تصاعدت وتيرة الأحداث السياسية والأمنية في دول المنطقة العربية وشمال أفريقيا، مما أدي إلي زيادة المخاوف علي حركة الاستثمارات في تلك الدول، لا سيما الاستثمارات في مجال البنية التحتية والإسكان والمقاولات.
وقد أجمع متعاملون في قطاع المقاولات المصري علي الدور السلبي الذي لعبته أحداث تونس في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوقعوا امتداد التأثيرات السلبية لفترات طويلة، في الوقت الذي تباينت فيه ردود أفعالهم بشأن تجاوز التأثيرات دولة تونس لجميع المناطق المحيطة، خاصة المغرب وليبيا، والتي ساهمت دعوة حكوماتيهما السابقة لشركات المقاولات المصرية للاستثمار بهما في تصنيفهما ضمن الأسواق الخارجية الجاذبة.
وأكد خبراء القطاع أن اتجاه البنوك نحو فرض مزيد من الشروط للحصول علي خطابات ضمان لشركات المقاولات العاملة أو المستهدفة لهذه الأسواق، له بالغ الأثر في غياب هذه الأسواق عن خطط شركات المقاولات المستقبلية.
في البداية، أقر المهندس أحمد السيد، رئيس الشركة القابضة للتشييد، بالدور السلبي الذي تلعبه السياسة في استقرار النواحي الاقتصادية، ومن بينها خطط مشروعات البنية الأساسية والإسكان التي تهتم بها شركات المقاولات، خاصة في ظل مساعي الشركات المحلية، ومنها التابعة لقطاع الأعمال العام، نحو التوسع خارج البلاد لتعويض نقص المشروعات المتاحة أمامها بعد تفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد السيد أن الأسبوع الماضي، الذي شهد تصاعد الاضطرابات في تونس وامتدادها إلي عدد من البلدان، لم يشهد أي أنباء سلبية حول تأجيل مشروعات بعنيها، أو التراجع عن الخطط الموضوعة مسبقاً.
وأوضح أن السوق التونسية لم تكن مستهدفة من جانب شركات المقاولات المصرية، في ظل انخفاض حجم المشروعات المطروحة بها، وملاءمتها لحجم الشركات المحلية العاملة هناك، فضلاً عن العلاقة المباشرة للدولة مع فرنسا.
وأوضح أن الشركات التابعة للقابضة للتشييد، البالغ عددها 20 شركة، تتواجد في بلدان عمان والإمارات »أبوظبي«، والسودان واليمن وليبيا، فيما ينصب تركيزها في الفترة المقبلة علي سوقي السعودية وقطر، في ظل مشروعات البنية التحتية العملاقة المزمع إقامتها في هاتين السوقين.
وأشار إلي أن العامين الماضيين اللذين شهدا التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية، اتسما بتأخر الدول العربية الغنية في سداد مستحقات المقاولين، لفترات قليلة بسبب نقص معدلات السيولة.
من جهته، أكد المهندس عليوة شلبي، رئيس مجلس إدارة النصر للأعمال المدنية، أن شركات المقاولات كانت تتحوط إزاء الخروج لأسواق المغرب العربي قبل حدوث أي إضرابات سياسية أو أمنية، بصفتها أسواق غير جاذبة للاستثمارات الأجنبية، حيث تتضمن التشريعات المنظمة للعمل الاقتصادي خاصة في مجال البناء والتشييد والإسكان والمقاولات العديد من البنوك والإجراءات الطاردة للاستثمارات الأجنبية، لا سيما في دولتي الجزائر وتونس، وتتراجع نسبياً في ليبيا والسودان.
وأضاف شلبي أن حدوث التغييرات السياسية والاضطرابات الأمنية في المناطق المجاورة من شأنها زيادة المخاوف من الاستثمار بهذه المناطق، خاصة أن الاستثمارات العقارية بشقيها »الإسكان« و»المقاولات« تعد من المشروعات طويلة الأجل التي تستغرق نحو 4 سنوات في المتوسط، مما يدفع المستثمر العقاري أو المقاول لضرورة الاطمئنان التام علي استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية بالبلاد، وبالتالي يبحثون عن أسواق تتمتع بالاستقرار التام، حيث يفضل غالبية المقاولين الخروج لأسواق خارجية لا تتمتع بارتفاع هوامش الربح بقدر ما تتمتع به من استقرار في جميع المجالات.
كما أكد رئيس مجلس إدارة النصر للأعمال المدنية أن البنوك تتحفظ بدرجة كبيرة عند منح المقاولين خطابات ضمان لمشروعات في دول شمال أفريقيا، وتوقع أن تزداد شروط منح الاعتمادات المستندية تعقيداً بعد الأحداث الأخيرة نظراً لارتفاع نسبة المخاطرة، وعدم وضوح الرؤية حتي الآن، وهو ما قد يدفع شركات المقاولات للتعاقد مع شركات التأمين علي المشروعات والمعدات والعمال مثلما حدث عندما اتجهت للتوسع في العراق.
ومن جانبه أكد المهندس الاستشاري صلاح حجاب، رئيس مجلس بيت الخبرة »صالح وحجاب«، رئيس لجنة البناء والتشييد بجمعية رجال الأعمال سابقاً، أن بعضاً من أسواق هذه المنطقة خاصة ليبيا والمغرب يمتاز بوجود طلب تراكمي متزايد في مجال الإسكان والبنية التحتية.
وهذه الأحداث لن تقلل هذا الطلب.. بل ستساعد علي تسريع معدل زيادته نتيجة توقف الحكومات عن طرح المشروعات لانشغالها بالأوضاع السياسية والأمنية وتركيزها في المجال الاقتصادي علي البنوك والبورصة باعتبارهما الأسرع تأثراً والأصعب جذباً عكس القطاع العقاري الذي يتسم ببطء حركة الانسحابات، نظراً لالتزام الشركات العقارية بمشروعات لا يمكن الانتهاء منها أو تصفيتها بسهولة وبصورة فورية.
وأضاف أن تحفظ البنوك في منح خطابات الضمان لشركات المقاولات لتنفيذ مشروعات بهذه الأسواق يتسم بالمنطقية، نظراً لعدم استقرار ووضوح الأوضاع الاقتصادية، لافتاً إلي وجود بنوك أجنبية بهذه الدول يمكن للشركات المصرية الاعتماد عليها خاصة في ليبيا والسودان.
واستبعد حجاب تأثر خطط حكومات دول المغرب العربي للتوسع في مشروعات البنية الأساسية ومساعيها للاعتماد علي الشركات المصرية، بالأوضاع السياسية الجارية، خاصة أن الدعوة موجهة من قبل الحكومات والمؤكد عدم تغييرها خلال الفترة المقبلة.. ومن ثم ضمان حصول شركات المقاولات التي ستلبي الدعوة علي مستحقاتها.. وإن أكد حجاب اقتصار التمثيل علي الشركات الكبري فقط، نظراً لافتقاد الشركات الصغري والمتوسطة لثقافة الاستثمار خارج الحدود المحلية، وليس بسبب أحداث تونس والعراق.
وفي حقل البنوك، أكد صلاح محروس، المدير ببنك مصر، أن السياسات الائتمانية للبنوك تتأثر بصورة مباشرة بالأحداث السياسية، ولكن بالنسبة لدول المنطقة فإن تأثر سياسات البنوك بالأوضاع السياسية والأمنية لم يتجاوز دولة تونس.. وسيكون تأثيراً وقتياً طارئاً.
أما بالنسبة لباقي الدول فلم تفرض البنوك أي شروط لمنح خطابات ضمان للشركات المصرية العاملة بها، طالما تأكدت من عدم وجود أي أعمال عنف أو إرهاب بجميع دول المنطقة العربية باستثناء تونس والسودان، اللتين سرعان ما سيعود الاستقرار إليهما بمرور الوقت، بالإضافة للعراق وهي حالة استثنائية.
وأوضح حسن غانم، مدير ائتمان بنك بي إن بي باريبا، أن البنوك المصرية بصفة عامة تتحفظ علي منح أي قروض أو خطابات ضمان للشركات العاملة بأسواق شمال أفريقيا نتيجة ندرة الشركات العاملة هناك، والتي تطلب خطابات ضمان أو قروضاً من بنوك مصرية، وأكد أن الأحداث الأخيرة المتلاحقة ستدعم هذا الاتجاه لدي البنوك.
وأكد الدكتور عادل رحومة، رئيس لجنة العلاقات الدولية باتحاد المستثمرين، أن أي اضطرابات تحدث تؤثر علي الاستثمارات، وعلي حركة روؤس الأموال بين الدول والذي يصعب التكهن بمدي تأمينها، لافتاً إلي أن الاضطرابات دائماً ما تتسبب في تغيير مسئولين وأفراد.. ومن ثم فإن شركات المقاولات التي نفذت مشروعات ضخمة في الدولة القطرية تتعرض لضياع مستحقاتها في أغلب الأموال.
وقال »رحومة« إن عدم استقرار الأوضاع داخل المنطقة في هذه الفترة سينعكس بالسلب علي التركيبة الاقتصادية بشكل عام من ناحية التبادل التجاري، والأمور المتعلقة بخطابات الضمان والتي يصعب أن تتوافر من المصارف بسبب قلق البنوك من عدم القدرة علي السداد بعد تغطية المشروع مالياً، مشيراً إلي أن البنك يفضل إصدار خطابات ضمان في مشروعات تنفذ بدول مستقرة داخلياً.
وأوضح »رحومة« أن المشروعات التي تم الاتفاق عليها بالفعل في دول شمال أفريقيا سيتم تقييم مدي الاضطراب داخل كل دولة، حيث سيتم تعليق المشروعات المزمع تنفيذها في الدول غير المستقرة مستبعداً أن يكون هناك تنفيذ لمشروعات في تونس، خلال الفترة الحالية علي الأقل بسبب المصير الغامض للأوضاع التونسية بشكل عام.
وأكد أن التعاقدات المبرمة في أسواق المغرب والسعودية علي سبيل المثال لن تمس لعدم وجود ما يدعو للتأجيل، حسب وصفه.
وكشف »رحومة« عن قلقه الشديد من توتر الأوضاع في المنطقة العربية، مشيراً إلي أنها أثرت بالسلب علي مجهودات الفترة الماضية التي شهدت تعاوناً اقتصادياً بين مصر والعديد من الدول العربية، خاصة في مجال المقاولات وتنفيذ المشروعات بتلك الدول، بعد تركيز الجانب المصري علي الدول العربية في المقام الأول لفتح أسواق بها ثم أفريقيا التي تحتاج وقتاً طويلاً لفتح أسواق بها.
وأكد »رحومة« أن أي دولة لن تجبر القطاع الخاص بها علي إبرام تعاقدات مع دول غير مستقرة خاصة مصر التي برغم أنها رسمياً حريصة علي الانفتاح علي العالم العربي في مجال الاستثمارات، فإنها وفي المقابل تعتمد علي القطاع الخاص الذي سيرفض تنفيذ مشروعات دون ضمان الحصول علي المستحقات.
..ومصــدرو مـــواد البنــاء يستبـعــدون التــأثر بأحــداث تــونسأيمن عيسي
سيطرت حالة من الترقب علي المتعاملين في أسواق مواد البناء المحلية بعد الأحداث المتلاحقة في المنطقة العربية خلال الفترة الحالية، فيما تباينت آراء المتعاملين بين مؤيد لاحتمال وجود انعكاسات سلبية علي صادرات مواد البناء المصرية، وبين فريق آخر يري أن الدول التي بها اضطرابات ليست سوقاً للصادرات المصرية بل هي منافس لها، ومن ثم فإن انعكاس الأحداث علي المنتجات المصرية سيكون إيجابياً.
بداية استبعد أيمن حمدون، نائب رئيس غرفة مواد البناء، أن تؤثر الأحداث الراهنة بالسلب علي صادرات مواد البناء، خاصة أن السوق التونسية ليست من الأسواق المستقبلة لمنتجات مواد البناء المصرية، استناداً إلي كونها دولة انتهت من مشروعات البنية التحتية.
وتوقع »حمدون« أن تؤثر ثورة الياسمين التونسية، بالإيجاب علي المنتجات المصرية من الناحية الاقتصادية، لأن المستوردين المتعاملين مع تونس سيتجهون لاستيراد حصصهم من مواد البناء من الدول المجاورة وفي مقدمتها مصر.
وقال »حمدون«، إن سير الأحداث في معظم دول المنطقة العربية لن يؤثر علي السوق المصرية، وحدد »حمدون« الأسواق الجزائرية والمغربية والليبية كأهم الأسواق الواعدة بالنسبة لمنتجات مواد البناء المصرية.
مشدداً علي ضرورة استهداف الجزائر كأحد أهم أسواق المنطقة، خاصة مع بداية العمل في مشروعات البنية التحتية بها والتي لن تنتهي قبل نحو 10 إلي 15 عاماً.
وطالب »حمدون« المصدرين بضرورة التوجه إلي الجزائر ومنافسة صادرات الصين وتركيا إليها، مستبعداً أن تشهد الجزائر أي توترات خلال الفترة المقبلة علي الرغم مما يحدث حالياً من اعتراضات لم تسفر عنها أي فوضي.
واعتبر حمدون السوق الجزائرية سوقاً وليدة تمر بمرحلة بناء وهي أكثر حرصاً علي إنشاء بنية تحتية ولا يوجد ما يدعو للقلق من اختراق السوق الجزائرية، بعكس تونس التي انتهت من أعمال البنية التحتية.
واستبعد حمدون انتقال الأحداث الأخيرة للأردن، لما تتمتع به من كونها مملكة لها نظام خاص بها جغرافياً وتاريخياً.
وطالب بضرورة الانفتاح علي جميع الأسواق في القُطر العربي ما عدا تونس مؤقتاً، مستبعداً أي تغييرات حقيقية في الأوضاع الداخلية لمعظم البلدان، وبالتالي فقد يكون الوقت مناسباً للاتجاه لهذه الأسواق أكثر من أي وقت مضي.
وأكد أحمد الميقاتي، عضو مجلس إدارة شركة جنوب الوادي للأسمنت، أن الأحداث الراهنة ستكون لصالح قطاع مواد البناء المصري بشكل عام، مدللاً علي ذلك بحرص الحكومات خلال الفترة الحالية علي احتواء غضب الشعوب، ومن ثم ستكون هناك إغراءات وحوافز من شأنها زيادة التوجه لتنمية الدول من خلال الإنشاءات وبناء مساكن للشباب وهو ما سيحدث معه تنشيط لحجم الصادرات المصرية لتلك الدول.
وأشار »الميقاتي« إلي أن السوق التونسية تعتبر من الأسواق الضعيفة بالنسبة لطلب المنتجات المصرية، بسبب أنها تنتج سلعاً في قطاع مواد البناء تقترب من جودة المنتج المصري.
وأضاف الميقاتي أن الأسواق الأخري التي تستعين بمواد البناء المصرية لا تشهد اضطرابات ضخمة، وحتي الآن لم تصل هذه الاضطرابات إلي مرحلة تدعو للقلق.
وعلي صعيد متصل أشار »الميقاتي« إلي أن ا نقسام السودان سيدعم حصول المستثمرين المصريين علي نصيب الأسد في المشروعات المتوقعة إقامتها لتنمية الدولة الوليدة حال الانفصال مما يدعم انتعاش سوق مواد البناء.
واستبعد تكرار سيناريوهات التوترات في ليبيا والمغرب اللتين تعدان من الأسواق الواعدة بالنسبة للمنتجات المصرية.
وأضاف: إن تخوف الحكومات العربية من انتقال التوترات في تونس إلي باقي الدول سينعكس بالإيجاب علي صادرات مواد البناء المصرية، من خلال زيادة اهتمام الحكومات بإرضاء الشعوب خلال الفترة المقبلة، وفي المقابل أكد مصدر بإحدي شركات الأسمنت- رفض ذكر اسمه- أن الفترة المقبلة ستشهد متغيرات متعددة داخل المنطقة العربية كلها، ومن ثم يتعين علي المتعاملين في كل القطاعات الاقتصادية انتظار ما ستسفر عنه حالة الحراك في الوطن العربي، لافتاً إلي أن ما حدث في تونس لم يتوقعه أحد، وبالتالي فإمكانية تكراره ليست بعيدة، الأمر الذي سيعمل- علي الأقل- علي تأجيل الاتفاقيات التي تنوي الشركات إبرامها مع القطاعين العام والخاص بهذه الدول.
وأضاف: إن حركة التجارة بين مصر والدول غير المستقرة سياسياً ستتأثر بالسلب، خاصة أن أصحاب القرارات الاقتصادية داخل هذه الدول من المحتمل رحيلهم في أي وقت، وعليه فقد يكون الانتظار والترقب هما السمتان المسيطرتان علي مسئولي شركات مواد البناء حالياً وعلي معظم القطاعات الاقتصادية الأخري، المشتركة بين أطراف المنطقة العربية، ولفت إلي أن الفترة المقبلة في مصر ستشهد زيادة كبيرة في إنتاج مواد البناء سواء بإصدار تراخيص جديدة لإنتاج الحديد أو لدخول شركات أسمنت جديدة إلي السوق، الأمر الذي يتوقع معه المصنعون اقتحام أكبر قدر ممكن من الأسواق في المنطقة العربية للاستحواذ علي متطلباتهم من مواد البناء لتصديرها.
وأوضح أن دولاً عربية ستسعي إلي مساعدة تونس علي حل أزمتها الداخلية، وهو ما سيضمن عدم امتداد الثورة التونيسة إلي باقي دول المنطقة، وبالتالي عدم تأثر أسواق مواد البناء الخارجية علي المنتج المصري، وهو ما سيجعل التطلعات التي يصبو إليها مصنعو مواد البناء تتحقق، بالرغم من أن تونس لم تكن مستقبلاً لصادرات مصر من هذا المنتج، ويمكن احتمالية حدوث انقلابات في أي من الدول المجاورة المهمة بالنسبة للمنتج المصري تجعل الجميع في حالة قلق وحذر بعد الهدوء النسبي الذي يسيطر علي المنطقة حالياً، إلا أنه ليس مقياساً لعدم التغيير الفوري في الأوضاع في المنطقة كلها.