضاع الاقتصادية التي مرت بها الدولة عقب الثورة، لافتاً إلي أن البنوك لديها استعداد للتمويل مع الحرص الشديد علي انتقاء المجالات التي يتم الاستثمار فيها بحيث يتم تحقيق عائد جيد مع مخاطر محسوبة، موضحاً أن معظم أنشطة البنوك تركزت في الفترة الماضية علي فتح اعتمادات مستندية وتمويل أنشطة تجارية لتوفير السلع الأساسية، مشيراً إلي اتجاه بعض البنوك الأجنبية الفترة الأخيرة إلي رفع الفائدة لجذب مزيد من الودائع استعدادا لمرحلة الاستقرار المرتقبة مع بداية العام المقبل.
وأشار إلي تأثر النشاط الاقتصادي بثلاثة أمور رئيسية تتمثل في الانفلات الأمني وأحداث الفتنة الطائفية وحظر التجوال، موضحاً أن حل هذه الأمور الثلاثة من الأشياء الحيوية والمهمة خلال الفترة المقبلة، مشدداً علي ضرورة ترتيب الأولويات والاهتمام بإعادة دوران عجلة الإنتاج مرة أخري وتشغيل المصانع المغلقة والمعطلة.
وعبر عن تأثر نشاط التجزئة بشكل كبير إبان الثورة نظراً لتخوف البنوك من عدم استقرار الأفراد في أعمالهم بعد اضطراب الأوضاع مما تسبب في ارتفاع مخاطر تمويل نشاط التجزئة، موضحاً أن الاقتصاد دائرة واحدة الكل يؤثر في الآخر مما يستلزم استعادة الأمن والاستقرار للحد من الضغط علي أرباح البنوك.
وأوضح أن البنوك الحكومية لديها دور اجتماعي ووطني كبير خلال الفترة المقبلة لتمويل المشروعات القومية الكبيرة متوقعاً عودة نشاط القروض المشتركة خلال الفترة المقبلة لتمويل مشروعات البنية الأساسية لافتاً إلي أن هذه المشروعات ذات هامش ربح منخفض.
ويري أحمد سليم، نائب مدير عام بالبنك العربي الأفريقي الدولي، أن انخفاض أرباح البنوك حدث طبيعي في ظل الظروف الاقتصادية الحالية فضلاً عما يشهده الشارع المصري من مطالب فئوية واعتصامات وثورة مضادة بالإضافة إلي تعثرعدد كبير من العملاء مما أدي إلي طلب البعض التأجيل وتوقف البعض الآخر عن السداد، مشيراً إلي أن منح الائتمان والقيام بالاستثمار يحتاجان إلي الاستقرار بالإضافة إلي أن ما تم تداوله مؤخراً عن أن الاستثمارات الأجنبية تلاشت ووصلت إلي الصفر لافتاً إلي عدم استعداد رجال الأعمال للدخول في استثمارات جديدة، فضلاً عن وجود عدد كبير من رجال الأعمال رهن المحاكمة، متوقعا استمرار تراجع الأرباح خلال الربعين الثاني والثالث علي أن تبدأ التعافي خلال الربع الأخير من العام الحالي.
وتابع: إن الخطوات التي تتخذها الحكومة خلال الفترة الراهنة تساعد علي عودة نشاط رجال الأعمال والذي سيساهم بدوره في إعادة تشغيل العمالة مما يسهل علي البنوك تحصيل مديونياتها ويؤدي إلي انعاش الحياة الاقتصادية من جديد، مشيراً إلي أن البنوك في الفترة الحالية تتخذ بعض الإجراءات بشأن الائتمان من خلال مراجعة ضمانات القروض التي تم منحها خلال الفترة الماضية، فضلاً عن مراجعة طريقة الإقراض وشروطه، لافتاً إلي أن البنوك بدأت تزداد حرصاً في منح الائتمان والتدقيق في ضمانات المشروعات فهو نوع من الحذر وليس تخوفاً، مؤكداً أن سياسات منح القروض لم تختلف عما سبق لكن لابد من مراعاة الإجراءات التي جدت علي الساحتين السياسية والاقتصادية.
وأكد أهمية الاستثمار المباشر خلال الفترة المقبلة علي أن تتعاون الدولة مع البنوك من خلال عدد من المشروعات المهمة أبرزها مشروعات البنية الأساسية، مشيراً إلي أهمية عمل دراسة جدوي لهذه المشروعات معتبراً دخول الدولة كشريك مع البنوك عاملاً مطمئناً للمشاركة لكنه يتوقف علي رغبة الدولة وليست البنوك منادياً بزيادة نسبة مشروعات الشراكة بين القطاعين الخاص والعام.
ولفت إلي ضرورة تشجيع التعاونيات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تستوعب عدداً كبيراً من العمالة، مشيراً إلي أنه من الممكن أن تقوم البنوك بتخفيض سعر الفائدة للتشجيع علي الإقراض والبدء في مشروعات جديدة لكنه ليس الوقت المناسب للقيام بهذا الإجراء نظراً لحالة الركود.