ركزت شركات صناع الدواء الكبري دائماً علي المعايير ذات الإقبال الشديد عليها لتعزيز أرباحها، ولكن هذا النموذج يشهد تغييراً.
وكانت شركات الأدوية الكبري مثل جلاكسو سميث كلاين، قد اعتمدت علي مجموعة من العقاقير التقليدية ذات الإقبال الشديد والمرتفعة السعر الناتج عن مبيعاتها مليارات الدولارات في العام، ولكن مع انتهاء فترة حماية حقوق الملكية الفكرية لهذه العقاقير مثل دواء »لبيتور« المضاد للكولستيرول الذي تنتجه شركة فايزر، وهو الدواء الأكثر مبيعاً في التاريخ، فإن شركة صناعة الأدوية الكبري عليها إعادة التفكير في نموذجها الذي تنتهجه في أعمالها التجارية،
l
ومع خروج معظم أدوية شركة جلاكسو سميث كلاين، المربحة خارج نطاق فترة حماية الملكية الفكرية والتأثير السلبي المتزايد الذي تتسبب فيه الأدوية البديلة علي أرباح الشركة، فإن الإصلاحات الجديدة في قانون الرعاية الصحية كانت أقل ما يقلق الشركة والتي قدم رئيسها التنفيذي »اندرو ويتي« آخر النتائج المالية للشركة الشهر الماضي، وذكر »ويتي« أن هذه النتائج تشير إلي أن نسبة الأدوية التقليدية الواقعة في نطاق الحماية الفكرية والأدوية الكيماوية، والتي تباع بشكل رئيسي في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية قد هبطت إلي أكثر قليلاً من ربع إجمالي المبيعات، وأضاف »ويتي« أنه بالنسبة لشركته فإن ذلك يعني تحولها بعيداً عن بيع هذه الأدوية في الأسواق الغربية، وقد أعطي ذلك إشارة علي كيفية استجابة أكبر شركة أدوية في بريطانيا والصناعة بشكل عام للضغوط الهيكلية، حيث اتبعت نهج التنوع من أجل البقاء.
وذكرت جريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية، أن معظم شركات صناعة الأدوية الكبري قد تبنت أربع استراتيجيات رئيسية للتنوع أولاها: التوسع في مدي المنتجات في خط البحث والتطوير واستخدام العلماء من الخارج والمحليين لاكتشافها، وثاني هذه الاستراتيجات هو التوسع جغرافياً، خاصة داخل الأسواق الناشئة، وثالثها زيادة مبيعات منتجات أخري بخلاف الأدوية التي تتمتع بحقوق حماية الملكية الفكرية، ورابعها اتباع مرونة أكثر في تسعير الدواء في الدول المختلفة.
فبالنسبة لاستراتيجية تحسين »الأبحاث والتطوير« قال جون ليكليتر، رئيس شركة »إيلي ليلي« العالمية للأدوية، إنه في الوقت الذي يكون فيه العالم في أمس الحاجة لمزيد من الأدوية الجديدة تستغرق شركات الأدوية الكثير من الوقت، وتنفق الكثير أيضاً لإنتاج القليل للغاية، وأضاف أن إعادة تقوية عملية ابتكار الأدوية تعد حاجة ملحة، وأن أوسع التكتيكات انتشاراً لتغيير ذلك هو إعادة الهيكل بهدف دعم عملية الابتكار، ويرجح الرؤساء التنفيذيون تبني شركات الأدوية إنشاء مشروعات بهدف تحفيز بيئة القاعدة العلمية المحلية صغيرة الحجم لشركات التكنولوجيا الحيوية والعثور علي شركاء خارجيين لزيادة اتساع قائمة منتجاتهم.
وقد بدأت شركة »ميريك« للأدوية والكيماويات والتي كانت تشعر بالفخر في وقت ما بمنهجها المعتمد علي قدرات الشركة المنفردة، بدأت بمراقبة الأبحاث التي أجريت من جانب غيرها من الشركات والهيئات الأكاديمية، ففي العام الماضي ساعدت علي دعم خط إنتاجها بشرائها واندماجها مع شركة »شيرنج بلاو«.
كما قامت شركة »جلاكسو سميث كلاين« العام الماضي بفصل عملها الخاص بمرض نقص المناعة المكتسبة »الإيدز« بشكل كامل، ونقله إلي مشروع مشترك مع شركة فايزر للأدوية للمشاركة في الخبرات والتكاليف والمنافع لتطوير منتج جديد، وقال جيف كيندلير، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، إن الشركة الجديدة يمكن أن تصل إلي مزيد من المرض وتحقيق نتائج أفضل كثيراً بالنسبة للعلاج من مرض الإيدز عالمياً أكثر من أي شركة منفردة.
كما نوعت معظم الشركات من أبحاثها لإنتاج الأدوية، حيث تحولت من اعتمادها التقليدي علي الأدوية الكيماوية إلي البيولوجية وممن ضمنها اللقاحات، وقد عززت شركة استرازنييكا من مثل هذه الخطوة عبر شرائها للشركات التي تركز علي إنتاج أدوية بيولوجية مثل »كات« و»ميد ايميون«، كما أعاد استحواذ شركة »روشيه« الكامل علي شركة »جنينتيك« في العام الماضي تركيز الشركة علي المنتجات البيولوجية لمعالجة مرض السرطان، وربما يكون الاتجاه الأكبر في الشهور الماضية هو إزالة الحظر الخاص بتخفيض النفقات في مجال البحث والتطوير، وهي النفقات التي كان يتم توفيرها في السابق بشكل كبير عبر تقليص التكاليف الخاصة بالتسويق وغيرها من التكاليف، فعلي سبيل المثال استحوذت شركة »فايزر« علي شركة »وايث« العام الماضي سعياً للتخفيف من التأثير المتوقع لانتهاء فترة تمتع بعض الأدوية بحقوق الملكية الفكرية، وقد سمح لها هذا الأمر بالعودة إلي الأبحاث الداخلية وتوفير موادر لخلق شراكات مع باحثين من خارج الشركة.
ولكن حتي في حال قيام هذه الإصلاحات في مجال البحوث والتطوير، بتعزيز عمليات الابتكار، فإن المنافع بالنسبة لبعض الشركات لن تأتي سريعة بالشكل الكافي، لأن تأثير الخسائر المتوقع أن تتكبدها شركات الأدوية، نتيجة انتهاء فترة حماية حقوق الملكية الفكرية للأدوية التي تنتجها، سيتجاوز كثيراً فوائد ابتكار أدوية جديدة، ويقدر نايلز بنيكي، الشريك في شركة »باين« لتقديم الخدمات الاستشارية، أن تصل خسائر مبيعات شركات الأدوية إلي 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة مع انتهاء فترة حماية حقوق الملكية الفكرية، بينما تقدر قيمة العقاقير التي يتم تطويرها في خط الإنتاج المشترك للصناعة والتي يمكن إطلاقها في السوق خلال هذه الفترة 30 مليار دولار فقط.
وبالنسبة لاستراتيجية الأسواق الجديدة توجد سبل أخري للتنوع عن طريق التوسع داخل مناطق جغرافية جديدة لدعم الدخل الناتج عن الأدوية المتواجدة بالفعل، وهناك بعض الشركات التي تظل مرتبطة بالأسواق التقليدية مثل شركة »بريتول مايسرز سكويب« والتي مازالت تعتمد علي السوق الأمريكية في أكثر من %60 من مبيعاتها، وهناك شركات أخري خاصة شركات صناعة الأدوية الأوروبية والتي تمتلك أسواقاً محلية صغيرة نسبياً وعلاقات تاريخية قوية بالخارج، بذلت جهوداً لزيادة مبيعاتها في الأسواق الناشئة.
وأبرمت العديد من الشركات اتفاقيات للتوسع من خلال الاستحواذات مثل شراء شركة »أبوت« لشركة »سولفاي« وهي شركة أوروبية ذات وجود قوي في الأسواق الناشئة كما قامت غيرها من الشركات بتعزيز نموها عبر الاستثمار في كل شيء بدءاً من التجارب المعملية علي الأدوية تحت الاختبار إلي منشآت التصنيع وعمليات التسويق.
أما بالنسبة للاستراتيجية الثالثة والخاصة بتنويع المنتج، فإن شركات الأدوية تقوم بتوسيع نطاق أنشطتها الخاصة وشراء أو خلق شراكات مع شركات أخري ذات أحجام مختلفة.
ففي العام الماضي استحوذت شركة »سانوفي – افينيتس« علي »زنتيفار« في سلوفاكيا و»ميدلي« في البرازيل و»كيندريك« في المكسيك.
من جانبها تحركت شركة »نوفاريتس« نحو منتجات العناية الطبية للعيون عن طريق استحواذها علي شركة »الكون«، كما عملت »جلاكسو سميث كلاين« علي زيادة قوة موقفها في مجال الرعاية الصحية للمستهلك عبر شرائها شركة ستيفيل لإنتاج منتجات علاج الأمراض الجلدية، كما استثمرت كل من شركتي »سانوفي افينتس« وميرك في نسخة موسعة من »ميريال« مشروعهما المشترك للرعاية الصحية للحيوانات، إن مثل هذه الأعمال التجارية توفر تدفقاً أكثر استقراراً وطويل الأجل للدخل مقارنة بالعقاقير التي تتمتع بفترة حماية حقوق الملكية الفكرية، ولكن الأسواق الخاصة بهذه الأعمال غالباً ما تكون أصغر حجماً، كما أن هوامش الأرباح تكون أقل، بالإضافة إلي أن المنافسة أكثر حدة وتتخطي الخبرات التقليدية لشركات الأدوية.
ويزيد التوسع الجغرافي من هذه التحديات في الأسواق المجزأة المشكوك في نتائج الأعمال بها.
ويعد الخيار الأخير بالنسبة لشركات الأدوية هو تغير نهجها التجاري فبعض الشركات مثل »نوفو نورديسك« و»روشيه« مازالت تركزان علي سعر عالمي واحد لمنتجاتهما من الأدوية لتعظيم الإيرادات وتخفيض مخاطر الانتقال من الأسعار الأقل إلي الأسعار الأكثر ارتفاعاً، وهناك شركات أخري تواصل تبرير ارتفاع أسعار منتجاتها عن طريق الإشارة إلي تكاليف التطوير المرتفعة.
ولكن مع السعي المتزايد من جانب أنظمة الرعاية الصحية نحو طرق لتوفير الأموال فإن الشركات تتجه حالياً نحو التحول عن هذه المناهج التجارية، وقد سعت كل من شركتي جلاكسو سميث كلاين وفايزر لدعم مبيعاتهما في الدول الأكثر فقراً عبر عرض خصومات أكبر علي منتجاتهما.
كما دخلت نوفاريتس وسانوفي – أفينتس و»ميرك« في مفاوضات مؤخراً بشأن الأسعار في أوروبا وأمريكا الشمالية مرتبطة بأداء منتجاتها من الأدوية في هذه الأسواق.
وتتجه شركات أدوية أخري إلي إقامة شراكات مع الأطباء وطاقم التمريض والمختصين الأخرين للعمل علي دفعهم لوصف منتجاتهم من الأدوية المناسبة لحالات المرض لديهم.
ولكن علي المدي الطويل كما يقول جاري بيانو، وهو من مدرسة هارفارد للأعمال التجارية، فإن الابتكار الحقيقي هو مصدر الفائدة الحقيقية طويلة الأجل في هذه الصناعة.
أما في الأجل القصير فإن التنوع في المنتجات والمناطق قد يوفر في أفضل الأحوال أرضية الاختبار لتطوير مهارات جديدة قابلة للتطبيق عالمياً، وفي أسوأ الأحوال فإنها قد تكون واحدة من الطرق القليلة لهذه الشركات صاحبة أضخم المشاكل الإنتاجية لاكتساب بعض الوقت.