تتخذ تكلفة التصنيع في الصين منحني تصاعدياً مع اتجاه الشركات والحكومات المحلية لرفع الحد الأدني لأجور العمال، الأمر الذي قد يرفع من تكفة منتجاتها، تزداد هذه التكلفة أكثر في حال رفع الصين قيمة عملتها المحلية الرينمينبي أمام الدولار خلال العام الحالي.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن أجور عمال المصانع في الصين مازالت أقل من نظيرتها في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يبلغ الحد الأدني للأجور في جنوب الصين نحو 125 دولاراً في الشهر.
وقال دونج تاو، الخبير الاقتصادي لدي بنك كريدي سويس، أن الصين لعبت لفترة طويلة دوراً مهماً، كصمام أمان ضد الارتفاع الجنوني لأسعار منتجات الشركات العالمية نتيجة المنافسة السعرية الحادة التي تواجهها من قبل الشركات الصينية منخفضة التكلفة، فإن هذا العصر يبدو كأنه في طريقه إلي النزول.
وقد ازدادت التحولات زخماً يوم الأحد الماضي، عندما أعلنت شركة »فوكسكون تكنولوجي« عن عزمها مضاعفة رواتب عمالها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وتعد شركة فوكسكون تكنولوجي واحدة من أكبر شركات الإلكترونيات في العالم، حيث تقوم بتصنيع كل شيء بدءاً من أجزاء التليفون المحمول »آي فون« الخاص بشركة »أبل«، وصولاً إلي الحواسب الآلية لشركة »ديل«، يأتي إعلان الشركة عقب انتحار عدد من عمالها بجنوب الصين، وتوجيه الاتهامات لها لسوء معاملة العمال.
كما قالت شركة هوندا اليابانية لتصنيع السيارات، إنها وافقت علي رفع أجور نحو 1900 من عمالها في أحد مصانعها بجنوب الصين بما يتراوح بين %24 و%32، علي أمل إنهاء إضراب استمر طوال أسبوعين.
تأتي التغيرات الجديدة نتيجة نمو نفوذ العمال في الاقتصاد الصيني، إضافة إلي معاناتهم من ارتفاع أسعار الغذاء والعقارات بوتيرة أسرع من نمو أجور العمال المهاجرين.
ورأي المحللون أن بكين تدعم اتجاه رفع الأجور بين الشركات الصينية من أجل تحفيز الاستهلاك المحلي وتقليص اعتماد الاقتصاد علي الصادرات منخفضة الأسعار.
كما أن صانعي السياسة في الصين يؤيدون زيادة الأجور لتقليص الفجوة بين دخول الأغنياء والفقراء.
قالت الحكومة المحلية في بكين الأسبوع الماضي، إنها تعتزم رفع الحد الأدني لأجور العمال بنحو %20، أي حوالي 140 دولاراً في الشهر.
وتستعد عدة مدن صينية أخري لتطبيق إجراءات مماثلة لرفع الأجور.
كما تتجه المصانع الكبري إلي رفع أجورها في محاولة لاستقطاب عمال جدد في وقت تعاني فيه بعض المصانع من نقص في العمالة.
وقال مارشال ماير، الخبير الاقتصادي لدي جامعة بنسلفانيا، إن هناك مجموعة من التغيرات الديموجرافية في الصين ساهمت في تقلص المعروض من العمال الشباب في سوق العمل وهو ما يضيف ضغوطاً لرفع الأجور.
واتجهت الحكومات المحلية، مؤخراً إلي تفعيل تشريعات العمل والبيئة علي الشركات، ما ساهم في رفع تكلفة الإنتاج أكثر.
ولعل أبرز الهواجس التي تنتاب الشركات الصينية هو اتجاه الحكومة لرفع قيمة عملتها المحلية. مما قد يرفع من أسعار منتجاتهم في الخارج ويحد من قدرتهم التنافسية تباعاً.
كانت الصين قد تعهدت طويلاً بترك عملتها تتحرك دون تدخل حكومي، إلا أن الأزمة المالية العالمية جعلت بكين تعيد ربط الرينمينبي بالدولار كوسيلة لحماية صادراتها.
ورغم أن العمالة لا تشكل سوي نسبة صغيرة من إجمالي تكلفة المنتجات، فإن ارتفاع أجور العمال سيكون له تأثير واسع علي سلسلة العرض ورفع أسعار المنتجات الصينية.
مارست الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطاً عديدة علي الصين للمساعدة في تعافي الاقتصاد العالمي عن طريق زيادة معدلات استهلاكها وتقليص الفائض التجاري الضخم لديها.
وقال المحللون، إن ارتفاع تكلفة العمالة لا يعني نهاية عصر الإنتاج منخفضة التكلفة في الصين، إلا أنه بلا شك سيغير من التركيبة الصناعية لهذا البلد.
وقال ماري جالا جير، مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة ميتشجان، إن الصين لن تفقد قاعدتها الصناعية لأنها تمتلك سوقاً محلية ضخمة، لكنها ستتحول نحو إنتاج السلع الفاخرة أكثر في المستقبل.